تعاني الأجيال الحالية وكذلك بعض الحكومات من الديون المترتبة عليها للمؤسسات المصرفية والشركات المالية. فمعظم ما يمتلكه الأفراد من الاصول كالعقار والسيارات والاثاث مملوكة لكبار المؤسسات المصرفية التي تزيد فوائدها السنوية. ومن المعتاد أن تستمر شكاوى الناس من عدم تمكنهم لمواجهة أعباء الحياة الاجتماعية والأسرية بالرغم من أن بعضهم يحصل على الرواتب العالية شهرياً. فحياة الرفاهية التي يودون عيشها من المؤكد أنها سوف لا تعطي للكثير منهم فرصة التوفير والإدخار والاستثمار بصورة جيدة، فيما تلعب البطاقات الائتمانية دوراً كبيراً في زيادة المصرفات الشهرية للأفراد بل العائلات أكملها.
وهذا هو الحال أيضا مع بعض حكومات العالم التي اعتادت أن تعتمد على القروض الخارجية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الملقاة على عاتقها لسير الأمور الحياتية لمواطنيها، في الوقت الذي يئن فيه الكثير من المواطنيين من الضرائب ونقص في دعم أسعار الخدمات، بجانب عدم تمكن حكوماتهم من إيجاد الأعمال للدخول في معترك الحياة العملية والإنتاجية.
بعض هؤلاء الأشخاص يحملون شهادات من جامعات مرموقة، وآخرين يتمتعون بالخبرات المناسبة، إلا أن الاوضاع الاقتصادية لتلك الدول في تراجع بسبب الحروب والمناوشات والتدخلات، بالاضافة إلى الفساد الذي يستشري من قبل رؤساء المؤسسات لتذهب الخيرات إلى جيوب بعض الاشخاص المتحكمين في مصيرها.
العام الماضي 2022 مضى بإيجابياته وسلبياته، حيث أن أسوأ شيء حصل فيه هو تراجع الدخول الشهرية للكثير من الناس لعدة أسباب منها ضعف رواتب العاملين في الأصل، بجانب الضرائب التي فرضت عليهم بالاضافة إلى التسريح وتفشي البطالة والمشاكل التي تعرضت لها المؤسسات التجارية والصناعية بسبب الجائحة التي لحقت بالعالم ودورها في تعطيل الكثير من الاعمال، وما نتج عن ذلك من صعوبات وتحديات في سلسة التوريد وارتفاع أسعار الطاقة وغيرها.
توقعات العام الحالي 2023 غير مطمئنة أيضا بسبب الاضطرابات التي تشهدها أسواق العالم، في الوقت الذي تلعب فيه الديون الهائلة على الدول دوراً كبيراً في تهديد الاقتصاد العالمي سواء أكانت تلك ديونا سيادية على الحكومات أوالشركات أوالأفراد، فجميعها لا تعطي فرصة للتوجه نحو الاستثمار في مشاريع مجدية بسبب المبالغ السنوية المخصصة للديون لدفعها إلى المؤسسات المالية العالمية بجانب كلفة خدمتها، الأمر الذي يثقل كاهل ميزانيات الحكومات أكثر.
ومن هذا المنطلق، يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني أن تشارك الأفراد في تحمل مسؤولية هذا العبء المالي الذي تواجهها الشعوب من خلال إنشاء مؤسسات مجتمعية تعني بتخفيف الديون المترتبة على الأفراد، خاصة أولئك الذين تعرضوا للتسريح من الأعمال، والذين تعرضت تجاراتهم وأعمالهم للخسائر بحيث أصبحوا رهينة لمؤسسات مصرفية ومالية، فيما أصبح بعض منهم باحثين عن عمل لسد حاجة أبناءهم وعيالهم وأسرهم.
فالعالم لا يمكن أن يعيش سعيداً ما دامت هذه الديون مترتبة على الأفراد والدول في آن واحد، والخوف يأتي في حال تخلفها من دفع تلك الديون في الوقت المناسب خاصة في هذه الفترة التي ترتفع فيها أسعار الفائدة، وتراجع النمو الاقتصادي لديها، لأن ذلك سوف يؤدي إلى تراجع تصنيفها العالمي، وتضررها وعدم ثقة المؤسسات الدولية والحكومات بالتعامل معها اقتصاديا ومصرفيا وماليا. وهذا ما يجب الحذر منه ونحن على أعتاب حدوث ركود اقتصادي عالمي خلال العام الحالي 2023.