قبل أكثر من عام كنت في رحلة بحرية مع قناة العربية التي أتت للعمل على تقرير يتناول مدينة مسقط وبالأخص ناحية قلعة مطرح وقصر العلم وبندر الخيران.
هناك التقيت بشاب عماني اسمه هاني الكندي لافت بطموحاته وأفكاره التي توافقت مع أصحاب الشركة الأهلية التي يعمل فيها، وكنا نتحدث عن جمال ومقومات مسقط الرائعة التي يجب أن يتم استثمارها أكثر من أي وقت مضى.
فمسقط كانت عبر التاريخ الملهمة للكثير من الرحالة، بل أن أشهر اللوحات التي تم رسمها لمسقط أصبحت ذات شهرة عالمية لأبرز الفنانين الذين قدموا إلى عُمان منذ عدة قرون، فقد كانت ميناء تجاريا حيويا، كما شهدت استعمارا برتغاليا استمر لأكثر من قرن نتيجة عدم وجود جيوش منظمة وقيادة واحدة تجمع أهل عُمان حينها حتى أتى عام 1624م والذي تغير فيه كل شيء بقيام دولة اليعاربة التي طهّرت البلاد والخليج والهند وأفريقيا من الاستعمار البرتغالي، وبقت في مسقط قلاعها المشهورة شاهدة على تلك الحقبة.
فاجأني هاني بأجمل خبر حينما قال بأنهم قريبا وكشركة عمانية سيستثمرون قلعة مطرح بعد أن انتصروا في معركة المناقصات الخاصة بوزارة التراث والسياحة، وللأمانة هذا التوجه الحكومي لاستثمار القلاع من قبل الشركات الأهلية لأمر إيجابي يستحق التقدير.
أخبرني عن مخططاتهم في ذلك الاستثمار قبل بدايته، ونيتهم الجادة في أن يحولوا قلعة مطرح إلى أبرز معلم يستقطب الزائرين بفعاليات عميقة تحتضن إبداعات شبابنا، ليصبح المكان هو الأفضل للعديد من الفعاليات التي ينتفع منها شبابنا وبالتالي ينعكس ذلك على المردود الرمزي لدخول القلعة فهو لا يكلفك سوى ريال عماني واحد كبالغ، وأضاف بأنهم قريبا سيعملون على إيجاد مصعد كهربائي ليستطيع الجميع الصعود إلى هناك، والأجمل أنه بشرني بأن البيت القديم أو الكبير المحاذي للقلعة سيتم تحويله إلى نزل تراثي بديع وبأن القادم سيصبح أجمل بكثير من أي يوم مضى.
في بداية الأمر خشيت أن يصبح هذا الحديث مجرد أحلام لا نراه على أرض الواقع فقد اعتدت ألا أمجد أي حديث مسبق إلا إذا رأيته فعليا حسب الوعد كي لا أنصدم بالخيبة إن كان العكس.
أتعلمون ما المدهش؟!
حينما فعليا تم افتتاح قلعة مطرح اليوم بإدارة هذا الشاب ومجموعته وهذه الشركة المسماة شركة قلعة مطرح وجدت كل وعد وكلمة تم ترجمتها على أرض الواقع، بل والأعظم من هذه الدهشة أن تجد أن كل كلمة كان يخبرني بها كمدير تنفيذي للمكان قبل أكثر من عام طبقها اليوم كخطة عمل لم يتراجع عنها بتاتا بجهد وصل به الليل بالنهار.
فماذا تجد اليوم في قلعة مطرح؟!
فعاليات أسبوعية منوعة للغاية ومتجددة ما بين الفنون البصرية والسمعية لشباب عمانيين مبدعين، واستضافة المعارض التي تحكي عمق حضارة أهل عُمان كاستضافتهم لشركة عمانية عالمية في مجال العطور لتدشن هويتها الجديدة في قلب قلعة مطرح بحفل بهيج كان كألف ليلة وليلة، فرائحة العطور امتزجت كثيرا بجنبات القلعة العتيقة وتطايرت نسماتها كالندى نحو البحر.
ولم يكتفوا بذلك بل نفذوا الوعد الذي كان قبل عام بافتتاح قهوة مختصة بالقلعة ليستطيع الزائر أن يتناول مشروباته في أرجائها.
سأكتفي هنا بهذا القدر من التفاصيل، ولكنني أحببت أن أقول إن العماني يملك قوة إرادة وجودة عمل يجب أن تقدر وتحترم وتعطى الفرصة، فمثال هاني، هناك الكثير من العمانيين يستطيعون بجدارة خلق الدهشة بالمكان كاستثمار ثقافي يدخل من ضمن الصناعات الإبداعية في مجال تذيل التراث والثقافة اقتصاديا.
كم أتمنى فعلا أن أرى أغلب قلاع عُمان مستثمرة هكذا بكل قوة من قبل الأهالي، فقلعة الرستاق وصحار وصور ونخل وجبرين وبهلا ومرباط وغيرها من القلاع ما زالت كالعملاق الذي يغط للآن في سبات!
وكمثال سأخبركم أمرا، لقد كنت في الخابورة قبل عدة أسابيع، وذهبت إلى حصن الخابورة المطل على البحر مباشرة، صدقوني ما وجدته هناك كان مذهلا للغاية لقلعة مهجورة دون أي استثمار يذكر، بل أن السوق المحاذي لها كذلك مهجور دون أي تطوير، فكنت أتخيل تماما أن تقوم شركة أهلية باقتحام أسوار القلعة من خلال استثمار رائع ليتم افتتاحها حتى العاشرة مساء، وبساحتها تقام الفعاليات المختلفة وبالتالي احتضان إبداعات شباب الولاية وإفادة الأسر المنتجة، وتحويل المكان إلى مركز سياحي للمدينة يملك أفضل المقومات، أتخيل أن أشرب قهوتي هناك على أسوار تلك القلعة كالحادث في قلعة مطرح، لأنني متيقن تماما بأن القهوة إن تمت إضافتها في أي معلم تراثي سياحي تجعله أجمل وأروع وتستقطب الكثير من الزوار، فالمشهد الأجمل يكتمل دوما بوجود كل هذه العناصر بالموقع، فعاليات وقهوة وأسر منتجة وفنون مختلفة تعج بالمكان وقت الإجازات!
هي الأحلام التي يجب أن أكتبها، وعلينا حقا أن نكتب أفكارنا جميعا وننشرها في كل مكان لعلها تجد الطريق المناسب للتنفيذ في زحام كل هذه الآمال.