تعرضت فعاليات “مُنتدى الرؤية الاقتصادي” في دورته الثانية عشرة إلى طرح موضوع مهم ألا وهو عنوان “اقتصاد العمل الحر” الذي تتطلع إليه الكثير من شعوب العالم؛ حيث هناك اليوم دول تعمل نسبة 80% من شعوبها في الأعمال الحرة لدعم اقتصاداتها المحلية.
ومصطلح العمل الحر أصبح متداولًا في المجتمع العماني منذ أكثر من عقدين، بالرغم من أن الكثيرين من الأشخاص لا يعرفون معناه الدقيق؛ الأمر الذي دفع جريدة “الرؤية” التي تُواكب هذه القضايا، إلى تخصيص موضوع المنتدى لهذا العام لمُناقشة هذا المجال، بهدف تسليط الضوء عليه، وتعزيز الوعي بثقافة “العمل الحر” من أجل تشجيع الشباب العماني على إدارة المؤسسات والمشاريع وفق إمكاناتهم المادية والمعنوية وقدراتهم ومهنهم التي يمتلكونها. ويأتي تنظيم هذه الفعالية امتثالًا للتوجيهات السامية والعمل على مساعدة المواطنين للالتحاق بكافة الأعمال وتوعيتهم بثقافة العمل الحر التي تسود في المجتمعات العالمية، خاصة وأن هناك آلاف من العمانيين يبحثون عن فرص عمل مجدية، في الوقت الذي تعمل فيه الجهات المعنية على تسهيل أمورهم وإجراءاتهم وتقليل الخطوات التي تتطلبها هذه الممارسات التجارية للعمل بها سواءً من البيت أو المقهى أو الحديقة أو من أي مكان آخر، بالإضافة إلى تقديم حزم التحفيز والتمويل اللازم لنمو هذه المشروعات. وهذه الإجراءات سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز مبادئ التنويع الاقتصادي التي نعمل عليها في الرؤية المستقبلية “عُمان 2040″، وتعزيز الشراكة مع مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة.
لا شك أن الأعمال في القطاعات الخاصة والأعمال الحرة تعتمد على الفهم والكفاءة والإنتاجية، وبالتالي تتطلب سرعة كبيرة لتحقيق وإنجاز أي عمل أو تقديم أية خدمة؛ ففي الأعمال الحرة سوف تظل فرص العمل متاحة دائمًا؛ الأمر الذي يتطلب منّا بناء الكفاءات حسب الاحتياجات وحسب التخطيط، فيما يتطلب من المؤسسات التعليمية أن تكون مخرجاتها مواكبةً في هذا الشأن، وهذا ما أكد عليه سعادة السيد سالم بن مسلم البوسعيدي وكيل وزارة العمل للتنمية البشرية في كلمته بالمنتدى، مشيرًا إلى ضرورة توفير 3 عوامل في تلك الأعمال؛ وهي: الالتزام بالعمل، والمعرفة، والمهارة اللازمة. وهذا ما تعكف عليه وزارة العمل والمؤسسات التعليمية لمواكبة الطموحات المطلوبة ليتأقلم كل شخص مع الأعمال المتغيرة في عالم اليوم التي تتغير فيها الاحتياجات على مستوى أفراد المجتمعات.
“العمل الحر” في نظر الجميع يحتاج إلى إطلاق حملة لتغيير الثقافة المتعلقة به على جميع المستويات، بهدف غرسها بصورة جيدة عبر التسويق والترويج لهذه الثقافة، وكذلك من خلال إجراء أبحاث وإيجاد تعاون بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بحيث يمكن من خلاله تشجيع الشباب العماني على الاستمرار في هذا النموذج من العمل.
اليوم يمكن للجميع أن يحصل على السلعة والخدمة خارج حدوده وفي سرعة كبيرة وبجودة عالية دون أن يتوجه إلى تلك الدولة لإحضارها بنفسه. ويؤكد سعادة وكيل وزارة العمل للتنمية البشرية أن الوزارة تحاول أن تكون شريكة مع مجموعة من الوزارات ومؤسسات المجتمع المدني بتنظيم الأعمال التي تهم تخصصاتها مثلما هو متبع بين البنك المركزي العماني والمؤسسات المصرفية والمالية من خلال تأهيل الكوادر والكفاءات عبر كلية الدراسات المصرفية والمالية وجمعية المصارف العمانية مع المؤسسات الأخرى، أي تمكينها بإدارة وتنظيم تلك الأعمال والأسواق في كل قطاع.
هناك اليوم ملايين من البشر يمارسون الأعمال الحرةFreelancing ؛ حيث حققوا أرباحًا عبر منصات العمل الحر تقدر بنحو 52 مليار دولار في العام الماضي، فيما بلغ حجم الدخل السنوي من تلك الأعمال 1.2 تريليون دولار. وإذا تساءلنا لماذا يُقدم المرء على العمل الحر، نجد أنه يتميز بمرونة كبيرة وسهولة في التعاقد، وتتوافر به فرص كبيرة سواء على المستوى المحلي أو العالمي، ومن خلاله يمكن للمرء إيجاد توازن بين العمل ومتطلبات الحياة، في الوقت الذي يزيد فيه من مهارته وكفاءته ويتوسع يوميًا من خلال شبكة العلاقات التي ينشؤها في الحياة.
وعلى المستوى الاقتصادي فإن العمل الحر يتميز بزيادة الإنتاجية، ويقلل من التكاليف والعمالة، بجانب استفادته من خبرات متنوعة ومرونته في التعاقد مع العاملين فيما تكون مساهمته كبيرة في إجمالي الناتج المحلي. ومقابل ذلك يحتاج العمل الحر إلى الدعم من خلال تسجيل وترخيص تجاري بسيط، والإعفاء من ضرائب الدخل التي تثقل كاهل المنخرطين في ذلك، بالإضافة إلى توفير الحماية الاجتماعية ودعم العاملين بها وتزويدهم بالعقود وبطاقة الريادة وتسهيلات مصرفية وتعزيز أعمالهم بالربط الإلكتروني والمحاسبي. ووفق ما أشار إليه الأستاذ عباس بن علي آل حميد الخبير في مجال التنمية البشرية فإن 85 مليون وظيفة سيُزيحها التحول في تقسيم العمل بين البشر والآلات، لكن في مقابل ذلك ستعمل على إيجاد 97 مليون وظيفة جديدة ستكون أكثر تكيفًا للعمل في التقسيمات الجديدة في العمل.
إنَّ النقاش في محور “العمل الحُر” لن يتوقف؛ لأن هناك الكثير من المسارات يمكن أن يحققها المرء من خلال ذلك على أرض الواقع، إلّا أن هناك أيضًا تحديات وصعوبات بالإمكان حلها بعقلانية وكفاءة، وسيكون مردودها التنموي والاقتصادي كبيرًا على جميع المستويات، وهو ما يتطلب من الجميع التفكير خارج الصندوق لمواكبة ذلك.