حققت جمعية الأطفال ذوي الإعاقة نجاحات نوعية خلال الفترة من عام 1992 إلى عام 2017؛ إذ تحول مقرها من شقة مستأجرة في العذيبة، ومبنى قديم بقريات يستوعبان نحو 30 طفلا من ذوي الإعاقة البسيطة والجسدية، وبإدارة محدودة بعدد من المتطوعات العمانيات وغير العمانيات في عام 1992، إلى مؤسسة حديثة تمتلك كل مقومات العمل المهني القائم على مرتكزات علمية متطورة في عام 2017، تستوعب أكثر من 450 طفلًا.
وشملت تلك المقومات ما يلي:
أولًا: مبانٍ ومنشآت حديثة تم إنشاؤها، غطت 10 ولايات في السلطنة، تم تجهيزها بأحدث الوسائل التي تستجيب لكل متطلبات التعليم والتأهيل والتدريب للأطفال الذين تقع أعمارهم ما بين 4 إلى 14 سنة من ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة والمتوسطة والإعاقة الحركية والسمعية، والإعاقة المزدوجة.
ثانيًا: إنشاء وتجهيز مركز حديث لخدمات اضطراب طيف التوحد، وهو الاول آنذاك في السلطنة.
ثالثًا: تأهيل وتدريب وتجهيز كادر تعليمي يتكون من 135 شابة عمانية، تم تأهيل البعض منهن بدبلوم التربية الخاصة من جامعة نزوى، وجامعات متخصصة في الأردن، والبعض الآخر حصل على دورات تدريبية كثيفة متخصصة داخل وخارج السلطنة بعد دبلوم التعليم الثانوي، وتم تأهيل الكادر الإداري والمساعد بالماجستير والبكالوريوس، ونفذ كل ذلك على نفقة الجمعية.
رابعًا: تعيين كادر متخصص من أصحاب الخبرة من خارج السلطنة، يغطي التخصصات العلمية الرئيسية في التربية الخاصة، الممارسين العمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
خامسًا: وضع وتطبيق نظم تشخيص دقيق لتحديد نوع الإعاقة ومداها للإعاقات التي تتعامل معها الجمعية، وذلك بالتنسيق مع وزارة الصحة وجامعة السلطان قابوس، ومراكز خليجية وعربية متخصصة.
سادسًا: وضع مناهج متخصصة للتعليم والتدريب والتأهيل تتوافق مع كل أنواع الإعاقة التي تتعامل معها الجمعية وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في السلطنة ومن خلال خبراء وذوي اختصاص داخل وخارج السلطنة.
سابعًا: البدء بتنفيذ برامج دمج بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم حقق نجاحات كانت نموذج لبرامج أكثر توسعًا.
ثامنًا: تنفيذ برامج الدمج المجتمعي بإقامة المسابقات الرياضية، والأنشطة الترفيهية والتمثيل والموسيقى وغيرها من الأنشطة، وقد حقق أطفال الجمعية نجاحات على المستوى الداخلي والخارجي، وحصل أطفال الجمعية على مجموعة من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية.
تاسعًا: أولت الجمعية اهتمامًا خاصًا بالنواحي الصحية لأطفالها، بتوفير الرعاية الصحية لهم بالتنسيق مع وزارة الصحة، إلى جانب توفير وجبة إفطار صحية للأطفال، وفق معايير يحددها خبراء التغذية.
عاشرًا: توفير خدمة النقل للأطفال من منازلهم للجمعية والعكس، إلى جانب محاولة توفير الأجهزة التعويضية لمن يحتاجها من الأطفال.
أحد عشر: توفير الرعاية الأسرية لأولياء امور الأطفال المعاقين بتوفير برامج تثقيف ورفع مستوى تعامل الأسرة والمجتمع مع الطفل المعاق، وتنفيذ برامج الإرشاد الأسري مع أولياء الأمور في المنازل.
إثنى عشر: المشاركات الداخلية والخارجية في المؤتمرات والندوات وورش العمل والبحوث والأنشطة ذات العلاقة بخدمات الإعاقة وحقوق الطفل، والمعاق، والقوانين المرتبطة بذلك.
ثلاثة عشر: إنشاء مركز للتدريب والتأهيل شيد وفق الاحتياجات التدريبة ونفذت به سلسلة من الدورات التدريبية.
ومع مرور الأيام والأحداث أصبح للجمعية أسم وسمعة طيبه على المستوى المحلي والخليجي والعربي، وحصدت الجمعية جوائز في مقدمتها جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي وجوائز على المستوى الخليجي رغم كل المعوقات التي واجهت الجمعية.
وسار العمل في الجمعية ضمن نظامها الأساسي على أساس العمل التطوعي الخيري من أبناء المجتمع، ودعم مؤسسة سعود بهوان الخيرية بشكل أساسي، ودعم القطاع الخاص، والمجتمع المدني، إلى جانب الإيرادات التي كانت تحققها الجمعية من خلال الأنشطة والفعاليات التي كانت تقوم به.
وتقديرًا من الجمعية لجهود بعض العاملات فيها كانت تصرف لهن مكافأة تشجيعية، يتولى صرفها مؤسسة سعود بهوان الخيرية، الى جانب صرف إكراميات وعيديات متى ما سمحت الميزانية بذلك.
ويدير الجمعية مجلس إدارة يتم انتخابه كل عامين بموجب قانون الجمعيات الأهلية، وكانت الجمعية العمومية للجمعية تتشكل من المتطوعات العاملات بالجمعية وكن يشكلن النسبة الأعظم ( أكثر من 80%) من أعضاء الجمعية العمومية للجمعية (مقابل اشتراك سنوي رمزي تم إعفاؤهن من السداد بموجب قرار صادر من الجمعية العمومية)، وكان أولياء أمور الأطفال المعاقين يشكلون أقل من 5% من إجمالي أعضاء الجمعية العمومية.
وكانت أمور الجمعية منتظمة دون أي مشاكل حقيقة وكان النجاح ما بعده نجاح عنوان الجمعية خلال تلك المرحلة.
ونشير في هذا السياق إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية الموقرة كانت تدير خلال تلك الفترة نحو 25 مركزًا من مراكز الوفاء الاجتماعي، وكانت هذه المراكز تؤدي نفس المهام التي تؤديها مراكز الجمعية العشرة، مع فارق أن الجمعية كانت تُدار من قبل مجلس إدارة يتم انتخاب أعضائه من قبل الجمعية العمومية، بينما كانت مراكز الوفاء الاجتماعي تُدار من قبل مجلس مكون من مكتب سعادة والي المنطقة وممثلين من عدد من الدوائر الحكومية ذات العلاقة بخدمات المعوقين بالولاية، وتشرف عليها دائرة تابعة للوزارة.
وكان تمويل مراكز الوفاء الاجتماعي يتم بذات آليات تمويل جمعية الأطفال ذوي الإعاقة.
وفي عام 2011، بدأت الجمعية تواجه مشاكل حقيقة مع المتطوعات العاملات فيها ومرد هذه المشاكل أن وزارة التنمية الاجتماعية قامت بتحويل مراكز الوفاء الاجتماعي إلى مراكز حكومية وبتمويل حكومي وتم تحويل العاملين في تلك المراكز إلى موظفات حكوميات يطبق عليهن قانون الخدمة المدنية بكل امتيازاته.
غير أن القرار لم يشمل العاملات في مراكز جمعية الأطفال ذوي الإعاقة، رغم أن العمل الذي تقوم به هذه المراكز، وقانون إنشائها، وشروط العضوية فيها، وآليات تمويلها، والجهة التي نفذت منشآتها هي ذاتها في مراكز الوفاء الاجتماعي، ولست هنا بصدد تشخيص الأسباب، لكنها بكل تأكيد كانت صادرة من جهة التنفيذ.
أعتقد أن عدم المساواة بين العاملات في مراكز الوفاء الاجتماعي وبين العاملات في مراكز جمعية الأطفال ذوي الإعاقة، خلق حالة من عدم الرضا لدى العاملات بالجمعية، وبات هذا الأمر يشكل قوة ضاغطة على مجلس إدارة الجمعية وعلى سير العمل في الجمعية وعلى جودة الخدمات التي تقدمها الجمعية للأطفال المعوقين وبرامجها التنفيذية واستمرار العمل.
وبعد جهود، قررت الحكومة صرف منحة سنوية للجمعية قدرها نصف مليون ريال عماني. وقامت الجهة المعنية بوضع ضوابط وشروط على تلك المنحة بعد أن اقتطعت منها 50 ألف ريال عماني لأنشطة أخرى تقوم بها، ومن ضمن الشروط التي وضعت على الجمعية: توقيع عقود مع العاملات في الجمعية، وأن يكون الحد الأدنى للمرتبات 325 ريالًا عمانيًا شهريًا، وبشكل تصاعدي يأخذ سنوات خدمة العاملة في الاعتبار، وأن يكون هناك تأمين اجتماعي للعاملات مقابل رسوم شهرية تسددها الجمعية لهيئة التأمينات الاجتماعية، وأن تقوم الجمعية بتعيين عدد من الأخصائيين، إضافة إلى شروط أخرى.
حاولت الجمعية بما حققته من مدخرات عبر السنوات من تشغيل الجمعية، مع ملاحظة بداية تآكل تلك المدخرات.
والشيء الجديد الذي برز على السطح هو استغلال البعض للمتطوعات (العاملات) في الجمعية لأغراض انتخابية، رغم تأكيدنا للجهات المعنية بأنه لم يعد من الصحيح في ظل الظروف الجديدة، وجود العاملات عضوات في الجمعية العمومية، لأنهن يشكلن الأغلبية المطلقة، وبات وجودهن في الجمعية العمومية يخلق التزاحم على الموارد المالية المحدودة للجمعية بين طلبات العاملات في الجمعية وبين احتياجات تطوير العمل لخدمة الأطفال المعاقين- الذين أوجدت الجمعية ومن فيها لخدمتهم- حتى وصل الأمر إلى المطالبة بإنهاء خدمات بعض الأخصائيين الوافدين للوفاء بامتيازات العاملات بالجمعية.
ومع ظهور جائحة كورونا وتآكل مدخرات الجمعية وتراجع مساهمات وتبرعات القطاع الخاص وضغوط هيئة التأمينات الاجتماعية بسداد المتأخرات، واجه مجلس الإدارة مشكلة مالية كبيرة، انتهت إلى تصريح أحد المسؤولين في الجهة الرسمية المعنية بأن توقيع الجمعية عقود عمل مع متطوعات لم يكن بالشيء الصحيح في جمعية أهلية خيرية، وأن على الجمعية أن تعود الى نظامها الأساسي، وأمام هذه المغالطة الكبيرة، قمت شخصيًا- رغم كوني خارج مجلس إدارة الجمعية- بالرد عليه في ذات القناة الإعلامية وأخبرته أن القرار والعقود والإصرار كان من الجهة التي يعمل هو فيها، ولم يكن قرار مجلس إدارة الجمعية، وانتهى الأمر إلى إنهاء خدمات العاملات بالجمعية وتسجليهن تحت بند باحثات عن العمل، وتم قبول من ترغب منهن العمل بالجمعية كمتطوعة!
وهنا أود طرح بعض النقاط:
أن “جمعية الأطفال ذوي الإعاقة” تقدم خدمات التعليم للمراحل التأسيسية التعليمية الأولى للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأن النظام الأساسي للدولة كفل الخدمة التعليمية للمواطن العماني، حيث جاء في الفصل الرابع (المبادئ الثقافية)، المادة (16) من النظام الأساسي للدولة: “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية، …”، و”التعليم إلزامي حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي”. كما يشير الفصل الثالث من النظام الأساسي للدولة (المبادئ الاجتماعية)، المادة (15): “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع، تكفلها الدولة “، و”تكفل الدولة للمواطنين خدمات التأمين الاجتماعي، كما تكفل لهم المعونة في حالات الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وذلك على النحو الذي يبينه القانون).
لا يمكن تنفيذ عمليات تعليم منتظم قائم على منهج علمي وفصول دراسية، واختبار واجتياز على تبرعات ومنح غير مضمونه ومكفولة.
من الإنصاف أن تُعامل الموظفات بجمعية الأطفال ذوي الإعاقة معاملة موظفات مراكز الوفاء الاجتماعي.
نجحنا في عُمان في بناء قطاع أهلي متين ساهم- وما زال- بشكل كبير مع حكومتنا الرشيدة في تحمل أعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن الواجب الوطني يفرض علينا أن نحافظ على هذا المكتسب الوطني، وننمي هذا الدور والحس الوطني في الخدمة العامة التطوعية.
ليس من الحكمة أن نحمِّل الدولة نفقات مالية إضافية في الوقت الذي تسعى فيه الدولة الى ضبط النفقات وبما يحقق الرشاد في الإنفاق.
وفي إطار تلك الرؤية والمرتكزات ومن خلال تجربتي الشخصية في العمل الأهلي التطوعي أضع المقترحات التالية:
فصل عمليه التعليم عن عمليات التمويل في الجمعيات الأهلية (الخيرية غير الربحية) التي تتولى عمليات التعليم الممنهج المعتمد من وزارة التربية والتعليم، ووزارة التنمية الاجتماعية.
إنشاء صندوق لخدمات المعاقين (أو تعليم المعاقين) توضع في الصندوق: مساهمات الحكومة للجمعيات الأهلية ذات العلاقة في الوقت الحاضر، والدعم الذي تحصل عليه الجمعيات الأهلية التعليمة من المؤسسات الخيرية (مثالها مؤسسة الشيخ سعود بهوان الخيرية)، التبرعات التي تحصل عليها الجمعيات من الشركات والأفراد، إيرادات التي تحصل عليها الجمعيات من خلال الأنشطة والبرامج التي تقوم بها، والعمل على توحيد تلك البرامج وإعطائها الصبغة الجماعية، التبرعات والمعونات الخارجية التي تعتمدها الحكومة.
يكون للصندوق نظام تعين خاص به للعاملات والعاملين بمراكز التأهيل التابع للجمعيات الأهلية الخيرية، بحيث يضمن الحد الأدنى من الأجور والامتيازات للمسجلين بالصندوق ومنها حق التأمين الاجتماعي.
إعادة النظر في تشكيل مجالس إدارة الجمعيات الأهلية العاملة في مجال خدمات الأطفال المعاقين، وبما يضمن الشفافية، والكفاءة، والخبرة، والمدة المعقولة.
وختامًا.. في الوقت الذي أسجل فيه هذه المقترحات، أضع نفسي تحت تصرف أي جهة رسمية تحاول أن تضع هذه الأفكار موضع التنفيذ.