Image Not Found

قراءة ثقافية في وثيقة تأمين المركبات

علي بن عبد العظيم اللواتي | مسقط

دخلت وثيقة التأمين الموحدة على المركبات سوق التأمين عام 2008 وكانت الوثيقة الموحدة نقلة نوعية وإنجازا كبيرا للهيئة العامة لسوق المال وشركات التأمين ووسطاء التأمين و غرفة تجارة و صناعة عمان.
فما قبل عام 2008 كان الوضع صعباً للغاية فكل شركة تامين – تقريباً – كانت لها وثيقة تأمين سيارات خاصة بها و خاصة فيها يخص جانب التامين الشامل. ولم تكن المشكلة فقط في كثرة الوثائق المستعملة من قبل شركات التأمين لتأمين السيارات بل كان يتبع ذلك كثرة التفسيرات المتعلقة بالتغطيات التأمينية وبخاصة في حوادث السير ذات الطبيعة المعقدة.
والأدهى أن مبداء اعتماد اللغة العربية كلغة أصلية أولى في تفسير معاني الوثيقة لم يكن موجوداً (إلا في إطار المحاكم) حيث كان جُل مدراء حوادث المركبات من الجاليه الهندية.

ولاستكمال سرد ما كان يحصل أقول، عندما يقع حادث ذو طبيعة معقدة ولو نسبياً، يأتي صاحب المطالبة ويُقدم مطالبته ليلاقي أن مدير المطالبات الوافد يستدعي إلى مكتبه موظف عماني أو عربي ليقوم الوافد بقراءة النص الإنجليزي ويحكم هل المطالبة مُغطاة أو لا حسب ما يفهمه من كلمات الوثيقة، و يقوم المترجم بترجمة الكلام حول التغطية التأمينية لصاحب المطالبة ويضيع ما بين تفسير النص الإنجليزي من المدير الوافد و المترجم العربي ما يضيع. لم يكن سهلاً على المواطن ” النضال ” من أجل حقه لقلة الدروب غير درب المحاكم أو اللجوء لشرطة عمان السلطانية في بعض الاحيان.

وكل من عاصر تلك المرحلة يعلم إنها لم تكن مرحلة سهلة على من حصل له حادث ولم تكن ظروف الحادث واضحة أو أن طبيعة الحادث بها نوع من التعقيد.

ومع بدايات طرح مشروع الوثيقة الموحدة لتأمين المركبات كانت بدايات الأمل بحقوق و واجبات واضحة لكل الأطراف. ولا يعتقدن أحدٌ أن مشروع الوثيقة الموحدة كان سهلاً وقد تم الاستعانة بالخبرات العمانية المحدودة والخبرات العربية العاملة في السوق العماني وطبعا بالوافدين من ذوي السحنة السمراء والبيضاء. وبعد اجتماعات ونقاشات استمرت لشهور طويلة عمل الكل فيها بجد وتم بنهايتها اعتماد أول وثيقة تأمين موحدة.

ومن الأمور التي كانت مثار خلاف في الوثائق السابقة مثلا :
• ماذا يعني الشارع؟
• متى يعتبر الضرر الناتج لمركبتك من عبور وادٍ غير مُغطى ومتى يعتبر مُغطى.
• إذا حصل تصادم والمركبة التي صدمت الأخرى لم تتأثر وتأثرت الأخرى، هل التأمين يغطي؟
• ماذا لو لم يدفع الطرف المخطئ في الحادث المساهمة هل يمكن تأخير المتضرر؟
• هل العامل في سيارة رب العمل طرف ثالث أو من ضمن الحوادث الشخصية؟
لقد أكدت الوثيقة الموحدة سيادية اللغة العربية في تفسير الوثيقة وهذا كان من الركائز المهمة حيث لا يجوز الرجوع للنص الأجنبي في حالة الخلاف، وععالجت الكثير من المشكلات وكان هدفها الأساس هو التأكد من توفير تغطية تأمينية موحدة لمشتري التأمين و أيضا وضع ضوابط و قواعد تحديد كيفية تسوية المطالبات ومراعاة حقوق الأطراف. وخلال السنوات التي تلت طرح الوثيقة الموحدة تم إضافة تحديثات للوثيقة الموحدة حسب التحديات التي كانت تواجهها. ومن 2008 إلى 2018 حدثت تغييرات مهمة أخرى في قطاع التأمين وهذه التغييرات كان لابد أن يكون لها تاثير إيجابي على مسيرة الوثيقة الموحدة.

ومن أهم هذه التغييرات:
• استقطاب خريجين جدد لقطاع التأمين
• توفير فرص دراسية في مجال التأمين للعاملين في قطاع التأمين إلى مستويات متقدمة.
• فرض الهيئة العامة لسوق المال نسب عالية من التعميين في قطاع التأمين.
• زيادة الوعي التأميني لدى مشتري التأمين بشكل عام.
كل هذه التغيرات تُحتم حصول تغييرات تؤدي الى الارتقاء بقطاع التأمين ، فهل حدث هذا فعلا .
وكاتب هذه السطور من الناس الذين يؤمنون بأهمية الجانب الفني في التأمين بل وحاكميته على جميع الجوانب الأخرى. والمقصود بالجانب الفني في التأمين هو :-
• قراءة وثيقة التأمين التي تتعامل معها.
• فهم ما تغطيه الوثيقة من المخاطر و ما لا تغطيه.
• معرفة كيف يمكن توسعة تغطيات الوثيقة لتلبي حاجات الزبون.
• معرفة كيفية الإستفادة من إتفاقيات إعادة التأمين لتجنب تعريض محفظة شركتك إلى أخطار غير مقبولة.
• معرفة كيفية حماية معيد التأمين من الأخطار التي لا يرغب في تغطيتها.
• معرفة طرق تسعير الوثيقة.
• الاضطلاع على المطالبات التي تقع على وثائق التأمين و تعديل شروط الوثيقة و سعرها (قسط التأمين) حسب التجربة العملية.
النقطة الأخيرة مهمة جدا وهي العمود الفقري في تشكيل معالم شخصية المُكتتب الفني وكلما زاد اضطلاع المُكتتب على التجارب سواء في شركته أو الشركات الأخرى العاملة في السوق وتجارب الدول الأخرى من خلال قراءة المجلات المتخصصة و حضور المؤتمرات و الندوات التخصصية زاد الاتقان الفني لديه و تمكن من تقديم اكتتباب فني افضل و ترقى في درجات الاكتتاب وحصل على صلاحيات اكبر لاكتتاب مخاطر أكبر. و من دون هذا التسلسل وتراكم الخبرات لن تحصل على فني تامين تستطيع الاعتماد عليه.
ويعلم كل العاملين في قطاع التأمين شُح الكفاءات العمانية في الجانب الفني و لابد على كل من يحمل في قلبه هَم قطاع التامين أن يراجع نفسه و يعاتبها و يحدد الأخطاء و يعالجها كلا من موقعه.
و لننكأ الجرح أكثر:
كم عدد المكتتبين العمانين في مجال تأمين السيارات الذين لديهم صلاحية اكتتاب وثائق اسطول سيارات بعدد 100 سيارة مثلا. و المقصود هل يوجد مكتتبين عمانيين لديهم صلاحيات من شركاتهم لإصدار عرض تأمين بالأسعار و الشروط المناسبة دون الرجوع إلى مسؤول فوقه. حد عملي لا يوجد الكثير من العمانيين بهذه الصلاحيات أو صلاحيات قريبة حتى.
أول أصبع اتهام يُوجه إلى شركات التأمين بعدم منح العمانيين وظائف فنية لائقة والصحيح هو أن على شركات التأمين تطوير الكفاءات العمانية بشكل واضح و على الجهة الرقابية الحكومية فرض خطة إيجاد وتطوير الكفاءات العمانية، وبالرغم من توفير الهيئة العامة لسوق المال برامج تدريبية من خلال “تمكين” إلا إني أقول، كيف ما كان السيناريو فالنتيجة هي عدم وجود الفني العماني بالاعداد المطلوبة و هذا مربط الفرس، و لنكتفي بهذا المثال و نضمد الجرح.

لنعود مرةً أخرى إلى حلبة تأمين السيارات، و دعني أعطيك بعض ملامح تأمين السيارات:-
1- من أقدم التأمينات في السلطنة.
2- أقساط تأمين السيارات ضخمة جد، أكثر من 450 مليون ريال عماني.
3- يتم إصدار مئات وثائق تأمين السيارات يومياً.
4- كل يوم هناك حوادث يتم التعامل معها من قبل شركات التأمين.
5- لا يوجد عماني بالغ لم يتعامل مع سيارة أو ما يتعلق بتأمين سيارة.
6- الوثيقة الموحدة تم صياغتها بصورة مبسطة ولغة عربية واضحة.
7- أغلب العاملين في أقسام تأمين السيارات هم من العمانيين وإصدار الوثيقة يتم من نظام مسبق البرمجة بالتسعيرة لكل نوع سيارة و قيمة السيارة و مواصفات السيارة و تفاصيل السائق.

والنقطة التي أود الوصول إليها ثم الانتقال إلى مطلب أساسي أخر هي: أن تأمين بهذا المستوى من الانتشار وبهذا المستوى من التداول اليومي لابد أن يكون هناك عشرات من العمانيين من موظفي شركات التأمين قد قرَّاءُ الوثيقة الموحدة بالكامل من أول كلمة إلى أخر كلمة سواء من العاملين في أقسام التأمين أو الحوادث.
وهنا وبقليل من الجزم و كثيراً من الحزن أقول ، يوجد عدد قليل من العمانيين الذين قراء الوثيقة الموحدة لتأمين المركبات كلمة كلمة.

و أود هنا أن أتحدث إلى ضباط حوادث السير في شركات التأمين، إن قراءة الوثيقة الموحدة لتأمين السيارات مسئلة مهمة جدا ليس فقط لان وظيفتك تتطلب ذالك، بل هناك أسباب أخرى منها:
1. معرفة تفاصيل الوثيقة يعتبر جزءًا من كفائتك الوظيفية.
2. أي ترقية أو تطور وظيفي تود الحصول عليه يأخذ في عين الاعتبار معرفتك بالوثيقة تفصيلاً وشروط تسوية الحوادث تفصيلاً.
3. شريحة كبيرة من الزبائن قد تتعرض حقوقهم إلى الضياع بالكامل أو جزئياً بسبب قلة معرفتك بالوثيقة الموحدة وهذا لاشك ضياع لحقوق أنت مسؤول عنها يوم القيامة.

وقد نقل لي أحد المخضرمين في سوق التأمين قائلاً: تعرضت سيارتي مؤخراً إلى حادث بحيث تأثرت ماكينة السيارة بمياه الوادي ومن دون الكشف عن إسم الشركة و أسماء المسؤولين عن ملف حادث سيارتي من العمانيين و الوافدين سأذكر النقاط الفنية التي غابت عن فهم فريق حوادث شركة التأمين:
1- ليس كل عبور وادي يجعل الأضرار بالمركبة غير مغطاه. ضابط الحوادث كان يعتقد أن عبور أي وادي غير مغطى.
2- دخول المياه إلى الماكينة أو صندوق التروس لا يجعل الأضرار التي تصيب المركبة غير مغطاه من أول وهلة. ضابط الحوادث كان يعتقد أن عبور أي وادي غير مغطى.
3- العبور بمركبة في وادي به لوحات تشير إلى منع عبور الوادي لدى وصول الماء لتلك النقطة يعتبر عبورا خاطئا و مخالفا للقانون وعليه الأضرار الناتجة غير مغطاة.
4- التحقيق في ملف حوادث السير ليس تحقيق جنائي وعليه الأسئلة يجب أن تكون ذات أهداف واضحة وليس تشكيكية. خلال متابعة المطالبة احسست أن الأسئلة كانت تهدف إلى استدراجي إلى القول إن سيارتي عبرت بها واديا حتى يتم رفض مطالبتي.

سألني الوافد المسؤول عن ملف الحادث عن سبب وجود ماء في صندوق التروس فقلت له استمارة الحادث فصلت فيها كيف تم الحادث ولا شك أنك غير مقتنع بما ذكرت وعليه سؤالك يجب أن يكون واضحا ويكون بصيغة مثلا (ذكرت في الاستمارة كذا ولكن المهندس رأى كذا وعليه نطلب توضيحا للاختلاف). السؤال بصيغة التحقيق يكون مستفزاً في المعاملات التجارية.
لاشك أن المقصود من عرض تجربة صاحبنا هو الاستفادة و ليس التعميم و الاستشهاد من كلام صاحبنا هو أن مسؤول المطالبات عليه لازما ان يقراء وثيقة التأمين كلمة كلمة.
إن قلة خبرة مسؤول المطالبات تعتبر كارثة وأتمنى أن يكون هناك اختبار لكل من يتصدر لفتوى أن المطالبه الفلانية مدفوعة و المطالبة الفلانية غير مدفوعة.

وملخص الكلام، الفهم الفني مهم جدا لكل من يعمل في التأمين و من دون هذا الفهم وضع صناعة التأمين لن يكون جيداً.

المصدر: جريدة الرؤية