تماضر صادق
نعيش يومياتنا بين أحداث كثيرة، بعضها حقيقي، وبعضها ملفق، بعضها جارح وبعضها عابر، بعضها يقين وبعضها ينضح بالشك، بعضها يبني وأغلبها يهدم، نمر على كل ذلك يومياً، ويكون الإنسان محظوظاً إذا مر يومه سالما من إحدى هذه التكوينات، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وسواء كانت مفيدة أو مضرة، ولكن لا مجال من التنصل من واقع أنها جزء من حياة الناس اليومية.
إن أبسط وصف يمكن أن نصف به حال الناس هو أن ندعو الله بأن يعينهم على ما وجدوا أنفسهم فيه، سواء حصل ذلك معهم عن قصد وسوء نية، أو بشكل عابر وحسن نية، ولكن لماذا يحصل ذلك؟ وهل من الضرورة أن نكون واعين لملفوظ القول وتصورات الأفكار الناتجة عنها؟
بين كلمة وفكرة
نعيش يومنا الواحد وأيام العمر المكتوبة بين عنصرين، أحدهما فكرة، والثاني كلمة، من يسبق الآخر في الحضور هذا مبني على الطريقة التي تم بها صنع الأحداث، فهناك فكرة تنشأ قبل الكلام، سببها حب أو كره أو انتقام أو حسد أو حقد أو نميمة أو ضغينة، لا تلبث هذه الأفكار أن تتحول إلى كلمات، ومن هنا تبدأ المأساة اليومية، فبعض الكلام ينتشر باللسان المباشر، أو عن طريق وسيط أو وسائط، وبعضها يصل سريعا، وبعضها يصل متأخرا، وفي كل الأحوال ثمة ردة فعل ستنتج عن الكلام المبني على الأفكار التي شكلته بالصيغة التي تبناها المتكلم، وبالتالي أرسلها خبط عشواء أو مقصودة، بطريقة فردية أو في حضرة جماعية، لتبدأ معها سلسلة من الأحداث التي غالبا تكون غير محمودة العواقب.
نفسية الناقل
في الزمن القديم كان الناقل تقليديا، شخص روى، وشخص تلقى، وطريقة النقل اللسانية يطيب فيها التزييف والتغيير والزيادة والنقصان بحسب طبيعة الموضوع، سواء كان ناقل الكلام ذكرا أو أنثى.
في الزمن الحديث تعددت النواقل، بداية من الوسائل الإعلامية التقليدية، مرورا بوسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، وبمنصات التواصل المتعددة المسميات، هذا الناقل الذي بمجرد الكتابة أو الإرسال الصوتي بات وثيقة على أن المنقول الصوتي أو المكتوب دخل حيز الانتشار السريع.
الناقل ربما لم يتحرّ دقة الخبر أو المعلومة، لم يتحر القائل قبل الناقل، ولم يتعب نفسه في وضع ما سمعه في حيز الاختبار والتحقيق البسيط، تلقى ثم نشر، وصلته المعلومة ثم أعاد تسويقها وترويجها، وهنا تحصل الطامة الكبرى، وهي أن المحتوى الذي نقله الناقل ربما يتسبب في عمل فوضى ومشاكل لا تحتمل.
نفسية الناقل هنا ربما تجد في المحتوى الذي تنشره نوعا من الارتياح، أو ربما ستصل من خلاله رسالة هو يريد إيصالها ولكنها ليست من منقوله المباشر، لذلك يحقق الناقل هدفا شخصيا، فربما يكون واعيا بالنتائج، وربما يجهل تبعاتها الاجتماعية والشخصية والقانونية.
نفسية المتلقي
بعض المتلقين يكونون معنيين بالمحتوى الذي قام أحد ما بقوله، وتسبب ناقل في انتشاره؛ فعلى المستوى الاجتماعي، يكون المتلقي أشبه بمن يضع الزيت على النار عندما يكون ناقلا هو الآخر، حينها يكون الترويج مزدوجا، وهنا تزيد المشكلة، في الوقت الذي يكون هو معني بتدقيق ما ورد إليه قبل أن يقوم بترويجه سريعا عبر منصات التواصل الجديدة، أو عبر التوصيل الشخصي إذا كان المقصود فيه شخصا بعينه، لذلك ينبغي أن تكون نفسية المتلقي أكثر حذرا، وأكثر تؤدة وانتظارا، وأكثر صبرا، من خلال التفكير المنطقي في المستوى الذي ستؤول إليه أمور الآخرين في حال قام هو الآخر بإشاعة ما وصل إليه من محتوى، العقل هنا يجب أن يعمل بشكل إيجابي لإيقاف المحتوى، خصوصا إذا كان يحمل مؤشرات فيها إضرار واضح وبيّن بالغير.
المصداقية ضرورة
من كل ذلك نخلص إلى ضرورة أن يكون أصل المحتوى الذي يتم نشره، سواء كان كلاما أو أفكارا، ينبغي تحري دقته، وينبغي أن تكون المصداقية وافرة فيه، من خلال التأكد من المصدر الذي قالها.
ثم أن هناك محتويات لا ينبغي أن تخرج للعلن، وأن تنحصر دائرتها في أدنى مستوى، وأن يعلمها أقل عدد ممكن من الأفراد، لأن اليقين الإنساني يتحرى التبليغ الصادق، وليس نشر ما وصل إليه من دون معرفة بالنتائج.
المصدر: المسار الإلكترونية