للنخلة وثمارها من الرطب والتمر عند الإنسان العربي قيمة خاصة فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأرضه وتاريخه وببعض العبادات كعبادة الصوم؛ فهناك من يرى أن الجزيرة العربية هي الموطن الأول للنخيل، ولكنه يزرع في عموم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشمال غرب الهند، ومن المعروف أيضًا أن النخيل هو من أقدم النباتات التي عرفها الإنسان فهو من النباتات التي اشتهرت في أقدم الحضارات البشرية في بلاد ما بين النهرين وعند قدماء المصريين.
وارتبط النخيل بتاريخ الإنسان العربي وماضيه، وكان لهذا الارتباط فوائد جمة، فقد حمت هذه العلاقة العرب من بعض الأمراض الفتاكة، فالملاحظ تاريخيا أن العرب وعلى الرغم من أنهم كانوا أساطين البحر لفترات طويلة وكانوا يبحرون لأيام وليال عديدة، إلّا أنهم لم يتعرضوا لمرض الأسقربوط الذي واجهه الأوربيون عندما بدأوا يبحرون لفترات طويلة، وقد أدى هذا المرض إلى موت العديد من البحارة الأوربيين، بينما سلم منه البحارة العرب. فما هو السر في سلامة البحارة العرب من هذا الداء المميت؟
لقد كان السر في الرطب أو التمر الذين لا يفارقان العرب في حلهم وترحالهم، ولذا كانوا يقتاتون عليهما حتى في رحلاتهم البحرية، وهذا ما حماهم من مرض الأسقربوط والذي كان بسبب نقص فيتامين (ج) في الغذاء، وعلى الرغم من أن الرطب والتمر لا يعدان من المصادر الغنية بهذا الفيتامين، إلا أنهما يحتويان على كمية كافية منه للحماية من هذا الداء.
وهذه العلاقة القوية بين العربي وبين النخيل ربما كانت سببًا في أن يبدأ العربي إفطاره على الرطب أو التمر، فبعد أن يصوم الإنسان لفترات طويلة فإنَّ التمر أو الرطب يوفر له طاقة مركزة، وذلك بسبب نسبة السكريات العالية الموجودة فيه والتي يحتاج لها الصائم بعد فترة صوم طويل.
وعلى العكس من علاقة النخيل بالعربي، فإن النخيل وثماره ظلت مجهولة في أوروبا ولم تتعرف عليه إلّا في القرن السادس الميلادي، أما قارات العالم الجديد (أمريكا الشمالية والجنوبية) فلم تتعرف عليه إلّا في القرن السادس عشر الميلادي وذلك عندما قام الأسبان بزراعته في تلك البقاع بعد اكتشافهم القارة الأمريكية بشقيها الشمالي والجنوبي.
ولذا فلو افترضنا أنك كنت تعيش في أمريكا الجنوبية قبل القرن السادس عشر وبعد يوم صوم طويل، أردت أن تفطر وكما ذكرنا فإن الرطب أو التمر لم يكونا موجدين هناك بل كانا مجهولين تمامًا قبل القرن السادس عشر، فما هو الطعام الأقرب للرطب عند أهل تلك المناطق؟
ربما يكون الكاكاو هو البديل الأقرب للرطب في هذه الحالة، فالكاكاو كان طعامًا مهمًا لهم ومتوافرًا بكثرة، ومن ناحية التركيبة الكيميائية، فهناك بعض الشبه بين الرطب والكاكاو، كما أن هناك بعض الاختلافات. ولنبدأ بالبروتينات والتي تزيد في الكاكاو ولكنها تتوفر أيضا بكميات مناسبة في الرطب، وبالمقابل سنجد أن الكربوهيدرات تتوفر في الرطب بكميات تفوق قليلًا عن تلك المتوفرة في الكاكاو، لكن الفارق الأساسي يكمن في كمية الماء والدهون؛ إذ تقل الدهون في الرطب بشكل كبير جدًا مقارنة بالكاكاو، وبالمقابل تزيد نسب الماء، كما أن كلاهما- الرطب والكاكاو- يحتويان على أصناف متعددة من الفيتامينات؛ إذ يحتوي الرطب على كميات جيدة من فيتامين (ب1) و(ب2) و(ب3) و(ب6)، بينما يحتوي الكاكاو على فيتامين (أ) و (إي) و(ب12) و(ك). أما المعادن فيعد الرطب والكاكاو مصدرين غنيين بمختلف أنواع المعادن هذا بالإضافة إلى أن كلاهما يحتوي على كميات جيدة من مضادات الأكسدة.
فهل الكاكاو بديلًا مناسبًا للرطب؟!
إذا كنت من سكان تلك المناطق في تلك الحقبة التاريخية فالخيار ليس لك فالكاكاو رطب تلك البقاع!
وأما إذا أردت أن تحتفل معهم بعيد الفطر، فعليك ألا تنسى أن تخرج زكاة فطرة العيد ولكن لن يكون بإمكانك أن تزكّي بتمر أو رطب أو قمح أو شعير، فتلك أصناف من الطعام مجهولة عندهم ولا يعرفونها، وأما إذا أردت أن تزكّي بقوت أهل تلك الأمصار فعليك بالذرة أو البطاطس، فهما قوت أهل العالم الجديد، وبهما تتزين موائدهم!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس