Image Not Found

كلهم ينتظر مخلصا

حسين بن عبدالخالق اللواتي

نعم كلهم ينتظر مخلصا، ومخلص الكل غائب، ولم يظهر حتى الآن، وسيظهر في المستقبل، قرب هذا المستقبل، أم بعد.
يختلفون في شخص المخلص، ويختلفون في موعد ظهوره، وفي مكان ظهوره، وفي كيفية ظهوره، ولكنهم كلهم مجمعون على ضرورته، وعلى حتمية قدومه، كما يجمعون على نوع المهمة الملقاة على عاتقه.

إنه غير مولود لدى الكثيرين، وغائب لدى بعضهم، وهم قليل، غائب بسبب الأخطار المحدقة بحياته كما يقولون، ولكن الكل يتفق على أنه سيقيم دولة العدل والإحسان والتقدم، عندما سيخرج وسيحضر.
يجمعون علي ضرورة قدومه لأسباب عقلية، وهي أقوى الأدلة، مع إختلاف خلفياتهم الدينية، والفكرية، والمكانية، والزمانية. إنه ضرورة حياتية، لا تحتاج لدليل نقلي، أو لنصوص دينية.

ينتظره المسلمون، كل المسلمين تقريبا، حيث يؤمن به قرابة 95 بالمائة من جميع المسلمين، ينتظرون ولادته، لا يعرفون إسمه، ولا حسبه، ولا نسبه، ولا شخصه، ومع هذا ينتظرون قدومه منذ أمد بعيد.
يؤمن به الشيعة خاصة، وهم يفوقون غيرهم في الإعتقاد بإنه مولود وموجود الآن، ولكنه غاب بحسب خطة موضوعة له منذ أمد بعيد، إنه موجود بيننا كما يؤمنون، فيعرفون إسمه، وكنيته، وعمره، وحسبه، ونسبه، وأباه، وأمه، ولكنهم لا يعرفون شكله، ولا عنوانه.

ويعتقدون بإنه ينتظر الظروف الملائمة لخروجه، كما ينتظر أمر وإذن الخروج من الله، والإثنين قد قربا كما يظن بعضهم، لذا ينتظرونه بكل شدة، ينتظرونه في كل صباح ومساء.
ويؤمن بالمخلص المسيحيون المتدينون، بشرت به أناجيلهم، وباتوا يستعجلون ظهوره أكثر من المسلمين، ففي كل يوم يتنبأون بظهوره، وكلهم موقن بأنه هو المسيح عيسى إبن مريم، وأنه سيعود للحياة من جديد، وسيعود للحكم من جديد، سيعود لتكوين دولة الله السماوية، الدولة الأخيرة والنهائية، لتكون جنة الله على هذه الأرض، وعلى هذا الكوكب الأرضي.
ويؤمن بالمخلص اليهود الأورثودوكس، ينتظرون يوم قدومه، يسمونه يوم “هرمجدون”، وهو يوم الحرب النهائية، يوم الحرب الكونية، حرب قبل يوم القيامة، ويؤمنون بعودة أمجاد الرب، بعد معركة هرمجدون هذه، وعودة أمجاد اليهود، وعلوهم، علوا لا يدانيه أي علو آخر.

ويؤمن بالمخلص العلمانيون، كل العلمانيون، وكل اللا دينيون، وكل الملحدون، حتى أعتى ملاحدة هوليوود من الصهاينة، وهم المظاهرون بالبعد عن كل نوع من أنواع الدين، أو الأخلاق الدينية، إلا “الإيمان” بالعلم وحده، كما يحلو لهم الإدعاء به، كل هؤلاء الملاحدة يؤمنون بالمخلص، وينتظرون خروجه بفارغ الصبر.
ولكن “مخلصهم” غير، فهو يختلف بحسب رؤية وثقافة كل منهم.

فهناك المخلص “الفاعل للخير” على شاكلة “روبن هود”،
وهناك المخلص “المحارب” للجرائم والمجرمين،
والمخلص “السوبرمان” القادم من كوكب كربتون،
والمخلص “الباتمان” سليل عائلة غنية جدا من مدينة نيويورك،
والمخلص “الأسبايدرمان” وهو شاب أمريكي بسيط،
والمخلص “الرجل الآلي” أو “الروبوت”،
والمخلصة “المرأة الحديدية” من كوكب كربتون أيضا،
والمخلصة “المرأة القطة”، وهي إمرأة سوداء بسيطة من أمريكا،
والمخلص “الرجل القرد”،

وهناك أنواعا أخرى وكثيرة من المخلصين، يأتون من داخل كوكبنا الأرضي، أو من خارج كوكبنا، وهناك المخلصون القادمون من خارج مجموعتنا الشمسية.

فهناك مخلص الأرض من “التلوث العظيم”،
والمخلص من الدمار بسبب الحروب الكونية “النووية”،
والمخلص من الغزو القادم من “الكواكب والمجرات” البعيدة،
والمخلص من مخلوقات فضائية “معتدية”،
وهناك حتى المخلص من المخلوقات الفضائية “الطيبة”.

وهناك من سيخلص البشر من الآلات وإتحاد الكمبيوترات، الذي سيخلصنا من “شبكات” كمبيوتر تحتل الكرة الأرضية، وتسيطر على جميع البشر، وتحولهم إلى عبيد وخدم للآلات وللكمبيوترات.وهناك مخلصنا من “القردة”، الذين يتحرقون للإنتقام من البشر، فهم يحسدون البشر على مكانتهم في أعلى السلم الحيواني، فيسعون بكل جهد لإستعبادهم بقوتهم العضلية، لينصبوا أنفسهم حكاما على البشر، فيقيدون البشر في أقفاص حديدية، ويضعونهم في حدائق الحيوان، كما فعل ويفعل البشر بالقرود، وبالغوريلات في كل مكان.

وهناك مخلص الأرض التي دمرتها “الإشعاعات” النووية، وحولتها إلى أرض موات، ولوثت الجو تلويثا شديدا، ولوثت المياه، ولوثت الأرض، ومنعت النباتات والأشجارمن النمو والإثمار، ولم تبق الحياة البشرية والحيوانية والشجرية، إلا في تجمعات بائسة تحت الأرض، وتحت قباب زجاجية، فتأتي مجموعة من الشباب، يقودهم “فدائي شاب”، فيعملون لإعادة الحياة كما كانت، فتخضر الأرض من جديد، وينتهي بعض من التلوث الهائل.

وهناك “البعثات الفضائية” بقيادة مخلص، تحاول اكتشاف كواكب في مجرات بعيدة، والعيش عليها، وإعادة إنتاج الحياة البشرية هناك، بعد دمارها وفنائها على الكرة الأرضية الأم.

وهناك مخلص البشر من “الماتريكس (Matrix)”، وهي شبكات من “المصفوفات” الوهمية، تنسجها أجهزة الأمن والشرطة والتجسس، كلها تابعة لدول شيطانية، أو لشركات عابرة للقارات، تعمل لزيادة عوائدها وأرباحها وسيطرتها، فيحتلون عقول البشر، وأذواق البشر، وبنوك المعلومات، وبنوك الحبوب الزراعية، ما يجعل البشر يعيشون في أوهام، من دون يعرفوا أنهم مستغلون أبشع إستغلال، ومستعبدون عبودية حديثة، من قبل دول دكتاتورية، أو من قبل شركات إحتكارية.

كل هذه الأفكار، والحتميات، والتخيلات، والقصص، والرويات، وأفلام الخيال العلمي الهوليوودية عن المخلصين، مكتوبة، ومحولة إلى أفلام عالمية، من قبل علمانيين، وملاحدة، لا علاقة لهم بدين، أو يدينون بأديان لا علاقة لها بالإسلام.
هكذا كل البشر يشترك في عامل ضرورة وجود “مخلص”، الذي يمنع الظلم، والجريمة، ويحارب التلوث، والفساد، ويمنع الحروب، والإبادة، ويهدف إلى ضروة إيقاف ودحر المتغولين، والمجرمين، والأشرار بالفطرة، والظلمة، ويكشف الكذب والكاذبين والدجالين.

ولا يتم ذلك في نظرهم، وفي نظرنا، إلا في دولة “عادلة”، يتساوى فيها الجميع، في مدينة أفلاطونية فاضلة، في “يوتوبيا”، تقوم في آخر الزمان، وتقوم بجهود أفراد، ومجموعات، ينتظرون “قائدا” فذا، ملهما، قويا، شريفا، عادلا، واحدا أو مجموعة قليلة، يخلص البشرية، ويخلص الأرض، بل يخلص جميع الكون.

هكذا نجد إنه لا فرق بين مذهب، أو دين، أو لا دين، أو إلحاد، أو علمانية، ولا فرق بين وجود نصوص دينية مقدسة نقلية، أو عدم وجودها، لا فرق بين الماضي، والحاضر، فكلهم يشعر في داخل نفسه، وقلبه، وعقله، بضروة إقامة العدل، والإنصاف، بالقوة والحكمة، وبضرورة معاقبة الجناة والظالمين، وبضرورة محاربة التلويث والإفساد.
وبضرورة إقامة “دولة عالمية”، وقوية، وعلمية، ومنصفة، لا يفرق فيها بين البشر بسبب لونهم، وجنسهم، ودينهم، وعرقهم، وأموالهم، وقرابتهم، إلا بأعمالهم، وبخضوعهم للقانون، دولة توزع فيها الثروات والمكانة، بالتساوي، وبالإستحقاق، وبحسب الحاجات الإنسانية العادلة.