من المعروف أن الشكولاته لها عدة أصناف؛ فمنها الداكنة ومنها المخلوطة بالحليب، وهناك الشكولاته البيضاء أيضًا، لكن ربما لا يدرك الكثيرون أن للشكولاته وجهان؛ أحدهما ناصع البياض يُدخل البهجة والسرور في النفس وهو الوجه العلمي منها؛ إذ تحتوي الشكولاته على مادة الكاكاو المُستخلصة من شجرتها، والذي يمكن تقسيمه الى قسمين أساسين وهما الكاكاو نفسه وزيت الكاكاو.
أما زيت الكاكاو فكغيره من الزيوت النباتية ذي فوائد كثيرة، إلا أنه يحتوي على طاقة عالية، ولذا لا ينصح بالإكثار من التناول منه. أما الكاكاو نفسه فيحتوي على مادة تعرف بـ”ثيوبرومين” وهو من المركبات التي تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان؛ فهو يعد منبهًا خفيفًا ويُثير مشاعر الفرح والسعادة، وهناك ما يشير الى أنه يساعد على خفض ضغط الدم، وذلك كونه يقوم بتوسعة الأوعية الدموية. كما يحتوي الكاكاو أيضًا على مركب آخر يطلق عليه “فينيل إيثيل أمين” ويعتقد أنه أيضا يثير مشاعر الفرح والبهجة.
وهناك مركب آخر يتواجد في الكاكاو أيضًا يعرف بـ”أنانداميد” وله تأثير على الجهاز العصبي؛ حيث يعمل على تخفيف الإحساس بالألم وتحسين المزاج والشعور بالراحة. كما يعد الكاكاو غني جدًا بمضادات الأكسدة والتي يُظن أن لها تأثيرات إيجابية كبيرة على صحة الانسان، هذا إضافة على احتوائه على كميات قليلة من مادة الكافايين.
لكن لا تخدع نفسك، فتراكيز المواد المذكورة منخفضة للغاية في أغلب الشكولاته المتداولة، فنسبة الكاكاو في شكولاته الحليب قد تكون 10%، فقط وأما الشكولاته البيضاء فاطلاق اسم الشكولاته عليه هو لأسباب تجارية بحتة لأنها لا تحتوي على الكاكاو وربما تحتوي على زيت الكاكاو فقط. فإذا كنت تشعر بتحسن مزاجك بعد تناولك لهما، فذلك ربما يعود لأسباب نفسية أو ربما لكميات السكر المضاف. أما إذا كنت ترغب في الاستفادة من الكاكاو بحق، فعليك بتلك المنتجات التي تحتوي على 70% من الكاكاو أو أكثر.
ولكن للشكولاته وجه آخر، وهو وجه كالح السواد وسيُدخل الحزن عليك؛ بل وسيشعرك بالخجل من بني جلدتك، ويرتبط هذا الوجه الأسود بتاريخها وحاضرها؛ حيث تحتكر صناعة الشكولاته أغنى قارتين في العالم وهما القارة الأوروبية والأمريكية، بالرغم من أن شجرة الكاكاو تُزرع أساسًا في قارات العالم الأخرى وخاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية؛ بل إنَّ أصل هذه الشجرة هي أمريكا الجنوبية، وقد تعرّف عليها العالم بعد أن غزاهم الإسبان ودمروا حضارتهم، وعاملوهم أسوأ معاملة.
ففي القرن الخامس عشر كانت حضارة “الآزتك” تنتشر في تلك المناطق، وكانوا يقدّرون شجرة الكاكاو ويقدّسونها أيُّما تقديس، والسر في ذلك أن الآزتك فسروا تواجد شجرة الكاكاو على شواطئ القارة واختفائها من الوسط، أن أحد آلهتهم قدِم إلى الأرض وأحضر معه شجرة الكاكاو التي احتفظت بها الآلهة لأنفسهم، وقدموها للإنسان، لكنه تعرض لكثير من الاستهزاء من بقية الآلهة، فقرر مُغادرة الأرض وقبل أن يُغادرها قام بحرق أشجار الكاكاو ولم يتبق إلا جزء يسير منها على شواطئ القارة. وكان الآزتك يظنون أن هذا الإله سيعود لهم من جهة البحر، وحددوا له تاريخًا مُعينًا. ويقال إن تاريخ وصول الغزاة الأسبان صادف ذلك التاريخ، فظنَّ الآزتك أنهم وفد الإله، وخاصة أن الأسبان كانوا قد قدموا بأعداد كبيرة وسفن ضخمة ويلبسون ملابس فاخرة، ولذا فلقد استقبلهم الآزتك ببالغ الحفاوة في بادئ الأمر! وتبين لهم لاحقًا أنهم مستعمرون جشعون ولكن بعد فوات الأوان!!
كان الآزتك يقدّمون الكاكاو كمشروب ينشط الجسم ويقويه، وأُعجب به بعض الأسبان ومن ثم قاموا بإحضاره معهم الى أوروبا ولكنهم فشلوا في زراعته هناك، ومن ثم تمت زراعته في أفريقيا ونجحت مهمة زراعته هناك نجاحًا باهرًا، مما سهّل على الأوروبيين الأمر، وذلك لقرب القارة الأفريقية منهم مقارنة بأمريكا الجنوبية.
تشير المصادر التاريخية الى أن مزارع الكاكاو في القارة الأمريكية كانت أحد الأسباب الرئيسية التي سببت تنشيط حركة تجارة الرقيق بين أفريقيا والقارة الأمريكية؛ إذ قام الأوروبيون بتأسيس مجتمعاتٍ أُطلِقَ عليها “مجتمعات الاستعباد الحديثة”؛ حيث جرى تنظيم أكبر عملية مضاربة بلحم البشر في التّاريخ فبعد اكتشافهم للقارة السمراء في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، قاموا باختطاف الأفارقة، ونقلهم عبر الأطلسي إلى القارة الأمريكية لاستعبادهم وإجبارهم على العمل في المزارع المختلفة منها مزارع الكاكاو في ظروف أقل ما توصف بأنها منسلخة من كل قيم الإنسانية.
وما زالت أفريقيا هي المنتج الأول للكاكاو في العالم؛ حيث يُقدّر إنتاجها بأكثر من 70% من الإنتاج العالمي، إلّا أن المُبكي في الأمر أن أغلب هذا الإنتاج هو من أُسرٍ غاية في الفقر، تمتلك أراضٍ صغيرة ويشارك الأطفال والكبار من أبناء الأسرة في العمل لقطف الكاكاو وإعداده، ومن ثم يتم شحنه إلى القارتين وهما أمريكا وأوروبا، غير أنَّ المُنتجِين في تلكم القارتين لا يرسلون كثيرًا من الشوكولاته إلى أفريقيا؛ لأنَّ معظم منتجي الكاكاو فقراء جدًا ولا يستطيعون تحمل كلفة شراء الشكولاته المُنتَجة من الكاكاو الذي زرعوه وحصدوه!! بل العديد منهم لم يرها بعينه ولم يلمسها بيده، فنحن من نتلذذ بأكلها وهم من يصبون عرقهم لجمعها وحصادها!
لهذا يُقال إنَّ الكاكاو يذوب في فمك خجلًا مما ألحقه من أذى على من كان له الفضل في زراعته ورعايته والاهتمام به!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
المصادر:
“العبودية في العصر الحديث” لباتريسا ديلبيانو، ترجمة أماني فوزي حبشي.
The book of chocolate by HP Newquist