عُمان: كتب – نوح المعمري وحمد الكلباني والعمانية
عززت سلطنة عمان مركزها المالي والاقتصادي بتثبيت التصنيف الائتماني الإيجابي عند «BB»، ويعد التصنيف الصادر من وكالة «ستاندرد آند بورز» ذا أهمية كبيرة في إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، مع توقع نمو الناتج المحلي الجاري وارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية نحو 3.5% خلال عامي 2025 و2026م. وأكد عدد من الجهات الحكومية والخبراء الاقتصاديين لـ«عمان»: إن التصنيف سوف يساهم في تحفيز بيئة الاستثمار والأعمال، مما يساعد على نشاط القطاعات الاقتصادية المختلفة، كما أن جهود ضبط الأوضاع المالية والالتزام في سداد الدين العام يعزز مكانة سلطنة عمان عند البنوك العالمية، ويؤكد قدرة السلطنة على الالتزام بسداد الدين مما يعطي الثقة للبنوك العالمية والمحلية لتقديم القروض لتمويل المشاريع في عُمان.
وأعلنت وكالة «ستاندرد آند بورز» تعديل النظرة المستقبلية لسلطنة عُمان إلى إيجابية عند «BB»، في ظل استمرار تحسن الأداء المالي للدولة. وأوضحت الوكالة في تقرير تصنيفها الائتماني لسلطنة عُمان الذي أصدرته، أن تعديل نظرتها المستقبلية جاء على إثر ما تقوم به حكومة سلطنة عُمان من مبادرات وإجراءات تطويرية في الجوانب المالية والاقتصادية، التي تسهم في تعزيز المركز المالي لسلطنة عُمان بشكل أفضل مما تتوقعه الوكالة؛ الأمر الذي من شأنه أن يعزز مكانة الاقتصاد المحلي بحيث يكون قادرًا على التكيف مع تقلبات أسواق النفط. وذكرت الوكالة أن ما تبذله الحكومة من جهود في تحسين الأداء المالي والسياسات الداعمة للنمو الاقتصادي؛ انعكس في خفض حجم الدين العام، وما يشهده الناتج المحلي الإجمالي الجاري من نمو قوي، وتراجع إجمالي الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من أكثر من 60% في 2021م إلى نحو 40% في 2022م، مضيفة أن سلطنة عُمان عازمة على مواصلة تحسين مركزها المالي والاقتصادي؛ مما سيزيد من مرونتها في مواجهة تقلبات أسعار النفط. وتتوقع الوكالة أن ينخفض الدين العام إلى نحو 16.5 مليار ريال عُماني، أي بنسبة 37% من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية العام الجاري 2023م، مشيرة إلى أن تراجع معدل الدين العام وتحقيق فوائض مالية خلال عامي 2023 و2024م؛ سيؤدي إلى زيادة الحيز المالي لسلطنة عُمان.
ترشيد الإنفاق
وقالت الوكالة في تقريرها: إن الحكومة تمكنت من ترشيد الإنفاق العام خلال عام 2022م رغم ارتفاع العوائد النفطية؛ وذلك نتيجة استمرار الحكومة في جهود ضبط الإنفاق العام.
كما تتوقع الوكالة نمو الناتج المحلي الإجمالي «بالأسعار الثابتة» بمعدل متوسط يبلغ نحو 2.5% خلال الفترة 2023 – 2026م، كما تتوقع أن يبلغ متوسط نمو القطاع غير النفطي نحو 3.5% خلال عامي 2025 و2026م.
وأشارت في التقرير إلى أنه يُتَوقّع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 90 دولارًا أمريكيًّا للبرميل في 2023م، و80 دولارًا أمريكيًّا للبرميل في 2024م، و55 دولارًا أمريكيًّا للبرميل في 2025م. كما ذكر التقرير أن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان قد يشهد مزيدًا من التحسن خلال الفترة القادمة في حال أسهمت الإجراءات المتخذة حاليًّا في تقوية المركز المالي لسلطنة عُمان، في ظل استمرار خفض معدل الدين العام وكلفة خدمة المحفظة الإقراضية. ونبّهت الوكالة في ختام تقريرها إلى أن التصنيف الائتماني قد يتأثر؛ في حال تراخي تنفيذ الإجراءات المالية أو حدوث عوامل غير متوقعة تؤدي إلى ارتفاع مستويات العجز المالي، وتأثر ميزان المدفوعات بصورة تتجاوز توقعات الوكالة. الجدير بالذكر أن حكومة سلطنة عُمان قد تمكنت من خفض الدين العام إلى 16.6 مليار ريال عُماني خلال الربع الأول من العام الجاري.
تحفيز بيئة الاستثمار والأعمال
وأوضحت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة أهمية النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني الإيجابي لسلطنة عمان في تحفيز بيئة الاستثمار والأعمال في المناطق التابعة لها. حيث يضع التصنيف «BB» من وكالة ستاندرد اَند بورز، سلطنة عمان في مصاف الدول العالمية الجاذبة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، الذي بدوره سوف يساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي. وتقدم الهيئة العديد من التسهيلات والحوافز لاحتضان العديد من المشاريع الاستثمارية في مختلف المناطق والمدن الصناعية. وأشارت الهيئة إلى أن سلطنة عمان بيئة جاذبة ومهمة للمستثمرين نظرا لاستقرار المركز المالي فيها، وتواصل الهيئة عبر محطاتها المختلفة الجهود لتقديم مختلف المزايا لبيئة الأعمال والعمل على تحديث منظومة التشريعات والقوانين بما يخدم البيئة الاستثمارية، لجذب العديد من المستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية، كما تقدم دعما عبر توحيد التراخيص والموافقات والشهادات التي تتعلق بممارسة الأنشطة الاقتصادية.
ومساندةً لأعمال الجهات الحكومية والخاصة ودورها الكبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي واستمرار تحسن الأداء المالي، فإن الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة تواصل العمل بدورها في تنظيم البيئة الاستثمارية وتشجيع المستثمرين عبر الترويج للفرص الاستثمارية المتوفرة فيها والإعلان عن الحوافز والمزايا والتسهيلات التي تمنح لكل من الجهة المشغلة والشركة العاملة. وتعد المناطق التابعة للهيئة من أهم أدوات المنظومة الاقتصادية التي تسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي كونها أحد الحلول والنماذج الاقتصادية المتطورة التي تلجأ إليها الدول بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الاستثمارات المحلية، وتساعد على تدفق رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
تخطو في الاتجاه الصحيح
وأشارت أسيل بنت محمد رضا اللواتية قائمة بأعمال مدير عام وحدة إدارة الدين العام بوزارة المالية: أن التحسن في النظرة المستقبلية من قبل وكالة ستاندرد اند بورز إقرار بأن السلطنة تخطو في الاتجاه الصحيح.
وأن الجهود التي تقوم بها سلطنة عمان في شتى المجالات لتحسين بيئة الاستثمار وتعزيز ثقة المستثمرين تأتي بثمارها، ومن أوائل الثمار في عام 2023 هو التحسن في النظرة المستقبلية إلى إيجابية منذ حوالي 5 أشهر عن آخر مراجعة قامت به مؤسسة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز. وأضافت: أن المحللين لدى وكالة التصنيف الائتماني يقومون بمراجعة الملف المؤسسي والاقتصادي وكذلك ملف الأداء المالي والنقدي والموقف الخارجي لدى الدولة والذي يعكس مدى مرونة الدولة تجاه المخاطر والتحديات العالمية. لذلك كلما تحسن أداء التصنيف الائتماني كلما ازداد حرص المستثمرين على منح المزيد من القروض الخارجية لدى الحكومة بتكلفة أقل. الأمر الذي من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي لدى الدولة وتطوير وبناء مشاريع تنموية غير نفطية. كما أوضحت بأنه سيؤثر إيجابا على زيادة ثقة المستثمرين بالاقتصاد المحلي، وتشجيعهم للدخول في جلب الاستثمارات. بالإضافة إلى خفض كلفة خدمة الدين العام، ويخفف من كلفة الاقتراض للقطاع الخاص. ويوضح التصنيف الائتماني مدى موثوقية الحكومة في الالتزام بسداد المستحقات تجاه الغير.
وحول تعزيز المركز المالي لسلطنة عمان، أوضحت اللواتية بأنه استناداً على ما قامت به الحكومة في السنتين الأخيرتين من تسخير الجهود لخفض الدين العام وبناء احتياطي مالي للدولة، ما هو إلا دلالة على أن هنالك هدفا وتوجها واضحا لدى الحكومة، والتي أشادت به باقي الوكالات التصنيف الائتماني. وتابعة اللواتي حديثها بأن وكالة ستاندرد آند بورز أشارت إلى أن التزام حكومة سلطنة عمان في تنفيذ السياسات والإصلاحات المالية والاقتصادية وفق الخطة المالية متوسطة المدى كان لها دور ملموس في تحسين التصنيف الائتماني، وأيضاً ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج النفطي مما ينتج عنه زيادة الإيرادات النفطية قد ساهم في تحسن الأداء المالي للسلطنة وتحقيق فائض مالي في الميزانية العامة للدولة وميزان المدفوعات لدى البنك المركزي. ويعزى ذلك أيضاً في جهود السلطنة إلى التوجيه الأمثل لاستخدام الفائض المالي في سداد المستحقات المالية وكذلك التركيز على زيادة الاحتياطات المالية من أجل زيادة المرونة المالية للتصدي لأي أزمات مالية غير متوقعة.
وحول أهمية التصنيف الائتماني في نمو القطاع غير النفطي، أوضحت اللواتية أن تحسن أداء التصنيف الائتماني كلما ازداد حرص المستثمرون على منح المزيد من القروض الخارجية لدى الحكومة بتكلفة أقل. الأمر الذي من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي لدى الدولة وتطوير وبناء مشاريع تنموية غير نفطية. بالإضافة إلى أن هذا يعتبر حافزا لجلب استثمارات خارجية إلى داخل السلطنة، قد يكون جزءا منها في المجالات الحيوية مثل السياحة والصناعة والأمن الغذائي.
نظرة مالية مستقرة
يقول قيس السابعي، خبير اقتصادي: إن رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عمان إلى نظرة إيجابية حسب وكالة ستاندرد آند بوزر يدعو إلى وجود نظرة مالية مستقرة تشهدها سلطنة عمان، وقادرة على أداء وسداد ديونها والتزاماتها، وهذا التصنيف ما هو إلا نتيجة تعافي الاقتصاد العماني وتحرره من خلال انتهاج حكومة سلطنة عمان سياسات منهجية دؤوبة كما شهدتها عند تسديد بعض الديون قبل فترة استحقاقها.
وأضاف السابعي: إن هذه النظرة الإيجابية ستسهم في رفع مكانة سلطنة عمان الاقتصادية وتعزيز ثقة المستثمرين الأجانب، مما سيعمل على استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وبمشاريع ضخمة تعد بالمليارات، حيث إن مثل هذه التصنيفات تعتبر مفتاحا لبث الطمأنة لدى المستثمر وبمثابة إعلان وإعلام له لاستقطاب استثماره إلى سلطنة عمان، كما يضع عُمان في موضع الأمان والاستقرار باحتفاظها بهذا التصنيف في حالة تذبذب أسعار النفط جراء قدرتها على أداء خدمة الدين العام بشكل مستمر منتظم. وأوضح أن المستثمر دائما ما يبحث عن مستوى الربحية، وباستدلال نحو هذا التصنيف سيعمل على رفع مستوى الأريحية ورفع مستوى الثقة إلى جانب الاستقرار الأمني التي تتميز به سلطنة عمان الذي يعتبر أحد الجوانب الرئيسية التي يهدف إليها المستثمر قبل الولوج إلى الاستثمار في أي بلد، بالإضافة إلى بحثه عن مستوى الإجراءات والتسهيلات عند الاستثمار. أما محمد بن حسن العنسي رئيس لجنة سوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان يقول: إن تعديل تصنيف السلطنة إلى نظرة مستقبلية إيجابية يؤكد نجاح السياسات الاقتصادية التي تقوم بها سلطنة عمان من أجل إعادة المسار الاقتصادي واستدامته، كما يوضح دور السلطنة اقتصاديا نحو التوجه إلى انفتاح اقتصادي عالمي من أجل تغير خارطة الاستثمار وتوفير فرص استثمارية للاستثمار المحلي والخارجي.
وأشار إلى أن تعديل التصنيف الائتماني لسلطنة عمان خلال فتره قصيرة ورفعه إلى نظرة مستقبلية إيجابية وتثبيت التصنيف الائتماني عند BB سينعكس على تعزيز المركز المالي لسلطنة عمان خارجيا ويعزز مكانتها عند البنوك العالمية، ويؤكد قدرة السلطنة على الالتزام بسداد الدين مما يعطي الثقة للبنوك العالمية والمحلية لتقديم القروض لتمويل المشاريع في السلطنة.
مؤكدا أن التحسن الذي نلاحظه في تصنيف الائتماني للسلطنة سيعزز من دعم سياسات سوق العمل وتطويرها بما يخدم توفير فرص العمل للشباب، ويعزز من إنتاجية القطاع الخاص، بالإضافة إلى أنه يسهم في دعم نمو أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أجل دعم التنمية الاقتصادية، كما يشجع المستثمر الأجنبي للاستثمار في سلطنة عمان والاستفادة من الموارد المتاحة وكيفية استغلالها في الصناعات.