قال تعالى: “وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” (الإسراء: 24).
لقد نشأت فكرة عيد الأم في أمريكا، واتبعت مُعظم دول العالم سنتها، بما في ذلك 57 دولة إسلامية، باستثناء إيران التي لها يوم خاص وهو يوم ولادة السيدة فاطمة الزهراء. بعد ذلك أدرك بعض المُفكرين أهمية الأب، وبالتالي أطلقوا الاحتفال بعيد الأب لأنه بدون الأب لا يمكن للأم أن تنجب أطفالًا.
لكن يُلاحظ أن “عيد الأب” لا يحظى بحماس كبير كما هو الحال في “عيد الأم”. ولعلَّ السبب هو أن للأب دخلًا ولا يقبل الهبة المالية بخلاف الأم. هذا العيد يأتي ويذهب كل عام ولا يحتفل به الأولاد، مثل “عيد الشجرة”.
وقد اقترحت في إحدى كتاباتي أن يكون هناك يوم مخصص لآدم وحواء لأنه بدونهما لن يكون هناك بشر. “كلكم من آدم وآدم من تراب”. (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالًا كثيرًا ونساء) النساء: 1.
في هذا اليوم، 21 من شهر مارس تحتفل العديد من البلدان بـ(عيد الأم)، وأغتنم الفرصة لأهنئ كل أم على قيد الحياة، وأسأل الله أن يرحم ويغفر لكل أم رحلت عن الدنيا الفانية، وخاصة الأمهات اللواتي عشن في عهد ما قبل عصر النهضة العمانية المباركة 1970، اللائي حُرمنَ من نعمة الكهرباء ومياه الشرب النظيفة، ولم يعاصرن الخادمات الفليبينيات والإندونيسيات.
أتذكر كيف كانت الأم تطبخ والرضيع على كتفها أو في حجرها، بملعقة كبيرة في يد و”مهفة” في الأخرى لدرء الحرارة عن رضيعها، وتقلب الطعام على نار مصدرها الحطب. في تلك الأيام الصعبة للغاية، لم تشكُ الأم من قساوة ومرارة الحياة، بل كانت الأم حقًا مثالًا للحديث الشريف (الجنة تحت أقدام الأمهات).
وأود في هذه الإطلالة السريعة أن أذكر القارئ الكريم بما أعددته لأمك بهذه المناسبة؟ أنت محظوظ جدًا لأنَّ والدتك على قيد الحياة، فحاول أن ترضيها قبل فوات الأوان، فقد قرأنا أن “الجنة تحت أقدام الأمهات”، مما يعني أنك ستدخل الجنة إذا كانت راضية عنك.
استميح عذرًا من كل قارئ، ذكرًا كان أو أنثى، لهذه التذكرة، لأقول شيئا ربما لم يُسمع به في المراكز الدينية، وربما تكون قد فقدت والدتك عندما كنت طفلًا وترعرعت على يد أختك الكبرى، أو جدتك أو خالتك أو عمتك، يجب أن تعتبرها والدتك وأن تعاملها كما تعامل والدتك الحقيقية، ولا تتردد في زيارة قبر والدتك، فقد لا تعلم أن روحها تراك وتسمعك، ولا تقلل من شأن زيارة والدتك وكل أرحامك، فهناك من يقول اقرأ الفاتحة على روح الميت من البيت أو المسجد. وأنا أقول لك هذا جائز، ولكن الجلوس على القبر، ثم قراءة الفاتحة مع التركيز على القبر بعينك وقلبك، فهذا له ميزة خاصة وأثر خاص على زائر القبر. هناك سوف تستعرض الأيام والسنوات التي قضيتها بصحبة والدتك، وكيف اعتادت البقاء ساهرة ليلًا ونهارًا في خدمتك. ولن تستطيع استرجاع هذه الأحداث في مكان آخر.
إنه بدون الوالدين، لم نكن لنصل إلى ما نحن عليه اليوم، ولا أستطيع أن أتخيل كيف سيكون الحال لو وجدت الأم أن أولادها لا يأتون لزياتها ولو مرة واحدة في السنة؟
للأم حقوق على الابن وكذلك الابن على الأم، وتنتهي حقوق الأم بعد وفاتهاـ لكن حقها على الابن يستمر بعد وفاتها. ولكن ما هذه الحقوق؟
أولًا: سداد ما عليها من الديون المستحقة إن وجدت، وثانيًا: الصدقة عنها، وثالثًا: زيارة قبرها مرة في السنة على الأقل في ذكرى وفاتها والدعاء لها.
وأنا أتساءل الآن: كم عدد القراء الذين يؤدون مثل هذه الحقوق؟ لا أعلم، كل ما أعرفه هو أن بعضهم لا يتذكر تاريخ وفاة والديهم! أليس كذلك؟ يوجد اليوم متطوعون أفراد يحاولون تذكيرك بذكرى وفاة والديك وإخوتك، فهل أنت مستعد لاغتنام هذه الفرصة وزيارة قبورهم؟
وفي الأخير.. لا يسعني هنا إلا أن أقدم لكل قارئ لهذه المذكرة شريط فيديو تظهر فيه طفلة تريد شراء هدية لأختها الكبرى بمناسبة عيد ميلاد هذه الأخيرة، والتي قامت بتربيتها بعد فقدانها لأمهما.
أتمنى لكل أم عيدًا سعيدًا، ولكل أم متوفية المغفرة وعلو الدرجات.