◄ اللواتي: اضطرابات نقص المناعة عادة ما تكون وراثية
◄ تكتسب هذه الأمراض أحيانا بسبب العدوى أو العلاج الكيميائي
◄ زيادة حالات الإصابة بالأمراض المناعية الذاتية في الدول الغربية
◄ ارتفاع الإصابات حول العالم بنسب ما بين 3% إلى 9% سنويا
◄ الوجبات السريعة تسبب خللا في نظام المناعة بجسم الإنسان
الرؤية- سارة العبرية
يُؤكد الدكتور حسن بن أحمد اللواتي اختصاصي صحة أطفال، أن نمط الحياة الصحية يدعم الصحة المناعية العامة ويبني خطوطاً دفاعية قوية ضد البكتيريا والفيروسات، وذلك عبر نظام غذائي متوازن والإقلاع عن التدخين والكحوليات والمواظبة على تلقي التطعيمات التي يوصي بها مقدم الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على النظافة الشخصية لتجنب العدوى، لأنَّ اضطرابات الجهاز المناعي تؤدي إلى ضعف مقاومة العدوى وعلى الرغم من أنَّ الجهاز المناعي يعدُّ الدفاع الرئيسي للجسم ضد البكتيريا والفيروسات، إلا أن عددًا متزايدًا حول العالم يعانون من الإصابة بالعدوى لعدم قدرة أجهزتهم المناعية على التمييز بين الخلايا السليمة والضارة والهجوم على الكائنات الحية الدقيقة، مما يؤدي إلى اعتداء الجهاز المناعي على أنسجتهم وأعضائهم.
وتوصلت دراسة حديثة أجراها باحثون من معهد فرانسيس كريك في لندن إلى اكتشاف مفاجئ يتعلق بتأثير تناول الوجبات السريعة مثل البرجر وقطع الدجاج المقلية على أمراض المناعة، إذ إن هذه الوجبات السريعة تفتقر إلى مكونات مثل الألياف مما يؤثر على ميكروبيوم الأمعاء (البكتيريا المفيدة) في جسم الإنسان، ويحدث نتيجة لذلك خلل في نظام المناعة.
وتحدث أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب الأمعاء والسكري من النوع 1 والتهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد، نتيجة هجوم الجسم على أنسجته وأعضائه.
وتوضح الدراسة أن تناول الوجبات السريعة يؤدي إلى تغيرات في الميكروبيوم (البكتيريا الداخلية) في جسم الإنسان، مما يسهم في ظهور أمراض المناعة الذاتية، كما أنه تم اكتشاف أكثر من 100 نوع من هذه الأمراض حتى الآن، ووفقًا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
وبحسب العلماء، لا يزال هناك تفسير ناقص للصورة بشكل حاسم، حيث يتأثر كل جسم بشكل فردي بالإضافة إلى اختلاف المخاطر المرتبطة بكل نوع من أمراض المناعة الذاتية، بالإضافة إلى ذلك فهناك عوامل أخرى تلعب دورًا ويمكن أن تؤثر أيضًا في العُرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
وفقًا للباحثين جيمس لي وكارولا فينويسا، تمت ملاحظة زيادة في حالات الأمراض المناعية الذاتية في الدول الغربية على مدى الأربعين عامًا الماضية، وأن هذا الاتجاه يظهر حاليًا أيضًا في البلدان التي لم يسجل فيها سابقًا حالات لهذه الأمراض، مضيفين أن بعض الأشخاص الذين يعيشون في الغرب يعانون حاليًا من وجود أكثر من مرض من أمراض المناعة الذاتية في نفس الوقت.
ارتفاع الإصابات في الشرق الأوسط
وتشهد مناطق الشرق الأوسط وآسيا ارتفاعًا في حالات الإصابة بأمراض الأمعاء الالتهابية، وهذه المناطق نادرا ما تشهد حالات إصابة بهذا المرض.
ويسعى الباحثان إلى تحديد الأسباب الدقيقة لأنواع الأمراض المختلفة والبحث عن العلاقة بينها وبين نمط الحياة الغذائي، وذلك بناءً على الارتفاع الحالي في حالات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية في جميع أنحاء العالم بنسبة تتراوح بين 3 إلى 9% سنويًا.
ويقول الدكتور حسن بن أحمد اللواتي اختصاصي صحة أطفال إنه يمكن تصنيف اضطرابات الجهاز المناعي على نطاق واسع إلى عدة مجموعات بناءً على آلياتها الأساسية وخصائصها السريرية، موضحا بعض الفئات الرئيسية لاضطرابات الجهاز المناعي والتي من بينها: اضطرابات المناعة الذاتية والتي تحدث عندما يهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ أنسجة أو أعضاء الجسم ويتلفها، وتشمل الأمثلة التهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة الحمراء والتصلب المتعدد والسكري من النوع الأول ومرض الاضطرابات الهضمية.
ويشير إلى أن اضطرابات نقص المناعة تنطوي على ضعف أو خلل في جهاز المناعة، مما يؤدي إلى زيادة التعرض للعدوى، وأن اضطرابات نقص المناعة الأولية عادة ما تكون وراثية وموجودة منذ الولادة، بينما يمكن اكتساب اضطرابات نقص المناعة الثانوية في وقت لاحق من الحياة بسبب عوامل مثل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أو بعض الأدوية أو العلاج الكيميائي، مثل نقص المناعة المشترك الشديد (SCID)، ونقص المناعة المتغير الشائع (CVID)، ومتلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
ويضيف اللواتي: “أيضًا من ضمن الاضطرابات تفاعلات فرط الحساسية؛ أي تحدث تفاعلات فرط الحساسية عندما يبالغ الجهاز المناعي في رد فعله تجاه المواد غير الضارة مثل حبوب اللقاح، أو بعض الأطعمة أو الأدوية أو لدغات الحشرات، وتصنف هذه التفاعلات إلى أربعة أنواع بناءً على آليات المناعة المحددة المعنية كالتهاب الأنف التحسسي والربو والحساسية الغذائية والتهاب الجلد التماسي، كذلك اضطرابات المناعة الذاتية التحسسية، تتضمن هذه الاضطرابات استجابة مناعية تجمع بين عناصر من المناعة الذاتية وردود الفعل التحسسية، إذ يستهدف الجهاز المناعي عن طريق الخطأ مولدات الأجسام المضادة الذاتية، مما يؤدي إلى حدوث استجابة التهابية، كما تشمل الأمثلة شرى المناعة الذاتية Chronic hives، والتهاب الأوعية الدموية المناعي الذاتي autoimmune vasculitis، والتهاب الكبد المناعي الذاتي، إضافة إلى الاضطرابات المناعية المعقدة، والتي تحدث عندما تتراكم المركبات المناعية (مولدات الأجسام المضادة مع الأجسام المضادة لها) وتتراكم في الأنسجة، مما يؤدي إلى التهاب وتلف الأنسجة، بالإضافة إلى ذلك من الأمثلة الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي والتهاب كبيبات الكلى المعقد المناعي immune complex glomerulonephritis، والاضطرابات الالتهابية الذاتية والتي تتميز بنوبات من الالتهاب المتكرر دون تدخل الأجسام المضادة الذاتية، وهذه الاضطرابات ناتجة في المقام الأول عن التنشيط غير الطبيعي للاستجابات المناعية الفطرية، على سبيل المثال حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية ومتلازمات الحمى الدورية ومرض بهست”.
ويؤكد الدكتور حسن بن أحمد اللواتي أن هذه الفئات ليست متعارضة، وأن بعض اضطرابات الجهاز المناعي قد تتداخل أو تحتوي على مميزات تمتد عبر فئات متعددة، مُبيناً أنه يتم التعامل مع تشخيص وعلاج اضطرابات الجهاز المناعي بشكل أفضل من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية من ذوي الخبرة في علم المناعة والمجالات ذات الصلة.
فروق الأمراض المناعية
ويذكر اللواتي أن التهاب المفاصل الروماتويدي (RA) والذئبة الحمراء (SLE) وتصلب الأذينين المتعدد (MS) هي جميعها أمراض مناعة ذاتية، لكنها تؤثر في نظم مختلفة في الجسم ولها مميزات مختلفة، مضيفا: “فيما يلي الاختلافات الرئيسية بين هذه الحالات: التهاب المفاصل الروماتويدي (RA) يؤثر بشكل أساسي على المفاصل مسببًا التهابًا مزمنًا وتلفًا في المفاصل؛ أي يهاجم الجهاز المناعي بشكل خاطئ الغشاء الزلالي (بطانة المفاصل)، مما يؤدي إلى آلام المفاصل وتورمها وصلابتها وتشوهاتها، وغالبًا يؤثر RA على اليدين والمعصمين والقدمين، ولكنه يمكن أن يشمل المفاصل الأخرى أيضًا، كما يمكن أن يسبب RA أيضًا أعراضًا عامة مثل التعب والحمى وفقدان الوزن، ويتضمن العلاج مزيجًا من الأدوية والعلاج الطبيعي وتعديلات نمط الحياة، أما الذئبة الحمراء (SLE) وهي مرض مناعي ذاتي مزمن يمكن أن يؤثر على عدة أعضاء وأنظمة في الجسم، ويمر بفترات من تفاعل الأعراض وتراجعها، ويمكن أن يؤثر مرض الذئبة الحمراء على المفاصل والجلد والكلى والقلب والرئتين والدماغ والأعضاء الأخرى، كما أن الأعراض الشائعة تشمل آلام المفاصل وطفح الجلد (على وجه الخصوص طفح “الفراشة” على الوجه) والتعب والحمى وأعراض تتعلق بكل عضو، ويشمل العلاج الأدوية للتحكم في الالتهاب وإدارة الأعراض وقمع استجابة الجهاز المناعي، أما التصلب المتعدد (MS) هو مرض مناعي ذاتي مُزمن يؤثر بشكل أساسي على الجهاز العصبي المركزي، وبالتحديد الدماغ والحبل الشوكي، ويهاجم الجهاز المناعي بشكل خاطئ التغطية الواقية لألياف الأعصاب (المايلين)، مما يؤدي إلى الالتهاب والتلف”.
ويُبين الدكتور حسن بن أحمد اللواتي أنه يمكن أن يسبب التصلب المتعدد مجموعة واسعة من الأعراض اعتمادًا على المناطق المتأثرة، بما في ذلك التعب وضعف العضلات ومشاكل التنسيق ومشاكل التوازن واضطرابات الحواس وتدهور الوظائف العقلية، مشيرا إلى أن هناك أشكالا مختلفة من التصلب المتعدد، بما في ذلك التصلب المتعدد الانتكاسي-الانحساري (RRMS) والتصلب المتعدد التقدمي، وكل منها له سير مرضي وخيارات علاج مختلفة، ويهدف العلاج إلى تقليل الالتهاب وإدارة الأعراض وتباطؤ تقدم المرض.
تشخيص الأمراض المناعية
ويوضح الدكتور حسن أنه يمكن أن تختلف الاختبارات المحددة المستخدمة لتشخيص اضطرابات الجهاز المناعي تبعًا للحالة المشتبه بها، قائلا: “فيما يلي بعض الاختبارات والأساليب التشخيصية الشائعة المستخدمة غالبًا: فحوصات الدم وتعداد الدم الكامل (CBC)؛ حيث يقيس مستويات خلايا الدم المختلفة، بما في ذلك خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية، ويمكن أن تشير الشذوذات في تعداد الخلايا إلى حالات مختلفة، بما في ذلك العدوى أو فقر الدم أو اضطرابات الجهاز المناعي، وأيضا اختبار الأجسام المضادة والذي يكتشف وجود الأجسام المضادة الذاتية وهي أجسام مضادة تستهدف عن طريق الخطأ أنسجة الجسم، وتشمل الأمثلة الأجسام المضادة النووية (ANA) للذئبة الحمراء (SLE) والعامل الروماتويدي (RF) لالتهاب المفاصل الروماتويدي (RA)، وأيضاً مستويات الغلوبولين المناعي ويقيس (الأجسام المضادة) في الدم، بما في ذلك IgG و IgA و IgM، ويمكن أن تشير الاضطرابات في هذه المستويات إلى اضطرابات نقص المناعة أو غيرها من الحالات المرتبطة بالمناعة، كذلك معدل ترسيب كرات الدم الحمراء (ESR) والبروتين سي التفاعلي (CRP) لقياس وجود التهاب في الجسم، وقد تشير المستويات المرتفعة إلى وجود أمراض المناعة الذاتية أو الالتهابات، ومن ضمن الأساليب التشخيصية أيضا مستوى البروتينات المكملة والتي هي جزء من جهاز المناعة وتلعب دورًا في الالتهاب، ويمكن أن يساعد قياس مستوى البروتينات المُكملة في تقييم نشاط الجهاز المناعي وبعض اضطرابات المناعة الذاتية”.
ويلفت اللواتي إلى وجود عدة اختبارات لتشخيص الأمراض المناعية ومنها: اختبارات التصوير، وذلك عن طريق الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو الموجات فوق الصوتية، وتساعد تقنيات التصوير هذه في تقييم مدى تلف المفاصل أو الالتهاب في حالات مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو الكشف عن تورط الأعضاء في اضطرابات الجهاز المناعي، التصوير المقطعي المحوسب (CT)، يستخدم لفحص مناطق معينة مثيرة للقلق، مثل الرئتين أو الغدد الليمفاوية لتقييم التشوهات أو علامات العدوى، الخزعات، ويمكن إجراء خزعات الأنسجة لفحص أعضاء أو أنسجة معينة مصابة بحثًا عن علامات التهاب أو تلف أو تسلل غير طبيعي للخلايا المناعية، مثل خزعات الكلى لعلاج التهاب الكلية الذئبي أو خزعات الجلد للالتهاب الوعائي، واختبار الحساسية الذي يساعد اختبارات وخز الجلد، أو اختبارات الدم مثل اختبار IgE لتحديد مسببات الحساسية التي قد تؤدي إلى تفاعلات حساسية أو اضطرابات فرط الحساسية، والاختبارات الوظيفية مثل اختبارات وظائف الرئة (PFTs) لتقييم وظائف الرئة أو المقايسات المناعية لتقييم استجابات مناعية محددة، لتقييم وظائف الأعضاء أو قدرات الجهاز المناعي.
ويُشدد الدكتور حسن على أهمية ملاحظة الاختبارات والأساليب التشخيصية حسب الحالة المشتبه فيها ليكون الحكم السريري لمقدم الرعاية الصحية، كما تعتبر استشارة أخصائي طبي متخصص في علم المناعة أو الاضطراب المحدد أمرا مهما للتشخيص الدقيق والإدارة المناسبة.
وينصح اللواتي بالقراءة حول هذه الأمراض والتعرف على اضطراب الجهاز المناعي وأعراضه ومحفزاته وخيارات العلاج واستراتيجيات الإدارة وفهم المضاعفات المحتملة وكيفية مراقبة حالته بفعالية، واتباع خطوات العلاج والالتزم بخطة العلاج التي يحددها مقدم الرعاية الصحية، وتناول الأدوية على النحو الموصوف وحضور الفحوصات الدورية، واتباع أي تعديلات في نمط الحياة موصى بها لإدارة حالة المريض.
كما يوجه بضرورة التواصل المستمر مع مقدمي الرعاية الصحية، ومناقشة أي مخاوف أو تغييرات في الأعراض أو أي آثار جانبية للأدوية على الفور، حتى يمكنهم المساعدة في تعديل خطة العلاج الخاصة بالمريض حسب الحاجة، بالإضافة إلى ضرورة الرعاية الذاتية والاعتناء برفاهية العامة، والحصول على قسط كافٍ من الراحة، واتباع نظام غذائي متوازن وممارسة النشاط البدني بانتظام والتحكم في التوتر بشكل فعّال؛ حيث يمكن أن تساعد أنشطة الرعاية الذاتية مثل تقنيات الاسترخاء أو التأمل أو ممارسة الهوايات في تقليل التوتر.
كما يؤكد أهمية طلب الدعم المعنوي أو العاطفي لدوره الإيجابي في التعامل مع أمراض اضطراب الجهاز المناعي، وضرورة الحديث مع الأقارب والأصدقاء ومتخصصي الصحة النفسية لتحسين الحالة النفسية للمريض، بالإضافة إلى التواصل المتواصل مع فريق الرعاية الصحية الذي يمكنه تقديم المشورة والإرشادات التي تناسب كل مريض.