شهدتْ العقود الثلاثة الماضية طَرْح عدة هُويات للمنتج الصناعي الوطني لتعزيز تواجده على المستوى المحلي والدولي؛ في الوقت الذي كانت فيه فترة الستعينيات من القرن الماضي -خاصة في السنوات المخصصة للصناعة العمانية عامي 1991 و1992- من الأوقات الذهبية لنمو القطاع الصناعي.
خلال تلك السنوات وما بعدها، أنشئت العديد من المصانع في البلاد؛ سواءً في منطقة الرسيل الصناعية أو المناطق الصناعية الأخرى؛ حيث كان رجال الأعمال العمانيون والمستثمرون الأجانب يتجاوبون مع التوجهات الحكومية في إنشاء المصانع، فيما كانت التوجيهات السامية تلقَى استجابة كبيرة في التوجه لإنشاء مزيد من الصناعات في مختلف القطاعات الاقتصاية، والتي كانت تستورد معظم موادها الخام من الخارج بجانب استثمار الموارد الطبيعية الموجودة بالبلاد.
وكان معظم تلك الصناعات تحمل العلامة والهوية الصناعية الوطنية العمانية وفق التصميم الذي كانت تطرحه وزارة التجارة والصناعة آنذاك، وتُلزم بها المصانع بوضعها على المنتجات المصنعّة، في الوقت الذي كان رجل الصناعة لا يكترث بهذه الهوية كثيرًا، وإنما كان جل اهتمامه أن تكون مدخلات الصناعة الأساسية من أسعار الأراضي وخدمات المياه والكهرباء والمواد الخام والخدمات الأخرى مناسبة ومتوفرة وفي تناول الصناعيين؛ من حيث التكلفة الاجمالية للتصنيع. كما كانت اللجان التي تتابع تلك القضايا الصناعية -سواءً بغرفة تجارة وصناعة عمان أو غيرها من الجهات المعنية الأخرى- تتابع قضايا التصنيع والعمل والعمال، ومهتمة بتوفير الخدمات المطلوبة للصناعيين، وحلّ المشكلات التي كانت تهُم العمالة المطلوبة للإنتاج وبأسعار تنافسية؛ الأمر الذي ساعد على توزيع المصانع بمختلف المناطق الصناعية في البلاد. إلَّا أن الفترة الأخيرة شهدت امتعاض الصناعيين العمانيين ورجال الأعمال من الزيادة الكبيرة في أسعار الأراضي وخدمات المياه والكهرباء. ناهيك عن القضايا التي واجهها الصناعيون في مجال الحصول على العمالة المطلوبة والمُدرّبة؛ سواء من الأيدي المحلية أو الوافدة؛ الأمر الذي أدَّى ببعضهم بتوجيه استثماراتهم إلى الدول القريبة، ونقل الميكنة الصناعية إلى تلك الدول في جو مريح وتنافسي ساعدهم على الاستمرار في التصنيع. وهذا ما يأمله الصناعيون بأن يُعاد النظر في تلك القضايا مرة أخرى، وفتح مجال أكبر لهم في تعزيز إنتاجية المصانع في السلطنة.
اليوم.. الحديث عن التصنيع والهُوية عامة، وفي السلطنة خاصة، سوف يطول في خضم المشكلات التي تُعاني منها القطاعات الاقتصادية في العالم، نتيجة لارتفاع تكلفة المواد الخام والنقل وسلاسل التوريد والتأمين وغيرها؛ الأمر الذي يؤدي لارتفاع قيمة الوحدة الصناعية المحلية المنتجة؛ وبالتالي تزداد المنافسة بين المصانع الوطنية وتلك التي تتواجد بالمنطقة وخارجها. والحلُّ يكمن في التقليل من قيمة المُدخلات المتمثلة في قيمة تأجير الأراضي الصناعية وأسعار الكهرباء والمياه والحصول على الخامات المستوردة بأسعار تنافسية بجانب أسعار الخدمات الأخرى، وضرورة إعادة النطر في الرسوم والضرائب التي تُفرض على المؤسسات والشركات الصناعية والمنتجة عمومًا.
الهُوية الصناعية للمنتجات الوطنية مهمة في هذا العصر لكي يستطيع كل فرد معرفة صناعات بلده، وبحيث تكون هذه الهوية جاذبة للمستهلك من خلال أول نظرة للمنتج الوطني. الهُوية الصناعية الأخيرة للمنتج العماني تم تدشينها بيوم الصناعة بشهر فبراير من العام الجاري، تعمل على إيجاد إطار وطني موحَّد للمنتج العماني، وتوحيد هويته التسويقية ورفع تنافسية المنتج العماني، إضافة لتعزيز القيمة المحلية المضافة للمنتجات الوطنية ورفع وعي المستهلك بالمنتج العماني. كما أنَّ الهوية الحديثة التي تتكون من الرمز الوطني المعروف لدى كل عماني وهو “الخنجر” بجانب عبارة “صح” الإيجابية، وتمَّ دمجهما ليعبِّران عن معانيهما وارتباطهما بالدولة والمواطن والناس عمومًا.
إنَّ الصناعات العُمانية موجودة اليوم في كل مكان، وعليها أن تستوفي الشروط التي وضعتها الوزارة المعنية للمؤسسات والشركات الصناعية في البلاد باستخدام هوية المنتج الوطني والتعامل بهذه الهوية مع أي منها لا تقل نسبة المحتوى المحلي فيها عن 20%.
وفي الوقت الذي تسعَى فيه الوزارة المعنية بدعم المنتجات الوطنية محليًّا والتركيز على الصناعات الوطنية ذات القيمة المحلية المضافة العالية، والعمل على رفع كفاءة سلاسل التوريد وفتح أسواق تصديرية جديدة لها، وتعزيز حضور المنتج الوطني محليًّا ودوليًّا من خلال المشاركة في المعارض المحلية والخارجية، فإنها تأمل أن تُسهم هوية المنتج الوطني الجديدة في تعزيز استدامة المنتجات العمانية في السوق المحلي وتنمية الصادرات، ورفع مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في اجمالي الناتج المحلي، مع العمل على تحقيق التكامل بين الصناعات الموجودة، وتطوير مهارات وقدرات القوى العاملة الوطنية لجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة لهذا القطاع وغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى.