سرطان الثدي الأكثر شيوعا يليه الغدة الدرقية ثم القولون –
علاجاته في تقدم مستمر والمتعافون منه إلى ازدياد –
التشخيص المبكر يمنح فرصا أفضل لتفاعل العلاجات والشفاء –
جهاز يمكنه تتبع الورم وتقليل المضاعفات بمركز السلطان قابوس للسرطان –
«عمان»: يطلق مصطلح «السرطان» على مجموعة الأمراض التي تتميز بنمو وتكاثر غير طبيعي للخلايا، والتي تؤدي إلى تدمير الخلايا السليمة الأخرى في الجسم، وللخلايا السرطانية القدرة على التكاثر والانتقال من عضو إلى آخر في جسم الإنسان، ولا يَخفى على أحد وقع مرض السرطان وأثره على الناس، مما دفع محاربي الصفوف الأولى من أصحاب المعطف الأبيض إلى التعاون مع الباحثين العلميين إلى سبر أغواره عبر توجيه دفة البحث العلمي إليه وإيجاد الحلول الجذرية له أو الحد من آثاره، وبحسب منظمة الصحة العالمية تم تشخيص ما يقدّر بنحو «20» مليون شخص مصاب بالسرطان في عام2021م، فيما تُوفي قرابة 10 ملايين شخص بسببه، ويعد السرطان السبب الرئيسي الثاني للوفاة عالمياً إلا أن البحث العلمي بحسب دورية «إضاءات عملية» ساهم في تحسين طرق الكشف عن السرطان مبكراً وطرق العلاج والوقاية منه، وبحسب مختصين تعد سلطنة عمان الأقل عالميا في انتشار المرض ، وأشارت آخر الإحصائيات التي نشرتها وزارة الصحة لعام 2019م أن إجمالي حالات السرطان بين العمانيين الجديدة والمسجلة وصلت إلى (2089) حالة، ويأتي سرطان الثدي الأكثر شيوعا ثم سرطان الغدة الدرقية والقولون والمستقيم وسرطان المعدة.
ليس مرضا واحدا
وقال الدكتور زاهد بن عبدالله المنذري، رئيس قسم العلاج الإشعاعي بمركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان: السرطان ليس مرضاً واحداً مثل ما يتوقعه البعض بل عدد كبير من الأمراض تتميز بوجود خلايا شاذة تنقسم بطريقة لا يمكن السيطرة عليها ولديها القدرة على التسلل والانتشار وتدمير أنسجة الجسم الطبيعية، مضيفاً: بالرغم من أن السرطان هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة في العالم، إلا أن معدلات الشفاء منه والسيطرة عليه تتحسن بشكلٍ ملحوظ في الآونة الأخيرة لأنواع كثيرة من هذا المرض بفضل التحسينات في طرق الكشف عن السرطان مبكراً وطرق علاجه والوقاية منه ،وكل هذه التحسينات هي نتاج البحوث العلمية، فالبحث العلمي لا يتطرق فقط إلى أسباب السرطان وطرق علاجه بل إلى طرق للوقاية منه.
بينما قالت الدكتورة منى الحبسية باحثة في المناعة والشيخوخة عضوة فريق البحث العلمي للدكتور «توسكو هونغو» الفائز بجائزة نوبل للطب وعلم وظائف الأعضاء في عام 2018م عن اكتشافهم لعلاج مناعي جديد للسرطان: إن السرطان هو مصطلح طبي يشمل مجموعة متنوعة من الأمراض تكون فيها الخلايا المعيبة قد تحايلت على الجهاز المناعي، وانقسمت بما يكفي لتنشئ كتلة من الخلايا غير القادرة على أداء وظائفها وبالتالي تشوش وتمنع العضو من القيام بدوره في الجسم، وتكمن خطورة السرطان الكبرى في قدرة هذه الخلايا على الانتقال إلى أعضاء مختلفة في الجسم لتنشئ مستعمرات سرطانية في أنحاء الجسم، والسرطان حاله كحال العديد من الأمراض يشكّل تحدياً للبشرية والطريقة الوحيدة للقضاء عليه بشتى أنواعه عبر توجيه البحث العلمي، حيث يتفق العلماء على أنه لا يوجد داء على هذه الأرض من غير دواء، وأن السبيل الوحيد للعثور على العلاج هو البحث والتجريب ضمن منهج علمي وأخلاقي.
ويرى الدكتور طه بن محسن اللواتي، استشاري أول جراحة أورام وترميم الثدي بالمستشفى السلطاني أن السرطان أثبت علمياً بأنه عبارة عن تغير خلوي ونمو غير طبيعي غاز للأنسجة المحيطة مما يودي إلى فقدان أعضاء الجسم لوظائفها وإلى الضعف العام والوفاة أحياناً، أما العوامل فهناك عوامل عائلية وجينية لا يمكن تغيرها وأخرى تتعلق بنوعية الحياة والتعرض لعوامل خارجية بيئية مسببة لتغير خلوي يؤدي إلى تسرطن الخلايا، وقد أثبتت الدراسات أن من المواد الكيماوية كالمبيدات والسجائر والتبغ والكحول هي مسببات للسرطنة فمثلا سرطانات المريء والقصبة الهوائية والرئة مرتبط مباشرة مع التبغ المدخن والممضوغ بأنواعه، والتعرض للإشعاع كتسريب تشرنوبيل الذي حصل في القرن الماضي، والتعرض للمخاطر المهنية كالأسبستوس والفحم الحجري والفيروسات كفيروس نقص المناعة المسبب لسركوما كبوسي، ويسبب فيروس التهاب الكبد لسرطان الكبد، ويسبب فيروس البابيلوما لسرطان عنق الرحم، أما التغذية غير الصحية والدهون والمواد الحافظة كالنيتروزامين هي مسبب مباشر للسرطانات وخاصة سرطانات الجهاز الهضمي، وبعض الهرمونات كالأستروجين والبروجسترون.
إحصائيات المرض
وأشار الدكتور طه اللواتي إلى أن آخر الإحصائيات التي نشرتها وزارة الصحة لعام 2019م أن إجمالي حالات السرطان بين العمانيين الجديدة والمسجلة وصلت إلى (2089) حالة، وبين المقيمين (200) حالة، أما من ناحية الأنواع الأكثر شيوعاً فيأتي سرطان الثدي أولا ثم سرطان الغدة الدرقية والقولون والمستقيم وسرطان المعدة.
وذكر الدكتور زاهد المنذري أن عدد الحالات الجديدة تصل قرابة «2000» حالة سنوياً، ويتزايد هذا العدد بسبب ازدياد متوسط العمر، حيث إن احتمالية الإصابة بالسرطان له علاقة طردية بعمر الشخص، ولكن هناك أسباباً أخرى قد تلعب دوراً في هذه الزيادة الملحوظة مثل التغير في نمط الحياة كقلة الحركة، والمأكولات السريعة قليلة الفائدة، والتدخين وغيرها من الأسباب .
التميز البحثي والعلمي
يبذل العلماء والباحثون جهوداً كبيرة لإيجاد علاجات جديدة ومبتكرة تسهم في الحد من الأعراض الجانبية للعلاجات المتوفرة حالياً، والمجال يعتبر واسعاً ومتاحاً للبحث العلمي.
وفي هذا الجانب تقول الدكتورة منى الحبسية: يجد المتابع للأبحاث العلمية في مجال طب السرطان أن أغلب التطورات العلاجية المستحدثة خلال العقود الماضية تركز على تحفيز جهاز المناعة للمريض بمختلف الطرق، وتمكينه من القضاء على الكتل السرطانية في مختلف أنحاء الجسم، فهناك العلاج القائم على فرز الخلايا المناعية من المريض وتعديلها مخبرياً بحيث تهاجم الخلايا السرطانية للمريض بشكل حصري ثم حقن المريض بها مرة أخرى، هذا النوع من العلاجات معتمد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وتستخدم لعلاج أنواع من سرطانات الدم وكعلاج مكمل في بعض حالات سرطان الجلد، هنالك أيضاً العلاج الذي أحدث طفرة في علاج السرطانات والقائم على حجب مثبطات المناعة المستخدم بشكل كبير في معالجة أنواع من سرطانات الرئة والقولون والجلد والكلى والذي حصل مكتشفاه الياباني تاسوكو هونجو، والأمريكي جيم أليسون على جائزة نوبل للطب في 2018، وكون استراتيجيات العلاج هذه واعدةً جداً تجد أن أغلب الدراسات القائمة حول العالم تعنى بتطويرها وتقليل تكلفتها.
وعلق الدكتور زاهد المنذري قائلا: ما تم إنجازه في أبحاث السرطان يعتبر نافذة للتميز البحثي، مثلا تم اكتشاف ازدياد عدد مستقبلات من نوع « HER2 « على «30%» من أنواع سرطان الثدي في عام 1984م وفي السابق كان وجود هذا النوع من الازدياد يرتبط بزيادة حدة السرطان وسرعة نموه وانتشاره، وكانت سابقا نتائج العلاج أقل من الأنواع الأخرى من سرطان الثدي، ولكن سرعان ما تغير الحال باكتشاف علاج مناعي يهاجم هذه المستقبلات للخلايا السرطانية، وذلك عام 1990م، وبعد المرور على مراحل البحث الثلاثة وبالخصوص في عام 2005م، تم نشر نتائج البحث التي بينت أن نسبة رجوع المرض قلت بـ «50%» وتم خفض نسبة الوفاة من هذا النوع من المرض بـ «30%»، ويعتبر هذا مثالا لدور البحث العلمي. ويشاطره الرأي الدكتور طه اللواتي بأن علاجات السرطان في تقدم مستمر وعدد الناجين من السرطان أصبح في ازدياد بسبب تطور أنواع العلاجات، كذلك ينصب توجه الأطباء الآن الى علاجات تحسين نوعية الحياة للمرضى فلو نظرتم للدراسات التي نشرتها، فإن هناك (4) دراسات متعلقة بإعادة تكوين الثدي و(4) دراسات للغدد الليمفاوية الحارسة وهي تقريبا ثلث الدراسات لدي لما لها من أهمية لتطوير نوعية الحياة للمرضى، ومن الأهمية بمكان هو التشخيص المبكر للمرض بحيث نمنح فرصا للعلاجات والتفاعل وإعطاء أفضل الفرص للشفاء.
انتشار السرطان
وقال الدكتور طه اللواتي: انتشار السرطان بسلطنة عُمان يعتبر من الأقل عالميا، أما التوزيع حسب المناطق فهو مرتبط كثيرا بالتوزيع الديموغرافي بنسبة وتناسب، حيث إن العدد الأكبر في محافظة مسقط والتي يقطنها الكثير من المواطنين، والأقل في الوسطى وهذا متوقع وذلك حسب إحصائيات وزارة الصحة، كذلك يمكننا الحد من السرطان والوقاية منه عبر اتباع أسلوب حياة نشط والاعتدال بالتغذية والإكثار من الخضار والامتناع عن التدخين وما إلى ذلك من نصائح صحية عامة إلى جانب الفحص الدوري.
من جانبها قالت الدكتورة منى الحبسية: السرطان مرض ليس له سبب محدد معروف، وعادة ما تكون هناك أسباب مختلفة لحالات مختلفة، ولكن عادات الحياة اليومية كالتدخين وكثرة التعرض للمواد الحافظة الموجودة في الأطعمة المصنعة وأسلوب الحياة البطيء والكسول، بالإضافة إلى المؤثرات البيئية كالتعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية التي تتسرب إلى سطح الأرض وخصوصاً بعد اتساع ثقب طبقة الأوزون، كل هذه الأسباب أدت إلى زيادة عدد حالات السرطان المسجلة محلياً وعالمياً، وسبل التقليل منه كما هو واضح باتباع أسلوب حياة صحي سواءً فيما يتعلق بالغذاء أو النشاط البدني والابتعاد عن التدخين والسموم الأخرى .
العلاجات ومستقبلها
وحول واقع العلاجات ومستقبلها، قالت الدكتورة منى الحبسية: في ظل التطور الكبير الذي تشهده أبحاث العلاجات المناعية في الوقت الحالي، والسباق على إيجاد طرق لتقليل تكلفتها، ونظراً للآثار الجانبية الكثيرة لاستخدام العلاجات المعتادة فإنه من المتوقع أن تبدأ الأنظمة الصحية العالمية بإحلالها بالاستراتيجيات المناعية بشكل تدريجي، وخلال دراستي في مختبر البروفيسور تاسكو هونجو (الحائز على جائزة نوبل للطب في 2018م) والمتعلقة بآثار مادة السبرميدين على جهاز المناعة، استطعنا أن نجعل الخلايا المناعية تنقل اعتمادها في إنتاج الطاقة من السكر إلى الدهون لتجعلها مفعمة بالطاقة، وبذلك تغلبنا على معضلة نقص مادة الجلوكوز في البيئة السرطانية، بالإضافة إلى الفائدة التطبيقية المباشرة.
وأضاف البحث عمقاً لمدى فهمنا آلية عمل المادة على المستوى الجزيئي، فقد أثبتنا أن سبرميدن يرتبط بالعضية المسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلية مباشرة ويحفزها على استخدام الدهون مصدراً للطاقة بدل السكر مما يزيد قدرة خلايا المناعة على الانقسام والهجوم، وينعكس هذا على قدرة الجسم على التخلص من الكتل السرطانية، وبحسب نتائج البحث الذي قمنا به فإن استخدام سبرميدين يزيد فعالية العلاج المناعي المسجل من قبل البروفيسور هونجو للحالات التي لا تستجيب في غياب سبرميدين، فالبحث يعطي الأمل لعلاج الحالات المستعصية على العلاج المناعي منفرداً، وقد نُشر مؤخراً في المجلة العلمية المرموقة (science ) على أمل أن تبدأ التجارب السريرية قريباً بعد تسجيل الاكتشاف كبراءة الاختراع.
من جانبه قال الدكتور زاهد المنذري: وصلنا إلى تحديد منطقة العلاج بدقة تصل جزءا من المليمتر، وطبعا الإنسان ليس جسما جامدا ويتحرك، وكان من البديهي أن يتطور العلاج ليتكيف مع حركة الورم مع دقات القلب أو التنفس مثلا، ففي مركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث أمراض السرطان، يوجد جهاز يمكنه تتبع الورم من خلال إعطاء الجرعة الإشعاعية، مما يقلل من المضاعفات، وفي مجال العلاج الكيماوي، حدثت تطورات كبيرة في فهم بيولوجية الخلية السرطانية، وكان نتاج ذلك استحداث علاجات مناعية وهادفة رفعت من نسب الشفاء بشكل كبير، وبالنسبة للجراحة دخلت الثورة الصناعية الرابعة بشكل كبير في هذا المجال، بحيث تم استخدام الروبوتات كأداة لمساندة الجراح في إجراء العمليات بفتحات بسيطة تكاد لا تزيد عن فتحة المفتاح، ومكنت الجراح أيضا من إجراء العملية عن بُعد.
الأطعمة الشعبية
وقال الدكتور زاهد المنذري: هناك الكثير من الأدوية الكيماوية مصدرها الأعشاب، والفرق هو أن الدواء مستخلص أي أننا نستخرج من هذه العشبة مادة كيميائية واحدة فقط، ويتم البحث عن كل مادة على حدة لمعرفة فعاليتها ضد المرض وأيضا مضاعفاتها، ويتم اختيار المادة الأكثر فعالية لإجراء الأبحاث عليها إلى أن نصل للأبحاث السريرية، ومن بين (10) مواد فاعلة فقط توجد مادة واحدة قد يثبت فعاليتها سريريا، بعدها يتم إجراء بحث لمقارنته بالعلاج المتوفر لمعرفة إن كان العلاج الجديد أفضل من المتعارف أم لا، وإن ثبت فعاليته يحل هذا الدواء محل الدواء القديم إلى أن نجد ما هو أفضل منه، وإذا رجعنا للمصدر أي الأعشاب نجدها تتكون من خليط من المواد الكيماوية منها المفيد ومنها الضار .
وقال الدكتور طه اللواتي: في نفس الموضوع إن الغذاء والعادات الغذائية لها أثر على الصحة بصورة عامة فالأغذية التي تحتوي على معدلات عالية من الدهون والأملاح والسكريات أُثبت علميا بأن لها أثرا سلبيا على الصحة بصورة عامة وليس السرطان فحسب، وهنا لا ندعو للامتناع عن هذه الأنواع وإنما الاعتدال فيها، أما ما يجب الامتناع عنه فهو التدخين بكافة أنواعه لأنه ثبت علميا ضرره وعدم فائدته، وهذا الكلام ينطبق على بعض الأكلات الشعبية التي قد لا تكون في الأصل صحية.