تُبدي المؤسسات المصرفية في العالم اهتمامًا متزايدًا بعمليات الادخار عند النشء والأطفال؛ لتعويدهم على توفير وادخار جزء من أموالهم من أجل المستقبل، والأمر ليس استثناء للعائلات المقتدرة؛ بل الفقيرة تحرص أيضًا على ادخار جزء ولو قليل من دخلها الشهري للمستقبل.
وتعقد كل عام العديد من المنتديات والفعاليات التي تبحث هذه القضايا التي تساعد الدول في الاعتماد على ادخارات مواطنيها لتأسيس وتنمية المشروعات الداخلية التي تحتاج إليها، ولتعزيز بنيتها التحتية دون أن تتوجه إلى المؤسسات المصرفية العالمية للحصول على القروض والتمويل الخارجي مقابل دفع فوائد وخدمات مصرفية ومالية كبيرة. وتمكنت عدة حكومات في العالم مثل اليابان والصين وغيرها من تسخير الأموال المدخرة والخاصة لمواطنيها في مساعدة المصارف المحلية في الحصول على القروض بنسب فوائد قليلة؛ الأمر الذي يساعد في تأسيس مزيد من المشروعات وتوفير فرص عديدة للباحثين عن العمل.
وتشارك البنوك المركزية والمؤسسات المصرفية من جانبها في عدد من الفعاليات التي تقام لهذا الغرض. ومؤخرًا جاءت مشاركة البنك المركزي العُماني في حملة “أسبوع المال العالمي” الذي نظمته الشبكة الدولية للتعليم المالي التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (ECD/INFE) بهدف تمكين الأطفال والشباب من تعلّم كيفية إدارة مواردهم المالية بحكمة ومساعدتهم في تعلم طرق ادخار وكسب المال، وإكسابهم المهارات والمعارف والسلوكيات اللازمة لاتخاذ القرارات المالية السليمة من أجل تحقيق النجاح المالي وبالتالي نقل هذه المعرفة إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم.
ولتعظيم الفائدة من هذه الفعاليات، يعمل البنك المركزي العُماني وبالتعاون مع عدة جهات مالية ومصرفية في تنظيم مثل هذه الفعاليات؛ ومنها: حملة الأسبوع المالي العالمي تحت عنوان “خطط لأموالك.. ازرع مستقبلك”. ويتم تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع عدة جهات معنية بالادخار ومصارف محلية، والتي يتطلب منها إبداء حرص أكبر في مثل هذه الحملات للقيام بالأنشطة التي تساعد الأطفال في الادخار وكيفية الحفاظ على الأموال. ومثل هذه الأنشطة والحملات تستهدف في الأساس توعية الصغار من طلاب المدارس والكليات والجامعات؛ حيث يتم التركيز على قضايا الادخار والاستدامة المالية، بجانب زيادة الوعي بشأن الآثار المترتبة على السلوك المالي الفردي الذي يترك آثارًا على حياة الفرد والمجتمع العملية لاحقًا، وينظّم مستقبله المالي وكذلك الاجتماعي، الأمر يؤثر بصورة وبأخرى على قضايا البيئة والمجتمع.
في مثل هذه الفعاليات، يحرص البنك المركزي والمؤسسات المصرفية والمالية على تعريف الطلبة والأحداث والنشء بالكثير من الأمور والأعمال التي يقوم بها لخدمة المجتمع وكيفية المحافظة على الميزانية الشهرية للأسر، ونوعية الخدمات التي يقدمها للعملاء بجانب تعريفهم بقضايا التكنولوجيا المالية وخدمات الدفع الإلكتروني، وطرق الادخار والإدارة المالية والتعريف بقضايا مكافحة غسل الأموال والتنبيه إلى طرق الاحتيال.
إنَّ جميع تلك الفعاليات تعمل على تعزيز ثقافة الأطفال بقضايا مصرفية حيوية وتحثهم في العمل بالادخار، في وقت تلعب فيه بعض وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة أحيانًا دورًا سلبيًا في تدوير بوصلة الأطفال وابتزازهم واستغلال أموالهم من خلال تقديم برامج الترفيه والتسلية السلبية لهم عبر الفضاء. وإيمانًا من هذه المؤسسات يسعى البنك المركزي من خلال مشاركته في تلك الفعاليات كالأسبوع المالي العالمي وغيرها إلى ترسيخ مبدأ الشمول المالي، الذي يهدف إلى تحقيقه بحيث تصل الخدمات المصرفية لكل شخص في البلاد في إطار حرصه ومساهمته بتحقيق رؤية “عُمان 2040” من خلال تحسين مستوى الثقافة المالية، وتعزيز المعرفة وتحقيق الاستدامة المالية لفئة الأطفال والشباب، وتمكينهم مستقبلًا من إدارة مؤسساتهم التجارية والأعمال الحرة لكي يكونوا مستقلين في منظومة العمل في البلاد.
وفي نفس هذا الاتجاه، تعمل المصارف في العالم على تقديم حزم من البرامج لدعم وتحفيز العمل الحر للشباب، وخاصة الذين تمكنوا من تكوين ثروة من خلال الادخارات التي يتم إيداعها في تلك المصارف. وفي السلطنة نجد اليوم أن الجهات المعنية وبدعم من القطاع المصرفي تعمل على دعم جهود الشباب وفتح الحسابات المصرفية لهم، للاستفادة من جميع المزايا التي تقدمها تلك الجهات كبرامج التوفير، بحانب تقديم القروض بدون فوائد من قبل بنك التنمية العُماني في حدود تصل إلى خمسة آلاف ريال عُماني، بجانب تمويل البرامج الأخرى.
على المؤسسات المصرفية اليوم الاستمرار في تقديم مزيد من الخدمات، وتقديم يد العون لأصحاب الأعمال الحرة، وكذلك التسهيلات والمزايا التي يسعون في الحصول عليها، للاستمرار في برامجهم الادخارية وأعمالهم الحرة؛ وليتمكنوا من مواكبة المستجدات في الاقتصاد العُماني.
ويتطلب الأمر من الأسر الابتعاد عن الإسراف والإنفاق على السلع الكمالية والترفيهية التي تهدد مستقبل أبنائها والعمل على إيجاد موازنة بين الدخل الشهري والمصروفات بجانب محاولة ادخار جزء من هذا الدخل، تحسبًا لأي مشكلة قد تواجه هذه الأسر. وكلما تم توفير فرص العمل المناسبة لأبناء المجتمع، فإنَّ نسب الادخار في المؤسسات المصرفية سوف تتصاعد هي الأخرى، وهذا ما يجب تحقيقه للمجتمع.