حسين بن عبدالخالق اللواتي
قامت قيامة الشوفينية البريطانية، ولم تقعد حتى الآن، ولا أعتقد بأنها ستقعد يوما ما. لماذا قامت هذه القيامة؟ ولماذا وسائل الإعلام البريطانية مصابة بمس اسمه اليابان؟
ويجرون تحقيقات تلو تحقيقات، وبحوث اثر بحوث، ويدعمونها بأرقام ومعلومات، المفروض أن تكون سرية، وحبيسة الإدراج المخابراتية، ولا يكتفون بذلك، بل يذهبون إلى درجة فبركة المعلومات، وخلق حقائق وهمية! فلماذا كل ذلك؟
السبب في ان اليابان اشترت شركة كمبيوتر بريطانية! تقول الصحافة عنها بأنها شركة ناجحة، وإنها علم الصناعة البريطانية الكمبيوترية، ولكن الحقيقة إنها شركة فاشلة، وهي في آخر الركب التقني، في عالم الكمبيوترات، والكمبيوترات التي تصنعها تعتمد بشكل أساسي، على مكونات الكمبيوتر التي تشتريها من اليابان، وبالذات من شركة فيوجتسو اليابانية، بالتالي فهي تقتات على تقنية فيوجتسو اليابانية.
أن الحكومة البريطانية تعرف أن شركة خاسرة، وستموت لا محالة، بسبب فشلها، إلا إذا دعمتها بالأموال الحكومية، وحاولت إبقائها حية بشكل مصطنع، وهذا أيضا لن يطيل من عمرها كثيرا.
والحكومة البريطانية تعرف أيضا، وكما تعرف وسائل الأعلام هنا، بان الأموال اليابانية جاءت بمثابة النجدة من السماء، وإنها ستجلب التقنية اليابانية المعترف بها في العالم بأجمعه، وإنها ستكون دماءا جديدة، تبث الحياة والفتوة، في شرايين هذا الميت، بسبب الشيخوخة والعجز.
ومن قبل كان البريطانيون يعرفون، ويعترفون، بأن صناعة التليفزيونات البريطانية كانت على وشك الموت، عندها جاءت الأموال اليابانية، والتقنية اليابانية، فأسعفت صناعة التلفزيونات في بريطانيا، وأبقتها حية. بل التليفزيونات بعد أن كانت مستوردة في بريطانيا، أصبح صافي الميزان التجاري لصالحها.
وهو نفس ما حصل مع صناعة أجهزة الفيديو البريطانية، وصناعة السيارات البريطانية، إذ دبت الحياة فيهما من جديد، وبدأتا تدران أموالا بسبب التصدير، بعد أن كانت تستوردهما.
قد يقول البعض بأن الحق مع البريطانيين، وان اليابان في غزوها المالي تخطط للسيطرة على الصناعات الحيوية، وعلى المفاصل الهامة من الناحية الأمنية الإقتصادية، تمهيدا للسيطرة على العالم المتقدم، ومن خلاله على العالم أجمعه! كل هذا إنتقاما من الدول الأوروبية، ومن أمريكا، وكلهم عملوا على ذبح وإفناء المارد الياباني، في الحرب العالمية الثانية!
لن أدخل في مناقشة هذا المنطق، ومحاولة إثبات انه خاطئ، وانه منطق يبثه الأعلام الغربي، وهو ديدنهم مع كل من يتفوق عليهم، كما لم أدخل في أن اليابانيين نياتهم صافية، وإنهم نسوا الهزيمة في الحروب العالمية بروح رياضية، ولكنني سأحاول تتبع الحقائق، والأرقام الاقتصادية، والتي تنشرها وسائل الأعلام البريطانية نفسها هنا، في طيات عملية قلب الحقائق.
تدل الأرقام بأن اليابان تملك كل أو الجزء الأكبر من 132 شركة بريطانية، وان العدد الكلي للعاملين في هذه الشركات يبلغ 25 ألف شخصا، وان اليابان صرفت بليون دولار في السنة الماضية، في استثماراتها الخارجية، وان إنتاجها من إستثماراتها في الخارج يشكل 4 بالمائة من إجمالي ناتجها الصناعي.
في المقابل فأن نفس الأرقام تقول، بأن أمريكا تملك من الشركات البريطانية، والتي توظف من العاملين البريطانيين فيها، عددا هو أكبر 40 مرة، من عدد العاملين في الشركات التي تسيطر عليها الإستثمارات اليابانية، وإن الإستثمارات الأمريكية في الخارج بلغت 10 بليونا في السنة الماضية، وإن ناتج إستثماراتها من الخارج بلغ 20 بالمائة من ناتجها الكلي.
إذا الإستثمارات اليابانية لا تشكل إلا شطرا من الإستثمارات الأمريكية، وهي لا تشكل إلا جزءا بسيطا من إجمالي الإقتصاد البريطاني، وإنها تخدم بريطانيا بتقوية القطاعات الضعيفة فيه، وتعطيها الخبرة، والتقنية الحديثة المتقدمة، ليقف إقتصادها المتراجع على رجليه، أمام عمالقة العالم، كما إنها ليست مثل الإستثمارات الأمريكية ذات النوايا المعلنة، والتي أثبتتها التجارب السابقة.
ثم توجد هناك الأجهزة الحكومية البريطانية، والساهرة دوما على مصالحها وأمنها القومي، بالإضافة إلى مراقبة دول السوق الأوروبية، والمراقبة الأمريكية وو …
في النهاية لا يبقى هناك سبب معقول لهذه الهستيريا، إلا الشوفينية، التي ترفض أخذ درسا من اليابانيين، في إدارة الشركات وإنجاحها.
وهناك أيضا العادة القديمة، في لي الذراع، ومحاولة بيع أردىء البضاعات، بأكبر الأثمان.
لندن: الجمعة 3 أغسطس 2001.