فاطمة أنور اللواتي
1- صوتي أمانة
يعيش مجتمعنا العماني هذه الأيام على امتداد أرض الوطن حدثا هاما يمر كل أربعة أعوام. إنها تجربة ديمقراطية يتاح خلالها للمواطن أن ينتخب من يمثله في مجلس الشورى. ورغم ان الشعور السائد….
يعيش مجتمعنا العماني هذه الأيام على امتداد أرض الوطن حدثا هاما يمر كل أربعة أعوام. إنها تجربة ديمقراطية يتاح خلالها للمواطن أن ينتخب من يمثله في مجلس الشورى. ورغم ان الشعور السائد عند شريحة كبيرة من المواطنين بعدم فعالية المجلس، إلا أن ذلك لا يقلل من حجم الاهتمام الكبير الذي يبديه أبناء الوطن تجاه المجلس. هذه التجربة الوطنية الرائعة تكسب الناخب والمرشح مختلف المهارات والخبرات وتتيح لهما أيضا ممارسة بعض واجباتهما.
لقد حدد الشارع العماني عددا من الشروط التي تكفل للناخب حرية اختيار ممثله في مجلس الشورى. وهذه الشروط يمكن اختصارها في عمر الناخب وكونه من أبناء الولاية أو المقيمين بها. ولله الحمد، فإن المجتمعات والشعوب في منطقتنا وصلت إلى درجة من الوعي جعلها تدرك بأهمية العملية الانتخابية بحيث أصبح التنازل عن حقها الانتخابي مقابل المغريات أمرا غيرَ وارد وربما مستحيلا. إلا أن هذا الوعي والحرص على هذا الحق الانتخابي قد يصبح أحيانا عرضة للخدش.
لقد اعتادت مجتمعاتنا العربية على المحافظة على وعودها والالتزام بكلمتها. وهذا دليل رقي المجتمعات وسمو أخلاقها من حيث الأساس. فالوفاء بالوعد والعهد يُعد من الأمور الأساسية في حياة الإنسان. ولكن هل يمكن لإنسان ما أن يتعهد لأحد بعدم الذهاب إلى طبيب؟ أو نعاهد شخصا على عدم صون الأمانة؟ أو.. أو … فهناك أسس منطقية تحكم تعهداتنا ووعودنا واتفاقاتنا مع الآخرين. فحينما نتحدث عن الحرية والديمقراطية في انتخابنا لأعضاء مجلس الشورى فنحن نرتكز هنا على قيمة أساسية وهي أن “صوتنا أمانة”. فالأمانة تقتضي منا أن نجاهد من أجل المحافظة على وضع صوتنا في الموقع المناسب وذلك بانتخاب من هو أهل لحمل مسؤولية جسيمة كالتمثيل في مجلس الشورى.
العملية الانتخابية تقوم على أمر أساسي يتمثل في أن الناخب يمارس حقه في انتخاب الشخص المناسب والملائم ليمثله في أروقة البرلمان أو في مجلس الشورى. وكلمة الانتخاب في المعاجم اللغوية تعني: “انتخب الشَّيءَ أي نخبَه و اختاره، وانتقاه، فيقال: انتخب الحبوبَ ” و في علم الأحياء تعني: “اختيار أحسن الأنواع والأنماط من الحيوان أو النبات عالية الصفات لاستعمالها في التناسل والحصول على نتاج أفضل”.
من هنا ندرك أن عملية الانتخاب تعني بأننا ننتخب من هو أهل للمهمة والقادر على أدائها بإتقان. فالانتخاب المثمر يأتي من انتخاب أفضل شخص يمثلنا ليصل بنا الى ما يحقق أهدافنا. فحينما ننتخب أفضل الأنواع أو الأنماط من فصيلة النباتات فنحن نهدف الى أن نحصل على ثمار نستلذ بها عند قطفها. وكذلك حينما ننتخب فعلى أمل أن يكون الشخص الذي ننتخبه سيبهرنا بثماره اليانعة ومنجزاته النافعة.
من جانب آخر تتسم عملية الانتخاب أو الاختياربالحرية وعدم التقيد بما يحد من تلك الحرية. فالناخب لابد أن يكون حرا في قرار انتخابه فيختار من يراه مناسبا من حيث الكفاءة والقدرة وإمكانية تمثيله في الأمور المتعلقة بالمجلس. وحدود هذه الحرية تقوم على فهم عميق للمواصفات والمعايير التي يجب أن يتسم بها المرشح والتي تختلف من زمن إلى آخر وأيضا من مجتمع إلى آخر. فرغم أن الترابط الاجتماعي أمر مهم وجميل، ومراعاة أواصر القربى والصداقة والجيرة وما شابهها تعد من سمات المجتمعات المتطورة إلا أنها لا ينبغي أن تكون عائقا في سبيل ترسيخ أسس وقيم أخرى. وانطلاقا من مستوى أخلاقنا التي ترتكز على مراعاة العهود والوفاء بالوعد والالتزام بالكلمة، فإننا ينبغي علينا أيضا أن نحافظ على قيمة هامة وهي “صوتي أمانة”. فالوعود التي نقطعها قبل شهور من موسم الانتخابات لهذا المرشح أو ذاك حتى قبل الاطلاع على السيرة الذاتية لجميع المرشحين أو توجهاتهم البرلمانية، فإننا نضع شعارنا “صوتي أمانة” في موضع التساؤل. فكيف يكون صوتي أمانة وأنا أمنحه لشخص لا أعرف توجهاته البرلمانية ناهيك عن قدراته وإمكاناته؟
أخيرا، الاكتفاء بالتصويت وحده قد يسهم في بروز مثل هذه الممارسات التي تجعل الفرد يتقيد بتعهده بالتصويت لمرشح دون غيره. وهذه الآلية قد لا تفرز الأفضل أو الاكفأ إذا كانت قائمة على وعود مقطوعة من قبل شريحة من الناخبين والمثل يقول: “من سبق لبق”. ولكن حينما يكون “صوتي أمانة”، وأتمكن من وضعه في موضعه بكل حرية ومقدرة ومن غير الشعور بأي قيد يمنعني من ممارسة دوري الانتخابي بكل تروٍٍ وحصافة، وقتها أستطيع أن أجني ثمارا يانعة، وأقول بكل صدق: “صوتي أمانة”.. لهذا، لابد أن نعيد النظر!
2- كيف نحافظ على حرية صوت الناخب؟
التجربة الديمقراطية التي تأسست في السلطنة قبل سنوات عديدة وهي على أعتاب دورتها التاسعة ساهمت في لفت انتباه الناس إلى أهمية أن يكون لكل ولاية ممثل أو ممثلان في مجلس الشورى ينتخبونه أو ينتخبونهما. وهذا الاهتمام….
التجربة الديمقراطية التي تأسست في السلطنة قبل سنوات عديدة وهي على أعتاب دورتها التاسعة ساهمت في لفت انتباه الناس إلى أهمية أن يكون لكل ولاية ممثل أو ممثلان في مجلس الشورى ينتخبونه أو ينتخبونهما. وهذا الاهتمام ينبثق من الإيمان بأن هذا الممثل سوف ينقل همومهم من نطاق ضيق إلى موقع ظاهر للعيان على مرأى ومسمع من أبناء الوطن. ومن أجل ذلك فإن الممثل الذي يستطيع نقل تلك الهموم التي تُعنى بالمواطن ومطالبه المحقة ومناقشتها تحت قبة المجلس ينبغي أن يكون متحليًا بمنظومة قيمية تتعدى هموم ذاته ومصالحه الشخصية.
المرشح الذي يتطلع إلى أن يسهم تحت قبة مجلس يمثل الشعب بكل أطيافه يجدر به في مسيرته هذه أن يبدأ في ترسيخ بعض القيم في ناخبيهم، وقبل ذلك العمل على ترسيخها في نفسه… منها قيمة النظر والتفكير والحرية والعمل من أجل الشعب وغيرها من القيم. ولهذا فعلى بعض الراغبين في الترشح ألا يقعوا في مصيدة بعض الممارسات الاجتماعية التي ينبغي أن يسعى إلى تطويرها نحو الأفضل. وبعض هذه الممارسات أصبحت متأصلة رغم تنافيها وتعارضها مع طموحات المجلس التي تنطلق من المشورة والتشاور.
إن على الراغب في الدخول إلى مجلس الشورى النظر في الأمور وفهم حيثياتها والتعمق فيها، وعدم سحب البساط من تحت رجلي الناخب بحصره ضمن وعود والتزامات تسلبه حريته. لا بد للمرشح حينما يتواصل مع الناخب أن يكون مستعدالعرض توجهاته البرلمانية وقناعاته، وتقديم سيرته الذاتية بأمانة. هذه الأمور ستساعد الناخب على فهم الشخص الذي سيتعامل معه ويمثله في مجلس الشورى. وهذه الأمور رغم أهميتها لا تكفي ولا تفي بالغرض إذا لم يردفها بإعطاء الناخب حرية الانتخاب والاختيار. إن سلب تلك الحرية عبر مطالبة الناخب بأن يرشحه ولا يرشح أحدا سواه يجرد العملية الديمقراطية والانتخابية من روحها والتي هو مقبل عليها. إن أهمية إعطاء الناخب الحرية في الاختيار تتساوى مع أهمية إعطائه فكرة حول دور الممثل في المجلس وحول دور المجلس في منظومة الوطن.
لدى التحدث مع الناخبين المحتملين، ستجد – مع الأسف- أن الكثير منهم ملتزمون منذ عدة شهور أو أسابيع مع راغب للترشح أو آخر. وهذا الالتزام يجعلهم محرجين حتى بالتحدث مع راغب آخر بالترشح، أو طرح أسئلة أو الاستفسار عن دور المرشح أو سيرته الذاتية. ويقال أن معظم الملتزمين مع مرشحين لا تهمهم معرفة التوجهات البرلمانية للمرشح أو قناعاته أو سيرته الذاتية بقدر اهتمامهم بأن الشخص “إنسان جيد وصالح”. الصلاح والاستقامة والتواضع الاجتماعي جميعها صفات وقيم مطلوبة في المرشح لكنها صفات عامة ومطلوبة في أي مواطن صالح. فهل نكتفي بهذه الصفات فيمن يُنتظر منه أن يساهم في سن قوانين وتشريعات للوطن وغيرها من الواجبات المتعلقة بدور المجلس؟
الممارسات غير المحبذة التي تُسهم في سلب الناخب قيمة صوته تتعارض مع دور الشورى. فبعض هذه الممارسات تسهم بشكل كبير على تأصيل هذا النوع من التصرفات. فحينما ترتكز العملية الانتخابية على التصويت فقط من غير وضع معايير مدروسة بعناية لتصنيف المرشحين من أجل اختيار الأفضل والأكفأ، حينها فقط تبرز هذه الممارسات المخالفة لروح العملية الديمقراطية. من جميل ما سمعت عن إحدى ولايات السلطنة أنه يتم اختيار المرشح فيها وفق آلية تقوم على التعرف على مؤهلات المرشح وسيرته الذاتية سواء على الصعيد العلمي أو المجتمعي، ثم تتم مقابلة المرشح من قبل لجنة مكونة من مجموعة مختارة من الكفاءات من قبائل مختلفة للتعرف على إمكانات وقدرات المرشح لخوض غمار صولات وجولات المجلس. وأخيرا يتم حصر المرشحين الأكفاء لخوض غمار العملية الانتخابية بعرض رؤاهم ومناقشتها مع الناخبين ليحدد كل ناخب في النهاية المرشح الذي يراه مناسبا، فيصوت له.
كيف للناخب أن يمنح صوته من غير معرفة قدرات مرشحه وتوجهاته البرلمانية؟ أعجبتني إحدى الناخبات حينما قالت لأحد المرشحين: توجهاتك البرلمانية وسيرتك اللتان عرضتهما شجعتاني على إعطائك صوتي. فمن أجل أن يسير الوطن في العملية الانتخابية بحرية، فعلى المرشح إدراك أن صوت الناخب أمانة… فلا يُكبلن صوته، ولهذا يجب علينا أن نعيد النظر!
3- المرأة ومجلس الشورى
هناك في الحياة حقائق نغفلها ليس لعدم وضوحها بل لأسباب مختلفة. من تلك الحقائق دور المرأة في مجتمعاتنا. لن أكرر القول في أن المرأة نصف المجتمع فمثل هذه الحقائق لا حاجة لها الى الإعادة. إنها حقائق نعيشها …
هناك في الحياة حقائق نغفلها ليس لعدم وضوحها بل لأسباب مختلفة. من تلك الحقائق دور المرأة في مجتمعاتنا. لن أكرر القول في أن المرأة نصف المجتمع فمثل هذه الحقائق لا حاجة لها إلى الإعادة. إنها حقائق نعيشها ونراها من حولنا، فلكل رجل امرأة ولدته وللكثيرين منهم أخت تقاسمه جمال طفولته وزوجة تشاركه حياته وابنة يتوسد حضنها.
كلما اقترب موعد اختيار أعضاء مجلس الشورى برزت معه دعوات لاستبعاد المرأة عن المنافسة لعضوية المجلس وفق رؤية ممنهجة. وهذه الرؤية تبرز لعدة أسباب منها عدم الفهم لدور عضو مجلس الشورى، أو الالتزام ببعض الفتاوى التي صدرت من بعض رجال الدين والتي تعتبر معظمها من التاريخ الماضي، وأخيرا، لضيق الأفق عند فئة من الناس التي لا تستسيغ وصول المرأة إلى المجلس. ولكن تاريخنا الإسلامي و واقعنا الوطني هو خير مدرسة لنا لتقديرالمرأة وإعطاءها دورها الاجتماعي والسياسي في مختلف صُعد الحياة.
نالت المرأة الكثير من حقوقها في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقفزت مكانة المرأة من كونها عار إلى كونها شريكة الرجل في أمور الدين والدنيا. فخير أنبياء الله (صلوات ربي عليه وآله) كان أبا لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) والتي كان يبجلها ويقدرها ويسميها بـ “أم أبيها”. وفاطمة هي أم السيدة زينب بطلة كربلاء التي شهدت أكبر فاجعة مر بها التاريخ الإسلامي، ضربت خلالها أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام. وهناك الكثير من النساء ممن سطرن دروسا مميزة في تاريخنا. وفي بلدنا الحبيب نالت المرأة معظم حقوقها وتساوت مع الرجل في التوظيف والتعليم وغيرها من الحقوق والواجبات. وهناك نماذج نسائية كثيرة في شتى المجالات بدءً من الشعر والأدب والتعليم، مرورا بالعلوم كالطب والهندسة وانتهاء بمواقع قيادية في إدارة البلد.
أما بالنسبة لما يشاع عن الفتاوى، فهناك آراء لعلماء ومراجع عظام معاصرين لنا تنسف الآراء السلبية تجاه المرأة وتؤكد على أحقيتها لممارسة أدوارها المختلفة. وهناك الكثير من رجال الدين الذين تتصدر المرأة دوائرهم في مواقع استشارية او تنفيذية ناهيك عن العدد الكبير من النائبات في برلمانات مختلف الدول الإسلامية.
أما إذا تحدثنا عن عدم مقدرة المرأة على القيام بدور عضو مجلس الشورى، فيجب علينا إعادة قراءة دور عضو مجلس الشورى. والمجلس بحد ذاته وُجد لكي يضمن حقوقا عادلة للمواطن ذكرا كان أو أنثى في التعليم وفي الصحة وغيرها من الأمور الحياتية عبر الرقابة على مؤسسات الدولة. أما التواصل وإقامة العلاقات مع أبناء القبائل الأخرى، فنحن ولله الحمد نعيش في دولة تنعم المرأة فيها بحرية التنقل والسفر. وفي واقعنا الحالي الذي يتميز بالتداخل الكبير والصلات العميقة بين أبناء الوطن، فالمرأة العمانية لا تقل شأنا عن أخيها الرجل في تأصيل أواصر التمازج والتواصل مع نظيراتها من القبائل المختلفة. وهذه الواجبات الاجتماعية لا تنحصر في عضو المجلس وانما هو واجب اجتماعي يقع على عاتق أي إنسان من أجل التواصل مع أخيه حسب استطاعته وقدرته. إن العلاقات الطيبة التي يعقدها أعضاء المجلس تحت قبة المجلس وبين اللجان المختلفة من أجل فهم احتياجات الناس والتباحث في كيفية العمل من أجل تحقيقها هي من الأدوار المهمة التي تحتم على عضو مجلس الشورى المحافظة عليها والعمل على تفعيلها بكل ما أوتي من جهد وإمكانات.
وأخيرا، إن التركيز الكبير على أننا مجتمعات ذكورية هو أمر خاطئ، ومن المخجل أن تصدر هكذا تعابير من أناس متعلمين ورواد في المجتمع. نحن مجتمعات مسلمة تأصلت تعاليم الدين الحنيف فينا لتأخذ بأيدينا بعيدا عن الجاهلية العمياء. المجتمعات الذكورية هي تلك المجتمعات التي تئد المرأة وتسلبها حقوقها ودورها الذي أقره لها الدين من جانب والدولة من جانب آخر. إن فكرة المجتمعات الذكورية هي فكرة خاطئة تخالف قوانين بلدنا الذي ساوى بين المرأة والرجل في معظم الأمور. هذه التوجهات الخاطئة هي مخالفة لما يتوقعه منا القائد الحكيم لهذا الوطن الذي أعطى للمرأة حقها في التعليم والتوظيف والعمل والترحال وغيرها مع بداية عهده الزاهر، ولن يرضى جلالته أبدا أن تتعرض المرأة لهذا الظلم والإجحاف… فلكل ذلك يجب علينا أن نعيد النظر!
المصدر: مدونة الانطلاقة