Image Not Found

مسير وادي الخوير – قريات

أمامة بنت مصطفى اللواتية

في عمق تلك الطبيعة القاسية يتبدى جلال المكان وتدهشك تلك المساحات الضئيلة من الهدوء والعزلة والجمال .
بداية هذا المسار كانت نزولا حذرا من كتف الشارع العام إلى عمق وادي “حلور” (طريق قريات-صور، بعد مركز الدفاع المدني بقريات بمسافة بسيطة) ومن ثم العبور من تحت الجسر إلى الجهة الأخرى لنبدأ المشي في وادي منبسط ومستوى إلى حد ما، وهو سيرٌ ممل قليلا خاصة وأن الشمس كانت لنا بالمرصاد.
ولكن ما إن اقتربنا من هدفنا حتى تبدى لنا جمال خور “الخوير” الذي يشق جبال الوادي من اليمين واليسار لمسافة 600 متر تقريبا. تتسلل إلى الوادي مياه البحر المالح وتقطر من حواف جباله مياه عذبة تشكل ينابيع صغيرة جدا، يكتمل المشهد الغرائبي بعزلته وأشجار القرم المتناثرة فيه وأصوات الطبيعة البكر. استمتعنا بالتصوير والاستلقاء والتأمل على أغصان أشجار القرم الودودة فيما نتابع الأسماك الصغيرة التي تسبح عند أطراف أقدامنا في مياه الخور. يقع الوادي بين قريتي ضباب ودغمر ولا يمكن الوصول إليه إلا مشيا كما فعلنا أو بالقارب. قضينا الكثير من الوقت ونحن نصور ونتأمل ونتوقف ونتحدث.
حين وصلنا للخور لاحظنا بقايا لآثار تخييم بعض الشباب الذين ربما قضوا ليلة بديعة وساحرة في هذا المكان بين سَمرٍ وماء وسمك اصطادوه وتم شيّه بمهارة، حيث ما زالت بقايا الدخان منبعثة من المكان. ويبدو أن هؤلاء الفتية عاشقون للنزهات. بجوار النار التي كانت تؤنسهم ليلة البارحة وجدنا ما يشبه مقاعد الحدائق العامة (بلا ظهر) مصنوعة بجمال وسرعة من الأغصان، وإلى جوارها شجرة علّقت فيها علبة ورقية لتوابل السمك، وقدِر طعام متواضع و اسفنجة تنظيف بالية.
أما طريق العودة فقد عدنا ادراجنا قليلا (1.7 كم) من نفس المسار ثم انحرفنا يمينا عبر الجبل بارتفاع 112 مترا (حيث قمتُ بالتقاط الصورة المرفقة للخور من بعيد) ، ثم بدأنا بالمشي على تل منبسط حتى أشرفنا على البحر.
وأثاء ذلك ومن حين لآخر تدغدغنا رائحة مميزة وكأنها خليط من رائحة اللبان ونباتات عطرية كانت تنبعث من أغصان جافة لشجيرات برية نزعت عنها كل أوراقها، ولم نهتدي لاسم هذه الشجيرة المميزة.
بقينا نمشي على الجرف الصخري، فيما غزال شارد يهرب بحثا عن مخبأ، ثم أدركنا شقا هائل تتدفق منه مياه البحر، مما جعلنا نلتف قليلا ونعبر للجهة الأخرى في نهاية الشق ، وهكذا بقينا نمشي مع شمس مواربة وهواء عليل وبحر يؤازر خطواتنا وجوعا يشتد مع اقترابنا من الساعة الثالثة ظهرا ، حتى وصولنا لقرية حاجر دغمر ، وهناك شاهدنا عيون الماء التي تنبع من وسط جبال الحاجر بعد تراجع البحر بشكل كبير وهو ما تقل مشاهدته. استرحنا قليلا على رمال البحر الناعمة، وغسلنا أقدامنا المتعبة في مياه البحر الصافية، وكاد النوم يغلبنا ونحن نستريح على الرمال والجبل يلقي علينا بظلاله الحنونة وكأن الشدة والصلابة التي نالتنا قبلا ليست من صفاته.
في نهاية المطاف ومسك الختام كالعادة مع عيوش ومطعم شعبي وقفلنا راجعين بعدها شاكرين المولى على جمال ما أبصرنا وجمال ما مُنحنا وجمال ما أحسسنا وجمال الرفقة معنا.
المسافة الإجمالية : 16 كيلو
الرحلة بقيادة وتنظيم الأخ عمر السناني، فريق قريات للمسير الحر

كل الشكر للجميلة أ م نواف على كمية الصور الشخصية التي التقطتها لي.