Image Not Found

“6 أغسطس” في تاريخ أمريكا واليابان

صادق بن محمد سعيد اللواتي – الرؤية

كلنا سمعنا عن قصف الولايات المُتحدة لمدينة هيروشيما بأول قنبلة ذرية وما أحدثت من المجازر للبشر والحيوان والدمار الذي لحق بالبنية التحتية لتلك المدينة. تصادف اليوم ذكرى هذا الحدث 6 أغسطس 1945؛ حيث ألقت الولايات المتحدة في الساعة 8.15 قنبلة ذرية فوق مدينة هيروشيما.

وقصفت بعد ثلاثة أيام بقنبلة ثانية مدينة ناجازاكي. لم تستسلم اليابان أسوة بحلفائها، إيطاليا وألمانيا وواصلت الحرب بمفردها. علمت اليابان أن الأمريكان مستعدون لقصف كل مدن اليابان بقنابل ذرية إن هي أصرت على مواصلة الحرب. وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي هاري ترومان محذرًا اليابان إن لم تستسلم: “توقعوا هطول أمطار خراب من الجو، لم ير مثلها على الإطلاق على هذه الأرض”.

في وقت متأخر من مساء يوم 8 أغسطس 1945، قام الاتحاد السوفييتي (سابقًا) بغزو الأراضي اليابانية، بعد سيطرته على أجزاء واسعة من ألمانيا، وسيطرت قواته على عدة جزر تابعة لليابان؟ بعد هذه الأحداث، تدخل الإمبراطور هيروهيتو وأمر المجلس الأعلى لتوجيه الحرب بقبول الاستسلام، أذاع الإمبراطور خطابًا إذاعيًا مسجلًا في 15 أغسطس مُعلنا استسلام اليابان للحلفاء. رفض العديد من قادة الضباط فكرة الاستسلام وكانوا مصرين على مواصلة الحرب، فقام بعض المتطرفين بانقلاب فاشل وانتحر عدد كبير منهم بدلًا من الاستسلام. وقد تم إعدام هؤلاء الضباط مع مسؤولين آخرين في الدولة وعددهم 28 ، بينهم رئيس الوزراء السابق (إيديكي توهو) بذريعة ارتكاب جرائم حرب وتم شنقهم، اختار العديد من الضباط والجنود والمدنيين الانتحار على الاستسلام داخل اليابان وفي البلدان الأخرى الواقعة تحت سيطرتها.

أصرَّت أمريكا على استسلام اليابان بقوة السلاح. كان خيار المُواجهة النهائية بحرًا وجوًا مكلفًا للغاية للحلفاء، لذلك اختاروا قصفها بالقنابل الذرية دون توقف، مدينة تلو الأخرى، كما أشار إليه الرئيس ترومان عندما قال “توقعوا هطول أمطار خراب من الجو لم ير مثلها على الإطلاق على هذه الأرض”. وهنا نُشير إلى أن الرئيس هاري ترومان لم يكن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة وقت استسلام ألمانيا واليابان، لكنه ارتقى إلى هذا المنصب بصفته نائب الرئيس عندما توفي الرئيس روز فيلت في 12 أبريل، قبل أقل من شهر من نهاية الحرب في أوروبا. مات الرئيس روز فيلت جراء نزيف في المخ.

كانت اليابان مستعدة للدخول في سلام مع الحلفاء وإنهاء الحرب على غرار ما حدث في نهاية الحرب العالمية الأولى، لا ناصر ولا مهزوم. ولكن الولايات المتحدة خشيت من أن تحتل اليابان فيما بعد قارتي آسيا وأستراليا إذا خرجت من الحرب عن طريق المصالحة وأن هزيمة اليابان تعني إبقاءها تحت نفوذ الولايات المتحدة إلى الأبد. وحتى قبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب، طالبت اليابان من خلال مذكرة “هال” بالانسحاب من الصين والهند الصينية، لذلك، كانت هزيمة اليابان أو استسلامها أمرًا لا مفر منه. ترددت شائعات في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة لديها هدف آخر مستتر، وهو قصف الاتحاد السوفييتي بالقنابل الذرية بغرض إنهاء وجود دولة اشتراكية، لكن الولايات المتحدة تقول إن هذا الإجراء لم يكن في نيتها.

اضطرت اليابان إلى الاستسلام خشية قصفها بمزيد من القنابل الذرية وانقراض العنصر الياباني من على وجه الأرض وتقسيمها بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. ما نسمعه من كل ساسة الولايات المتحدة السابقين والحاليين وربما القادمين مستقبلًا أنهم قصفوا اليابان بقنابل ذرية لغرض إيقاف الحرب وتجنب مزيد من الضحايا هو كلام غير صحيح.

واليابان منذ استسلامها تابعة للولايات المتحدة تقريبًا، وإضافة إلى وجود قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة في أوكيناوا، تنفذ اليابان كل ما تطلبه الولايات المتحدة منها. لقد انضمت إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مُعاقبة روسيا.

أتساءل ما هو القاسم المشترك بين اليابان وأوكرانيا؟ كان هذا هو الهدف الأساسي لقصف اليابان بالقنابل الذرية، لتفادي نشر اليابان نفوذها في قارتي آسيا وأستراليا وإخضاعها لسيطرة الولايات المتحدة. إن وجود قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة في اليابان وتنفيذ إملاءاتها منذ استسلامها حتى اليوم خير دليل على ما أقوله.

إذن أنا وأنتم سمعنا عن عدد الضحايا وشاهدنا الدمار الشامل نتيجة هاتين القنبلتين في الفضائيات بعد عشرات السنين من حدوثها، لكن لم يكن هناك سبيل في ذلك الوقت لمشاهدة الكارثة التي سببتها القنابل وسماع تداعياتها. عرفنا فقط بالضبط ما حدث بعد فترة طويلة من الحدث. أرفق طيه شريط فيديو لأحد الناجين الذي كان شاهدًا على بعض تفاصيل الحدث، فقد والدته وشقيقته بسبب الإشعاع. قد لا يكون على قيد الحياة اليوم بسبب مرور الوقت، لمن يريد أن يقف على السلوك الوحشي للولايات المتحدة كيف كان في الماضي وكذلك اليوم مستعدة أن تقتل وتدمر كل أخضر ويابس لحفظ مصالحها وقوتها ونفوذها وعلى أمن ومصالح جميع الدول التي تتبع المسيحية كدين لها حتى لو لم يكن ذلك مكتوبًا في دستورها.

ما ورد علنًا في أوراق نقدها أن أمريكا تؤمن بالله. أما إسرائيل فهم يدافعون عنها بكل قوة لأن كتابهم واحد حتى لو لم يؤمن اليهود بالجزء الثاني من الكتاب المتعلق بالمسيحيين. لا قيمة عند الولايات المتحدة للبشر والحجر. يجب أن يرتبط العالم بهذه المأساة كل عام. لا يكفي أن تذكر بعض الصحف ذكرى الحادث فقط.

أحداث ما قبل استسلام اليابان

استسلمت ألمانيا يوم 5 مايو 1945 وقبلها بأيام في 30/4/1945 انتحر الزعيم الألماني أدولف هتلر مع زوجته التي تزوجها قبل 24 ساعة من انتحارهما. وفي أول مايو 1945 أعلن قارئ أخبار ألماني رسميًا أن أدولف هتلر “سقط في موقع قيادته في مستشارية الرايخ وهو يقاتل حتى آخر نفس ضد البلشفية ومن أجل ألمانيا”، وفي اليوم نفسه أمر ستالين برفع العلم السوفييتي فوق مستشارية الرايخ.

كل من قرأ الأيام الأخيرة من حياة هتلر سيفهم أنَّه كان يعرف جيدًا ما الذي ستفعله به الجيوش المنتصرة إذا تمَّ أسره حيًا. لم ينتحر بالمسدس فحسب؛ بل طلب حرق جسده على الفور وتناثر الرماد بطريقة لا يُمكن استردادها. كان يعلم أن الجيوش الغازية ستعاقب حتى رماده.

لولا الحرب العالمية الأولى، لما حدثت الحرب العالمية الثانية، حيث قسم الحلفاء أراضي ألمانيا مع جاراتها، لكن الغرب لا يريد إعلان ذلك. كل ما أراد هتلر فعله هو استعادة الأراضي المفقودة من ألمانيا ومُعاقبة المسؤولين عن تقسيم أراضي ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ونهب خزائنها من قبل اليهود. يجب تسجيل هذه الحقيقة في التاريخ، حتى على يد شخص عُماني.

فضل العديد من المدنيين والمسؤولين الحكوميين والعسكريين في جميع أنحاء ألمانيا الانتحار على قبول هزيمة ألمانيا. وإلى جانب هتلر، انتحر مسؤولون نازيون آخرون رفيعو المستوى، مثل: جوزيف جويتس وهاينريش هيملو وفيليب باوتشر ومارتن برومان. وبعد هتلر، في مايو 1945، قَتل ما يصل إلى 1000 شخص أنفسهم قبل وبعد دخول الجيش الأحمر إلى برلين. وتم الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة انتحار في برلين وحدها عام 1945. ما فعله الحلفاء الغربيون المنتصرون ضد ألمانيا، وهم أفراد الجيشين الأمريكي والبريطاني، من مذابح واغتصاب جنسي ضد النساء الألمانيات مخز للإنسانية، وكل هذه الأحداث بتفاصيلها مسجلة في كتب التاريخ المعاصر.

يوم 19/ 3/ 1945 أصدر هتلر أوامره بتدمير كل المنشآت العسكرية وسلاحها والمصانع والمصافي النفطية والمواصلات البرية والبحرية وكل شيء له قيمة عسكرية حتى لا تقع سالمة في يد الحلفاء. استسلمت إيطاليا يوم 25/ 4 / 1945 للحلفاء وقتل رئيسها “موسوليني” في 28/ 4/ 1945، لكن الحليف الوحيد المتبقي اليابان واصل الحرب. ألقت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما، قتلت آثار القصف الذري ما بين 90,000 و146,000 شخص في هيروشيما، 30% من سكان المدينة وجرح 70,000 آخرين و69% من مباني هيروشيما قد دمرت و7% أخرى تضررت.

وبعد ثلاثة أيام القت قنبلة آخرى على مدينة ناجازاكي، قتل 80,000 شخص فيها. استمر وفاة الكثير من الناس من آثار الحروق والأمراض الإشعاعية في كلتا المدينتين. ونتيجة للدمار الهائل والقتل الرهيب، علمت القيادة اليابانية عن نية الولايات المتحدة بقصف كل مدنها، استسلمت اليابان تجنبًا لمزيد من القتل لأبناء شعبها وتدمير مدنها. كان لطوكيو العاصمة نصيبها، ففي 4/ 4/ 1945 ألقت الولايات المتحدة قنابل حرارية مشابهة للقنابل الذرية، كان عدد ضحاياها يعادل القنبلتين الذريتين معًا. ربما قصف طوكيو كان رسالة لألمانيا بأن تستسلم لأن وضعها سيكون وضع اليابان نفسه.

كان الغرض من قصف اليابان هو كما ذكرت عدم السماح لليابان بالسيطرة على قارتي أسيا وأستراليا وإبقاء اليابان تحت نفوذها، وفي الوقت نفسه أرادت أمريكا معرفة تأثير القنابل على الطبيعة لأن مثل هذه القنابل يتم استخدامها لأول مرة، لذلك قد تستخدم الأسلحة نفسها ضد منافسها الاتحاد السوفييتي لاحقا، لكن ما منع الولايات المتحدة عن قصف الاتحاد السوفييتي الشيوعي هو أن روسيا تمكنت هي الأخرى من صنع القنبلة الذرية. ولولا امتلاك روسيا لهذا النوع من السلاح الذري، لأقدمت الولايات المتحدة على العمل نفسه الذي قامت به مع اليابان حتى إنهاء وجود الدولة التي تتبع النظام الاشتراكي، وربما تكهن مخططو السياسة الأمريكية بأن النظام الاشتراكي الشيوعي سوف يتوسع في العالم بوجود الاتحاد السوفييتي المنتصر في الحرب العالمية الثانية، وهذا ما حدث بالفعل. وتنفي الولايات المتحدة أنه كان لديها نية لمواجهة الاتحاد السوفييتي بالقنابل الذرية.