حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تتناقل وسائل الإعلام العالمية جزءاً من المقابلة الصحفية لـبي بي سي مع (رن تشنغ في) مؤسس شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي» وخاصة العبارة التالية: «لا يمكن للولايات المتحدة سحقنا»، وربما يقصد مؤسس الشركة بذلك الشركة الصانعة لأجهزة الاتصالات أو الصين كدولة عملاقة. وتأتي هذه المقابلة بعد فترة من الزمن تم فيها اعتقال ابنة مؤسس الشركة (منغ وانزو 46 عاما) في شهر ديسمبر 2018، والتي تعمل كمديرة تنفيذية لشركة هواوي في كندا، مؤكداً المسؤول أن هذا الاتهام جاء بدوافع سياسية على الشركة باعتبارها شركة صينية، حيث تم توجيه تهماً جنائية لها، تشمل تبيض الأموال والاحتيال المصرفي وعرقلة سير العدالة والتعامل مع إيران وغيرها من الاتهامات الأخرى.
وفور اعتقال ابنة المسؤول نفت شركة هواوي ومحاميها من جانبهم ارتكاب أي مخالفات قانونية في هذا الشأن، في الوقت الذي رفض فيه مؤسس الشركة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الشركة، موضحاً أن هذا الأمر يحدث بسبب نجاح الشركة في المنافسة من حيث التقنية والأسعار، وأنه «لا يمكن لأمريكا سحقنا ولا يمكن للعالم تركنا لأننا أكثر تطوراً» في تقديم منتجات الاتصالات، مما تملكها أمريكا في هذا المجال. ومنذ مدة ليست بالقصيرة تقوم أمريكا بإقناع دول العالم بالتوقف عن التعامل مع منتجات شركة هواوي، في الوقت الذي يؤكد مؤسس الشركة أنها سوف تمضي في خفض الأسعار في حالة استمرار العداء مع منتجات الشركة، ليبقى المستهلك مستمرا في شراء منتجاتها، بالرغم من أن ذلك سوف يؤدي إلى حدوث بعض الخسائر على الشركة، ويكون لها بعض التأثيرات السلبية أيضا.
من جانبها لم تتوقف أمريكا في تحذير دول العالم من التعامل مع منتجات الشركة الصينية. فقبل مدة قصيرة، حذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حلفاء بلاده من استخدام معدات هذه الشركة على أراضيهم، قائلًا إن ذلك سيجعل من الصعب على واشنطن «اتخاذهم شركاء». وقد نجحت أمريكا بالفعل في إقناع بعض الدول في هذا الشأن، حيث قامت كل من أستراليا ونيوزيلندا بجانب الشركات المحلية في أمريكا بمنع استخدام تقنيات هواوي في توفير تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات المحمول، في الوقت الذي تدرس فيه كندا هذه الخطوة أيضا. مؤسس شركة هواوي حذر من جانبه أنه « لا يمكن للعالم ترك منتجات الشركة لأنها أكثر تطوراً»، مؤكدا أنه «إذا انطفأت الأضواء في الغرب، فإن الشرق سيستمر مضاء، وإذا ساد الظلام في الشمال فالجنوب ما زال باقياً، أمريكا لا تمثل العالم، بل هي جزء من العالم».
قصة شركة هواوي مثال جيد للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقام في العالم ومنها السلطنة ودول المنطقة، حيث مضى على تأسيسها ثلاثة عقود فقط عندما بدأ رئيس الشركة (رن تشنغ في) عام 1987 بتأسيس شركة صغيرة بقيمة 6600 دولار (2547 ريالا عمانيا) لتصبح اليوم واحدة من كبريات الشركات في العالم، ويصبح مؤسسها واحدا من أغنياء العالم، إذ تُقدر ثروته الشخصية حاليا بنحو 1.7 مليار دولار، وتمكنت من استقطاب الكثير من الجنسيات للعمل لديها، ويصبح عدد العاملين في هذه الشركة اليوم أكثر من 180 ألف موظف موزعين في جميع أنحاء العالم.
الضغوطات التي تعرضت لها الشركة مؤخرا من قبل أمريكا تأتي بسبب المخاوف الأمنية حول دور هواوي في بناء شبكات «5G» حول العالم، وطبيعة علاقة الشركة بالحكومة الصينية، حيث من المتوقع أن تزيد أرباح الشركة السنوية لهذا العام إلى 125 مليار دولار، أي ما يعادل 96 مليار جنيه استرليني. وينفي رئيس الشركة بأن تكون منتجات هواوي لديها طابع أيديولوجي معين لأن الشركة بعيدة عن السياسة وهدفها تطوير أجهزة الاتصالات والمعدات التي تدخل في هذه الصناعة. وكانت الشركة قد بدأت في تصنيع الأجهزة المتعلقة بشبكات الهواتف المحمولة منذ فترة، وحققت خلالها نموا سريعا في هذا المجال، لتتفوق على نظيرتيها نوكيا وإريكسون ما جعلها إحدى الشركات الرائدة عالميا. ومؤخرا دخلت هواوي في مجال صناعة الهواتف الذكية، واستحوذت على 15% من السوق العالمية، لتحتل المرتبة الثانية بعد سامسونغ وتتفوق على أبل.
وإزاء ذلك تعرضت الشركة في شهر ديسمبر من العام الماضي لمحنة كبيرة نتيجة لقيام السلطات الكندية بإلقاء القبض على ابنة مؤسس الشركة، منغ وانزو، أثناء الترانزيت بطلب من الولايات المتحدة وسط مزاعم طالت الشركة بسبب علاقتها بشركات تجارية في إيران. ويرى بعض الخبراء أن هذه القضية تفجرت في خضم الحرب التجارية الدائرة بين أمريكا والصين إذ تبادلت الدولتان فرض رسوم جمركية متبادلة على سلع بقيمة مليارات الدولارات. وفي الوقت الحالي تمتلك الشركة الصينية هواوي الآلاف من الموظفين في القطاع الخاص والذين يعملون بكل جهد وإخلاص لتطوير منتجات شركتهم، لكي تحظى بالقبول من جميع مستهلكي العالم. وبالرغم من إطلاق سراح ابنة المؤسس بكفالة بقيمة 7.4 مليون دولار أمريكي من قبل محكمة فانكوفر في شهر يناير الماضي، إلا أن احتمال ترحيلها إلى الولايات المتحدة قائما لمواجهة اتهامات بالتزوير ومرتبطة بانتهاك مزعومة للعقوبات المفروضة على إيران. وإن إطلاق سراحها جاء وفق عدد من الشروط التي وافقت عليها منغ منها تسليم جواز سفرها للسلطات الكندية، والعيش في أحد منازلها في فانكوفر، بجانب دفع تكلفة أمنية على مدار الساعة، وارتداء سوار في كاحلها لتحديد مواقع وجودها، وقد وافقت منغ على هذه الشروط.
لقد أدت هذه القضية إلى تدخل السلطات الصينية حيث طالب نائب وزير الخارجية الصيني السلطات الكندية بالإفراج الفوري عن منغ وحماية حقوقها، مؤكدا أن ذلك سوف يؤدي إلى حدوث عواقب وخيمة يتحمل مسؤوليتها الجانب الكندي، بجانب استدعاء السفير الكندي لدى الصين للتعبير له عن الاستياء الدبلوماسي والاحتجاج القوي بشأن اعتقال السلطات الكندية لمنغ، معتبرا أن احتجاز مواطنة صينية، في ترانزيت بمدينة فانكوفر الكندية، يمثّل انتهاكا صارخا لحقوق المواطنة الصينية ومصالحها المشروعة. ونظرا لحساسية هذا الموضوع فقد أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برأيه مشيرا إلى أنه يمكن له أن يتدخل في هذه القضية إذا كان ذلك سيساعد على تجنب التأثير سلبا على العلاقات الأمريكية الصينية، في الوقت الذي نفت فيه منغ ارتكاب أي مخالفات وقالت إنها ستطعن في المزاعم.
اليوم تواجه منغ عقوبة بالسجن لمدة 30 عاما إذا أدينت بالتهم الموجهة لها في الولايات المتحدة، في الوقت الذي يتهم فيه بعض النواب الأمريكيين شركة هواوي بأنها خطر على الأمن القومي الأمريكي بسبب استعمال التكنولوجيا في التجسس. فهل هذه التهم حقيقية أم أنها تأتي في إطار الحرب التجارية على الصين. الفترة المقبلة ستكشف المزيد من الحقائق حول هذه القضية التي تدخل فيها التقنيات الحديثة ونجاح الصين في بناء شبكات (G5) في خضم هذا الصراع التجاري بين البلدين.
المصدر: جريدة عُمان