العمانية: أكّد عدد من الأطباء على أن هناك العديد من الدروس المستفادة من جائحة كورونا مع إعلان منظمة الصحة العالمية أخيرًا إنهاء حالة الطوارئ لجائحة كوفيد-١٩، التي تسببت في وفاة أكثر من ٢٠ مليون شخص في العالم بحسب المنظمة.
وقال الدكتور زيد بن الخطاب الهنائي أستاذ مساعد واستشاري بكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس لوكالة الأنباء العُمانية إنّ هناك العديد من دروس الجائحة على المستوى المحلي، بداية يجب أن نُثني على ملامح القوة في نظام الصحة في سلطنة عُمان، فكانت دقة تشخيص الحالات عالية لدينا، وكانت الشفافية واضحة في نقل المعلومة إلى المجتمع.
وأضاف أنّ وزارة الصحة نجحت في تقديم أحدث الأدوية والعلاجات كلما توفرت وعلى نطاق واسع، ويؤكد هذا على جدوى الاستثمارات الكبيرة في منظومة الصحة، كما يوضح أهمية توسيع وزيادة الاستثمار في منظومة الصحة من قبل الحكومة؛ لننعم بصحة أفضل وازدهار أكثر.
وأكّد على ضرورة تطوير الصناعات الدوائية والتقنية الطبية على المستوى المحلي؛ فقدرة البلاد على تطوير العقاقير والأجهزة الطبية وصناعتها محليًّا أصبحت ضرورة مهمة حتى لا نكون رهينة عوامل خارجية في أوقات الأزمات، وكثر الحديث اليوم عن الأمن الغذائي، وفي هذا السياق وجب أن نتحدث كذلك عن الأمن التقني والأمن العلمي، فلدينا ما يكفي من العلوم والمعارف والصناعات لنطور احتياجاتنا التقنية بأنفسنا.
وقال إنه خلال الجائحة شاهدنا أمثلة رائعة للإخلاص والتفاني في العمل من قبل الأطباء والممرضين والفنيين من العُمانيين والوافدين أثناء الجائحة، وضرب الطبيب العُماني أمثلة رائعة في الرعاية الصحية والتضحية من أجل المرضى، وأثبت كفاءته عن جدارة، الأمر الذي شاهدناه على أرض الواقع أثناء عمله في أقسام كوفيد-١٩.
وأفاد بأنّ الدرس المستفاد هنا هو مدى أهمية وجدوى برامج التعليم والتدريب للأطباء العُمانيين، فيجب أن نزيد الاستثمار في تدريب الأطباء العُمانيين على مستوى برامج التدريب المحلية وعلى مستوى الابتعاث للخارج، وأن نتأكّد بأننا نستطيع تلبية جميع احتياجات سلطنة عُمان الصحية عبر التدريب والتأهيل.
ويرى الدكتور زيد الهنائي أنّ هناك علامتين مهمتين تدلّان على نجاح المنظومة الصحية: تتمثل الأولى في رضا الناس عن مستوى الخدمات الصحية في البلاد بغض النظر عن الحالة المادية وعدم الحاجة للعلاج في الخارج، والثانية وصول جودة الخدمات إلى الناس وقدوم عدد من الحالات من مختلف البلدان للعلاج في سلطنة عُمان، مؤكدًا على الطموح للوصول إلى هذه الغايات، وأنّ تحقيقها ليس صعبًا مع زيادة الاستثمار في الكوادر المحلية، والوصول بها إلى العالمية.
وقال إنّ الجائحة استمرت ثلاث سنوات، إلا أن الفترة الصعبة في سلطنة عُمان اقتصرت على عام ونصف، كنا نشاهد فيها أعدادًا كبيرة وغير مسبوقة من الالتهابات الرئوية الحادة شكّلت أزمة مجتمعية، وتطلبت اتخاذ الإجراءات الاحترازية لتجنب وتقليل الإصابات قدر الإمكان.
وأشار إلى أنّ هذه الفترة العصيبة انتهت بنهاية صيف ٢٠٢١م باكتمال حملة التحصين واكتساب المناعة في المجتمع بشكل واسع، فالمناعة المكتسبة أوقفت نزيف الأرواح وحيّدت خطورة الفيروس إلى أن صار الفيروس شبيهًا في إصاباته بالإنفلونزا الموسمية، وبدأت الحياة في سلطنة عُمان تعود إلى طبيعتها تدريجيًّا بعد اكتساب المجتمع المناعة.
وذكر أنّ إجمالي عدد الوفيات في سلطنة عُمان وصل إلى ٥ آلاف وفاة، ونجحت الإجراءات الاحترازية التي طبقها المواطنون والمقيمون وحملة التحصين في تجنب حوالي خمسة إلى عشرة آلاف وفاة ولله الحمد، كما نجحت في تجنب عشرات الآلاف من الإصابات الحادة والتنويم.
ووضّح أنّ الفيروس كانت له أعراض مختلفة على المدى الطويل، مثل الجلطات وأمراض القلب التي ظهرت على بعض المصابين بعد أسابيع من الإصابة، كما شاهدنا مثل هذه المضاعفات للأسف بعد كل موجة من الإصابات بالفيروس.
وأكّد على أنّ الدراسات العلمية أثبتت أنّ التحصين ضد الفيروس قلل من هذه المضاعفات وأعطى شيئًا من الحماية ضدها ولله الحمد، ومرة أخرى وجب أن نذكر هذا لأن الدراسات العلمية هي التي نستند إليها، وما قد يُثار من شائعات هو في النهاية ليس إلا إشاعات يكثر فيها الخطأ.
وفي السياق ذاته يقول الدكتور زكريا بن يحيى البلوشي استشاري الالتهابات والأمراض المعدية بالمستشفى السُّلطاني لوكالة الأنباء العُمانية إنّ جائحة كورونا كانت تجربة صعبة وغريبة وعظيمة جدًّا بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، إذ لم نتوقع أبدًا أن نعيش جائحة بهذا المستوى؛ فهي من أكبر الجائحات التي مرت على العالم في العصر الحديث، وأثرت على كل مجالات الحياة دون استثناء.
وأشار إلى أنّ من أبرز الدروس المستفادة من الجائحة التأكيد على أهمية الصحة العامة والوقاية من الأمراض، إذ أصبح من الواضح أنّ الصحة العامة أساسية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وكافة المجالات، لافتًا إلى أنّ الجائحة أظهرت لنا ضرورة الاعتماد على التكنولوجيا؛ فقد كانت أداة قوية للتواصل والتعلم والعمل عن بُعد، كما استُخدمت في مواجهة الجائحة للوقاية والعلاج وتصنيع اللقاحات الفاعلة.
وأفاد بأنّ العمل الجماعي خلال الجائحة كانت له أهمية كبيرة جدًّا، فإنّ العمل الجماعي والتعاون بين الأفراد والمؤسسات كان أساسيًّا للتغلب على الأزمات، مع ضرورة الاستعداد والتخطيط الجيد للأزمات للتعامل معها بفاعلية.
وذكر أنّ الجائحة بيّنت لنا أنّ الصمود والمرونة أساسيان للتعامل مع الأزمات والتغلب عليها، مع أهمية الاهتمام بالصحة النفسية والعناية بالذات، والاستجابة السريعة والفعالة للأزمات، وتحديد الأولويات بشكل صحيح، مع أهمية الثقة بالعلم وعدم الالتفات للشائعات ولمؤيدي أصحاب نظريات المؤامرة. وأكّد على أنّ هناك العديد من الدروس التي لا يمكن حصرها، لكن يجب أن نستفيد من التي ذُكرت، والاستعداد والتأهب دائمًا لأيّ أزمة سواءً كانت صحية أو غيرها.
من جانبه أكّد الدكتور رضا بن عيسى اللواتي اختصاصي أمراض باطنية بالمستشفى السُّلطاني لوكالة الأنباء العُمانية على أهمية التسلح بالعلم والمعرفة في مواجهة الأمراض المعدية أو أيّ جائحة أخرى قد نتعرض لها لاحقًا، وظهر ذلك جليًّا عندما بدأ العلماء سريعًا في إيجاد اللقاحات المناسبة لمجابهة كوفيد-١٩ وفي وقت قياسي غير مسبوق مع إجراء الدراسات العلمية المناسبة له.
وقال إنّ البحث العلمي والصناعة الدوائية مهمة جدًّا لأيّ بلد أو مؤسسة صحية؛ فقد لاحظنا أن الدول التي ينشط فيها البحث العلمي والصناعة الدوائية بشكل كبير كانت قادرة على مواجهة هذه الجائحة بشكل مختلف عن الدول التي كانت تتلقى نتائج الأبحاث العلمية وتطبقها على نفسها وسكانها.
وأضاف أنه يجب علينا بعد مرحلة كوفيد-١٩ أن نسعى لمواكبة التطور العلمي والبحوث الاستراتيجية والصناعات الدوائية التي ستكون عونًا لنا لمجابهة أيّ جائحة أخرى قادمة، مؤكدًا على ضرورة الاستجابة السريعة لأي متغيرات على أرضية الميدان.
ولفت إلى أن لجائحة كورونا الكثير من الوقائع التي كانت تتغير بين لحظة وأخرى، فالتحورات المختلفة للفيروس التي كانت تغير خصائصه وإمكاناته ونتائج الأبحاث السريرية تتطلب استجابة سريعة لهذه المتغيرات.
وأشار إلى أنّ تكاتف المجتمع والتعاون بين المواطنين والمقيمين مع مؤسسات الدولة وقت إصدار التشريعات والقوانين الجديدة كان لها الأثر البالغ في التقليل من الإصابات، الأمر الذي يمكن أن نستفيد منه في مواجهة أيّ جائحة في المستقبل سواءً كانت صحية أو غيرها.
كما ذكر أنّ فترة الجائحة في سلطنة عُمان كانت مليئة بالذكريات والأحداث، إذ كان عملنا وعلاجنا للمرضى يتمُّ بناء على أحدث التوصيات العالمية لعلاج مرضى كوفيد-١٩، ولم يخلُ عملنا من البحث العلمي، وحاولنا جاهدين أن نخرج ببعض الدراسات والأبحاث العلمية التي هي في طور النشر الآن وبعضها الآخر لا نزال نعمل عليه.
واستعرض تجربته في المستشفى الميداني التي حملت الكثير من الذكريات والأحداث، منها حالات الوفاة للمرضى الذين تمّ تنويمهم في المستشفى لفترات طويلة، أو عند عدم قدرة المستشفى الميداني على استقبال مريض من مؤسسة صحية أخرى بسبب امتلاء الأسرّة وعدم وجود مجال لاستقبال أيّ مريض آخر.
وستظل أيام كوفيد-١٩ خالدةً لمن سطّروا مشاهد سترويها صروح العطاء للكوادر الصحية، حيث أسدوا رعايتهم في ظروفٍ كانت في أوج خطورتها، وأبقوا الأمل في أبهى حُلله، وكسوا العطاء لينسجوا أثوابًا من العافية.