بالرغم من انتشار الخدمات المالية العديدة في العالم خلال العقود الخمسة الماضية، إلا أن هناك حوالي 1.4 مليار شخص بالغ بدون حسابات مصرفية حتى منتصف عام 2022 وفق بيانات البنك الدولي. فهذه الخدمات المالية تلعب دوراً كبيراً في تعزيز وانتشار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتسهّل حياة أفضل للعيش، ذلك نتيجة قيام العمالة الأجنبية في العالم بتحويل مدخراتهم وأموالهم إلى ذويهم. وهذا ما يجعل الإقبال على الخدمات المالية والمصرفية في تزايد بشكل كبير، حيث يمكن اليوم لحوالي 76 ٪ من البالغين الوصول إلى حسابات مصرفية على مستوى العالم مقارنة بنحو 51 % قبل عقد من الزمن.
وقد ازدهرت هذه الخدمات في المنطقة الخليجية التي يقطنها أكثر من 150 جنسية من مختلف دول العالم وبدعم من البنوك المركزية الخليجية، فيما نجد أن بعض الجنسيات تمكنت من خلال هذه الوسائل من الاستيلاء على مكامن التجارة والبيع والشراء وفي إدارة وتشغيل القطاعات الاقتصادية الكبيرة وتحويل الأموال إلى الخارج.
ورغم أن العالم يمر اليوم بأزمات اقتصادية وجيوسياسية عديدة بجانب الصراع على الاقتصاد العالمي بسبب قضايا التضخم وتراجع قيمة العملات المحلية لعدد من الدول بسبب الديون ومشاكل وقيود سلسلة التوريدات، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والبطالة، فإن الحلول المالية الجديدة للدفع تساعد الكثير من الأسواق الناشئة في الحصول على المليارات من الدولارات وتكوين رؤوس أموال جديدة لاستخدامها في مختلف الأغراض التي تهم التنمية، والحصول على المواد الضرورية للحياة، والاستمرار في الإنتاجية وفي توفير آلاف فرص العمل للعاطلين. ولقد لاحطنا تأثير قلة التحويلات المالية من المدفوعات النقدية خلال انتشار جائحة “كوفيد 19″، إلا أنه في ظل وجود وسائل التحويلات الرقيمة والتحويلات المالية الجديدة، فقد تم سدّ هذا الجانب من التأثيرات السلبية، حيث تمكنت التكنولوجيا المالية من تزويد المستهلكين بمجموعة متنوعة من خيارات الدفع وفق ما أشار إليه تقرير أكسفورد بيزنس جروب مؤخراً.
ومن العوامل التي تساعد على استمرار الخدمات المالية والمصرفية الجديدة هي الاستمرار في النمو السكاني العالمي وخاصة بين الشباب الذين يمكن لهم الإبداع والبراعة في الأعمال التكنولوجية، وتحديث الخدمات المالية والمصرفية العالمية التي يمكن لها اجتذاب الأسواق الناشئة ودعمها باستثمارات كبيرة سواء في الأسواق الآسيوية أو الأفريقية التي بدأت في الاستحواذ على التمويلات لمختلف القطاعات الاقتصادية.
كما ساعدت طرق التسويق الحديثة في نمّو التحويلات المالية من خلال سياسات تجارية بشراء المنتجات والدفع لاحقا، الأمر الذي يساعد على توسيع الشمول المالي في العالم وزيادة عدد المستهلكين وتعزيز رؤوس الأموال للمؤسسات. وما يساعد اليوم في تحقيق هذه المنظومة وجود الهواتف النقالة التي يمكن من خلالها القيام بعمليات المدفوعات الرقمية التي شهدت طفرة كبيرة، بجانب الاعتماد عليها من قبل شعوب آسيوية وأفريقية أخرى في جميع المدن والمناطق الريفية منها. فمن خلال تلك الأجهزة يمكن للمستخدمين بشكل عام إجراء المدفوعات وتخزين الأموال واستلامها وإصدار الإيصالات عبر هواتفهم المحمولة، وإجراء التحويلات المالية خاصة في المناطق التي لا يوجد فيها المصارف ومكاتب الخدمات المالية.
ورغم هذه الإيجابيات، فعلى المؤسسات الرسمية والبنوك المركزية ضرورة مراقبة هذه الأنشطة المالية وعدم ترك الحبل على الغارب، بحيث لا تؤدي إلى زيادة عمليات غسل الأموال في العالم.