بالرغم من الاجراءات التي تتخذها الحكومات والمؤسسات المعنية في مكافحة عمليات غسل الاموال التي يشهدها العالم سنويا، إلا انها تفشل في تحقيق ذلك أحيانا بسبب تعاون بعض الشخصيات والمؤسسات الداخلية التي تقع عليها القيام بواجبها في مكافحة هذا الأمر.
والمعروف أن عمليات الاموال هدفها إعطاء وإضفاء الشرعية على العوائد المالية غير الشرعية التي تحققها المؤسسات والشركات والافراد سنوياً من جراء الجرائم المالية المختلفة. فتعمل تلك المؤسسات والأفراد على تسريب تلك العوائد والأموال التي تركن أحيانا على شكل ودائع في بعض البنوك والمؤسسات المصرفية وإدخالها في المعاملات الاقتصادية والتجارية والعقارية وغيرها من القطاعات بهدف إخفاء مصادرها غير المشروعة.
وتهتم مجموعة العمل الدولية (FATF) بقضايا غسيل الأموال، حيث تشارك في عضويتها الكثير من البنوك المركزية العالمية للوقوف ومتابعة آخر التطورات التي تحدث في مجال غسل الاموال التي في تقع ببعض المؤسسات المصرفية والمالية، والتي تعمل في الوقت نفسه على إخفاء مصادر تلك الأموال غير المشروعة، وإضفاء الصفة الشرعية على مكاسبها غير المشروعة سواء تلك التي ترتكب ضد البشر أو من مبيعات الأسلحة وعمليات الارهاب ومن بيع المخدرات وممارسة الدعارة ومن عمليات الخطف والاختلاسات المالية والفساد والسرقات وغيرها من الطرق غير الشرعية الأخرى.
وبهدف تعزيز العمل في مكافحة طرق غسل الأموال وحماية المؤسسات على مستوى الدول العربية، تعمل بعض المؤسسات العربية ومنها المجمع الدولي العربي للمحاسبين القانونيين وطلال ابوغزاله العالمية في إصدار أدلة في هذا الشأن، حيث صدر عنهما دليل حديث للعاملين في مجالات التدقيق والمحاسبة والاستشارات الضريبية والائتمان حيث يمكّن الدليل العاملين في تلك المجالات وخاصة المحاسبين للامتثال والالتزام والعمل بالقوانين والتشريعات في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومنع تلك العمليات والتعرف عليها والإبلاغ عنها.
إن قيمة عمليات غسل الاموال تتزايد سنويا بالرغم من الاجراءات المتخذة، وقد أدى ذلك إلى قيام بعض المؤسسات الدولية باتهام عدد من الدول سواء في المنطقة الخليجية أوالعربية أو على المستوى العالمي بأنها تشارك في تسهيل مهام غاسلي الأموال. وفي الوقت نفسه لا توجد هناك إحصاءات دقيقة عن المبالغ المتسربة في الاقتصادات المحلية التي تخضع لعمليات غسيل على مستوى العالم، إلا أن بعض بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2021 قدرّت على ان تلك الأموال تتراوح من 2 إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي نحو 800 مليار دولار أمريكي.
التركيز في هذا الشأن يقع على المحاسبين في المقام الأول حيث أنهم يدققون في هذه المعاملات، كما يقع على الجهات المعنية في الإدارات الأمنية والشرطة والبنوك المركزية وعلى التدابير التي تتخذها مجموعة “فاتف” في هذا الشأن.
فهؤلاء الاشخاص العاملون في تلك الاقسام تتاح لهم فرصة التعامل مع غاسلي الأموال والتدقيق معهم في الأموال غير المشروعة، إلا أنهم قد يتجاهلوا الاستمرار في التدقيق المطلوب ويتخذوا منحى آخر في إخفاء المعاملات غير المشروعة مقابل تقديم بعض المزايا والأموال للعاملين في تلك الاقسام المحاسبية المهمة. ومن هذا المنطلق يحتوي الدليل على التصرفات التي يجب على المحاسبين القيام بها والتنبه لها في كشف تلك العمليات غير المشروعة لردع واكتشاف تلك الجرائم.