هناك جدل واستياء كبيران لدى المواطن المصري حول عملته الوطنية التي يتراجع سعرها أمام الدولار بعد اتخاذ الحكومة المصرية قراراً بتعويم الجنيه. فهل هذا القرار في صالح الاقتصاد المصري مستقبلاً أم أنه سيؤدي إلى زيادة الفقر في المجتمع المصري؟
الآراء في هذا الشأن تختلف في ظل وجود هذا الكم الهائل من الخبراء الاقتصاديين الذين يدلون بدولهم في هذه القضايا، والأمر الجيد في الموضوع أن مصر ليست من الدول التي عليها حظر اقتصادي كبعض الدول في العالم التي تعاني من القيود المفروضة في الأعمال الاقتصادية والمالية والتحويلات وغيرها من الأمور الأخرى مثل ما يحصل مع إيران التي تعاني من الحظر منذ أكثر من أربعين عاماً.
فمعظم المصريين البسطاء والطبقة الاجتماعية تسود بينهم حالة من الاستياء والغضب والاحتقان، في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة الدولار الأمريكي لتصل 23 جنيهاً (وقت كتابة الموضوع) بعدما كان في حدود 19 جنيهاً، إلا أن آخرين من الخبراء وكتاب التواصل الاجتماعي يرون أن قرار تحرير سعر الصرف ومن ثم استقراره سوف يؤدى إلى جذب مزيد من التدفقات الاستثمارية الأجنبية خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيعزز من وتيرة الاقتصاد المصري، وسيوفر مزيداً من فرص العمل للباحثين خاصة في ظل وجود هذا الكم من المشاريع المجدية التي أنشأتها مصر خلال السنوات القليلة الماضية.
يأتي قرار تعويم الجنيه المصري في أعقاب قرار البنك المركزي المصري قبل عدة شهور مضت بخفض فعلي لسعر العملة بنسبة 16% بهدف إرضاء المسؤولين في صندوق النقد الدولي الذي يتبع سياسات غير مقنعة للحكومات أحياناً من خلال الوصفات الرديئة التي يقدمها للدول على حد تعبير بعض الخبراء. فمصر بحاجة إلى قروض ومساعدات في ظل الأزمات التي تمر بها بسبب النمو السكاني الكبير، وتراجع الاستثمارات والمنح والمساعدات الخارجية، وفي إطار القفزات التي تشهدها أسعار السلع والخدمات بسبب قرارات المجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة على الودائع الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الاقتصادات العالمية. فقرار التعويم جاء بسبب الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي لمنح مصر القرض الجديد الذي طلبته في حدود 3 مليارات دولار، لتبدأ العملة المصرية في التراجع خلال الأيام الماضية، الأمر الذي يؤدي إلى خلق تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري خاصة في مجال الاستيراد من الخارج، وزيادة فاتورة الواردات السنوية. كما يؤدي ذلك إلى زيادة قيم المنتجات المصنّعة محلياً، خاصة تلك التي تستورد المواد الخام من الخارج.
إن معظم قرارات صندوق النقد الدولي مع الدول النامية مرتبطة بضرورة خفض سعر العملات المحلية، خاصة الدول التي لا تستطيع إيجاد بديل لها، فالمتضرر الكبير من تلك القرارات هو المواطن البسيط الذي تزداد معاناته بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الضرورية التي ستقضي أيضاً على بعض العوائد الربحية التي يحصل عليها من البنوك بسبب الغلاء اليومي للمنتجات. إلا أن مثل هذا القرار يعطي فرصة للتجّار في الحصول على مبتغاهم من العملة الصعبة لاستيراد ما يرونه مناسباً لمشاريعهم التجارية والاستثمارية، فيما سيعزّز القرار من تدفق مزيد من السياح إلى مصر في المرحلة المقبلة. فهل الاقتصاد المصري سيحقق حالة الاستقرار في أعقاب قرار خفض الجنيه بنسبة 16%؟