التطورات الاقتصادية التي تشهدها الصين في عمليات التصنيع ونمو قطاع الخدمات تؤثر بشكل مباشر في المبادلات التجارية مع عدة دول آسيوية سواء في مجال التجارة أو التصنيع أو السياحة أو غيرها. كما أن التطورات التي شهدتها سلاسل التوريد الجديدة أثناء الجائحة تعمل على تعزيز التجارة الجديدة في المنطقة الآسيوية والعالم بأجمع، وتؤثر بشكل مباشر على الآسواق الناشئة الموجهة نحو التصدير.
فبعد ثلاث سنوات من الإغلاق المتداول لكوفيد 19 والاضطرابات التجارية التي شهدها العالم وخاصة الصين، فانها تسجّل اليوم نمواً متسارعا في الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 4.5% في الربع الأول للعام الحالي، بالرغم من وجود بعض الإشارات المتضاربة للأسواق الناشئة الأخرى وفق تقرير اكسفورد بيزنس جروب.
وهذا الأداء القوي للاقتصاد الصيني للربع الأول فاق توقعات العديد من المحللين، نتيجة لنمو قطاع الخدمات بنسبة 5.4% وقطاع التجزئة بنسبة 10.6%، الأمر يعزز عمليات نشاط السوق في الصين والمنطقة، في الوقت الذي تعمل فيه الصين على انتعاش قطاعها الصناعي الذي سجل نمواً بنسبة 3.9٪ في نهاية مارس 2023.
هذه التطورات تعزّز من النمو الاقتصادي العالمي في الدول الآسيوية أيضاً، في الوقت الذي تعمل فيه الصين ومنذ عقود من الزمن على استيراد المواد الخام من الأسواق الناشئة نظراً لانتقال البلاد من اقتصاد قائم على التصنيع إلى اقتصاد موجه نحو الخدمات، الأمر الذي يعزز من أشكال التجارة. إلا أن البيانات تشير إلى حصول تباطؤ للصادرات الصينية إلى الأسواق المتقدمة مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وأمريكا وسط المنافسة الجيوسياسية والتجارية الأخيرة، الأمر الذي عزّز من تحويل الصين إلى أسواق جنوب شرق آسيا التي تعد جزءاً من مبادرة الحزام والطريق. فخلال الربع الاول ارتفعت الشحنات الصينية إلى الأسواق الآسيوية بنسبة 35.4٪ ورفع من قيمة الصادرات الإجمالية بنسبة 14.8٪، وتضاعفت حصة دول الآسيان من الاستثمار المباشر الخارجي للصين ثلاث مرات وذلك من 5٪ تقريبًا في عام 2016 إلى أكثر من 15٪ في عام 2021 وفق بيانات التقرير. ومن المحتمل أن يؤثر نمو الصادرات الصينية على الأسواق الناشئة بطرق مختلفة بحيث يتفوق على بلدان معينة.
كما أن حركة أسواق الأسهم تدعم هذه التوجهات مع توقع إعادة فتح الصين لتلك الأسواق التي تجذب المليارات من الدولارات، واستحواذ الصناديق الأجنبية بمبالغ طائلة على عدد من تلك الاوراق المالية التي تشهد أداء جيداً مع تدفقات رؤوس الاموال الجديدة.
واليوم فإن عددا من الأسواق الناشئة الموجهة للتصدير تستفيد من هذه التطورات خاصة تلك التي تتمتع بعلاقات تجارية وثيقة مع الصين مثل فيتنام وماليزيا وغيرها من الدول الآسيوية الاخرى، الأمر الذي يساعد على معالجة العجز التجاري لتلك الدول، وتنمية أحجام وقيمة المبالات التجارية فيما بينها في مختلف السلع الزراعية والزيوت والصادرات الصناعية للسيارات والبتروكيماويات.
فجميع تلك الدول تنتعش مع انتعاش الصين، في الوقت الذي يزداد فيه طلب الصين على مواد الهيدروكربونية والمعادن والنفط والغاز سواء من الدول العربية والخليجية أو الاسيوية القريبة منها. وتنميتنا الاقتصادية في المنطقة مرتبطة أيضا بانتعاش الصناعات الصينية، حيث تعد الصين واحدة من أكثر الدول المستوردة للنفط الخليجي، فيما تستفيد دول آسيوية عدة بتوجهات الصين في تعزيز السياحة لها.