عُمان: كتب ـ فيصل بن سعيد العلوي
في جو جمع شغف الاصالة في الموسيقي ومعاصرة التجارب بمختلف توجهاتها وميولاتها شهد صاحب السمو السيد كامل بن فهد آل سعيد مساء أمس في دار الفنون الموسيقية بدار الأوبرا السلطانية مسقط حفل تكريم الفائزين في جائزة «مسيرة إبداع» ضمن جوائز الآغا خان للموسيقى والتي تستضيفها سلطنة عمان وتستمر حتى غدا الاثنين، وقد منح أمين آغا خان (الذي يرأس بالإشتراك مع شقيقه آغا خان اللجنة التوجيهية للجائزة) في الحفل ذاكر حسين من الهند جائزة «إنجاز العمر» تقديرا لدوره البارز والمتميز في الموسيقى المستنيرة العابرة للثقافات، حيث عمل ولستة عقود عـلى الارتقاء بمكانة الطبلة في الهنـد وحـول العالم، وأنجـز اقتباس من ذلك كلـه مـن خـلال الاهتمام بمجالات التعاون الفـني على نحـو واسع، فضلاً عـن جـولات الحفلات الموسيقية، واللجان التي شارك فيها، والتسجيلات وعشرات الأفلام.
وتقديرا لأدوارهم في مسيرة الإبداع عرض في الحفل فيلما قصيرا حول الباحث الموسيقي العماني مسلم بن أحمد الكثيري الفائز بـ «جائزة خاصة» نظير إسهاماته في صون التراث الموسيقي العُماني، وقد عبر «الكثيري» عن سعادته للتويج بهذه الجائزة المرموقة، مشيرا إلى أهمية الموسيقى في تقريب الشعوب وبسط السعادة الروحية الناتجة عنها.
إضافة إلى ذلك تم عرض فيلم عن الباكستانية زار سانغا والتي حازت على الجائزة لتفانيها المثير للإعجاب طوال حياتها المهنية في الاهتمام بأداء الموسيقى التقليدية الخاصة بقبائل البشتون والمحافظة عليها، فضلا عن توظيفها الأغاني للربط بين الشعوب والثقافات عبر الحدود.
كما تم عرض فيلم آخر عن سين زهور من باكستان والحاصل على تنويهات خاصة لتميزه بما حققه من إنجازات في جعل الشعر الصوفي ينبض بالحياة من خلال أداء الأغنية الروحانية التي تربط البشر بالخالق.
من جانبه قال ذاكر حسين الفائز بجائزة إنجاز العمر أن الحصول على مثل هذه الجوائز من جهة كبيرة تهتم بهذه الجانب يجب أن لا يجعل الفنان ينغلق على نفسه باعتقاده أنه وصل إلى قمة الهرم، مشيرا إلى ان ما تقوم به الجائزة هي أنها تعطي الرابح دفعة معنوية تبين له انه على الطريق الصحيح وانه عليه المتابعة على هذا النهج في محاولة للوصول الى القمة.
كلمة الإستضافة
وقد شهد برنامج فعاليات حفل توزيع جوائز الآغا خان للموسيقى أمس كلمة لسعادة جمال بن حسن الموسوي الأمين العام للمتحف الوطني قال فيها أن سلطنة عمان تبذل جهودًا مقدرة في جعل الثقافة قاسمًا مشتركًا بين الشعوب، وذلك من خلال تعريف العالم بما تزخر به من ثراء ثقافي ومعرفي عبر الفعاليات الثقافية التي تضطلع بها أو تشارك فيها والمقامة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بمختلف مشاربه الثقافية والاجتماعية.
وأضاف «الموسوي» : تأتي استضافة سلطنة عُمان لجوائز الاغا خان للموسيقى في نسختها الثانية في إطار مد جسور التواصل والصلات بين مختلف شعوب العالم وتعزيز التعاون المشترك عبر تفعيل قنوات التواصل الثقافي على كافة مستوياتها الرسمية والمجتمعيّة.
مشيرا سعادته إلى أن التراث الموسيقي لسلطنة عُمان يعود لفترة ما قبل التأريخ من خلال أقدم آلة موسيقية والمكتشفة بموقع رأس الحد الأثري، والتي يمكن مشاهدتها بالمتحف الوطني بقاعة التراث اللامادي، وهذه القاعة التي تقف دلالة للأهمية التي تقوليها سلطنة عُمان للتجربة الموسيقية، كما أن السلطان برغش بن سعيد البوسعيدي إنشأ مقامة للدولة الزنجبارية خلال النصف الثاني من القرن ١٩م.
مؤكدا في ختام حديثه إلى للموسيقى لغة عالمية يتحدثها جميع البشر ويفهمها الجميع دون عناءٍ أو مشقة بها تتوحد الشعوب وتتمازج بها أسس الحوار الحضاري،، والتي نسعى من خلالها إبراز دور سلطنة عمان ومفرداتها العمانية، وما تتميز به من تنوع وأنماط معرفيّة وحضارية ثرية.
كلمة أالجائزة
من جانبه قال أمين آغا خان في كلمة له: أن لاجتماعنا هنا في دار الفنون الموسيقية بدار الأوبرا السلطانية الرائعة بعد رمزي عميق، إذ إنه يحتفي لا بالإبداع الفني والأكاديمي الملهم وحسب، بل بما للموسيقى والموسيقيين من المرونة الصامدة والرسوخ في الأوقات الصعبة. فلا عجب في أن نختار للاحتفال بهذا الحدث السعيد هذا المكان المميّز في سلطنة عُمان، الدولة التي تولي الفنون مكانة مركزية، والتي تتيح لفنون العرض والأداء المنبثقة من الثقافات الشرقية والغربية فرصة تلاقٍ، يشهد لها هذا الصرح المعماري الرائع الذي يجمعنا هنا الآن.
وأضاف : يدرك الحاضرون منا هذا المساء جيدًا مقدار المعاناة التي أصابت الموسيقيين وزملاءهم من الفنانين في المسرح والرقص، بسبب جائحة كورونا، حيث غياب فرص عروض الأداء الحي، بين عشية وضحاها، لم يمثّل، بالنسبة إليهم، مجرّد خسارة لسبل العيش والبقاء، بل كان يعني أيضًا فقدان مصدر حيوي للإلهام، هذا الإلهام الذي ينبع من داخل فناني الأداء، وهم يؤدّون فنّهم أداء حيّا مباشرًا بحضور الجمهور، ويكون بمقدورهم الإحساس بما تولّده فيه موسيقاهم من الانفعالات والأفكار.
وحول الفائزين قال أمين آغا خان: قد أثبت الفائزون، الذين تم اختيارهم لنيل الجوائز هذا العام جميعهم، التزامًا قويًا بالخدمة الاجتماعية على أنواعها، وفي صدارتها العمل التربوي بمثابة مدرسين وموجّهين. فعلى مر التاريخ، قام العديد من مدرّسي الموسيقى المشهورين بالتدريس وكانوا مثالاً يُحتذى، وفي العديد من التقاليد الموسيقية التي ازدهرت عند المسلمين، كما في الحضارات الأخرى، ونأمل أن يواصل الحائزون على جوائز الآغا خان للموسيقى، من خلال دعمنا، ترسيخ هذه القدرة في عملهم المستمر كمعلمين. وفضلاً عن ذلك، من خلال تثقيف الشباب بتقاليدهم الموسيقية الخاصّة، وتزويدهم أيضًا بالوسائل لتوسيع آفاق هذه التقاليد في اتجاهات كونيّة جديدة، فإننا نسهم في إعداد جيل جديد من القادة الثقافيين والملحّنين الذين سيبنون الجسور والصلات بين الثقافات. إن الحائزين على جوائز الموسيقى هم رسل هذا العمل الجماعي، ينقلونه إلى الجماعات الفنية وجماعات المستمعين في أنحاء العالم كافّة. وفيما لا وجود لموسيقى واحدة يمكن للمرء أن يسمّيها لغة عالمية شاملة، ثمّة ما هو عالمي شامل يتمثّل في الرغبة في إبداع الموسيقى وإدخالها في صلب حياتنا. فالتقاليد الموسيقية تطوّرت، حيثما وُجدت، بموازاة سفر الناس من منطقة جغرافية واحدة، وثقافة واحدة، إلى منطقة وثقافة أخرى، فتشرّبوا عناصر من الثقافات الجديدة التي عرفوها، وبالمقابل أسهموا في تطوير الأساليب والتعابير الموسيقية في البلدان التي زاروها. فإلى هذا التطوّر عبر الاتصال بين الثقافات، يعود أصل الإبداع الموسيقي بمعظمه.
عروض موسيقية حيّة
بعدها قدمت فيروز نيشانوفا مديرة جوائز الآغا خان للموسيقى كلمة تقديمية تلاه أداء حي لآسين خان لانجا وديلشاد خان على آلة (السارانجي) ورافقهما راجان دواركال وصادق خان على الطبلة، وذاكر خان لانجا بغناء مرافق وإيقاع، إضافة إلى أداء حي ليحيى حسين عبدالله من تنزانيا بمرافقة الأيرانية ياسمين شاه حسيني على العود جاسر الحاج يوسف على الكمان، كما قدمت «كمبان منت أعل ورقان» وأردين من موريتانيا تسابيح للنبي عليه الصلاة والسلام رافقهما في الأداء على الجيتار أفيل بوكوم من مالي وعلى الجيتار مامادوكيلي، ومامادو كوياتي غناء مرافق (باص نغوني) .
بعدها قدمت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية بقيادة المايسترو حمدان الشعيلي مع ذاكر حسين «طبلة (الهند)» معزوفة «بشكار (٢٠١٥)» من ألحان ذاكر حسین، كما قدمت وكبار موسيقيي برنامج الآغا خان للموسيقى مع ذاكر حسين معزوفة «طشقند (٢٠١٧)» من ألحان باسل رجوب عزف فيها باسل رجوب على الساكسفون، وجاسر الحاج يوسف على «فيولا دامور»، وفراس شارستان على «القانون»، وليفنت يلدريم (دهوله).
وتأتي استضافة سلطنة عمان لحفل توزيع جوائز الموسيقى (بعد العاصمة البرتغالية لشبونة التي استضافت الحدث في مارس من العام 2019) تأكيدا على أهمية السلطنة بوصفها وجهة مهمة على خريطة الثقافة والأدب والفن العالمية، كما تعكس هذه الاستضافة الحراك الثقافي في سلطنة عمان بما يوائم التحوّلات العالميّة وفق نسيجها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وما يتسق مع أهداف الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والدولية التي من المؤمل أن تسهم في تحقيق محاور الاستراتيجيّة الثقافيّة المرتكزة على الإبداع والتطوير الثقافي والصناعات الإبداعية الثقافية، والثقافة والمجتمع، والهوية الثقافية، والتنمية الثقافية، والتواصل الثقافي، واللوائح والتشريعات الثقافية.
السيد بلعرب يكرّم الفائزين في جوائز الآغا خان للموسيقى .. اليوم –
يشهد صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد اليوم حفل توزيع جوائز الآغا خان للموسيقى التي حصل عليها كل من ذاكر حسين من الهند، وأفيل بوكوم من مالي، وآسين خان لانجا من الهند، وكومبان منت إيلي ورقان من موريتانيا، وداود خان سادزاي من أفغانستان، وبيني كاندرا ريني من إندونيسيا، وسوميك داتا من المملكة المتحدة، ويحيى حسين عبدالله من تنزانيا، وياسمين شاه حسيني من إيران، وزارسانغا من باكستان، إضافة إلى تكريم الحائزين على جوائز الآغا خان الخاصة للموسيقى في دورتها الثانية وهم ديلشاد خان من الهند وفرقة كلشان من إيران وسين زهور من باكستان وذو الكفل وبرعام من إندونيسيا ومعهد سيد محمد موسوي وماهور من إيران.
تدشين الطوابع البريدية وإقامة ندوة الفائزين بجائزة «العمارة» –
تدشن بفندق قصر البستان الطوابع البريدية الخاصة بالمناسبة وذلك قبيل ندوة الفائزين بجائزة الآغا خان للعمارة وتتناول الجلسة الأولى «البنى الأساسية وإعادة الاستخدام التكيفي» التي تترأسها جنيف كارا سيتم عرض فيديو حول ثلاثة مشروعات مختصة بالبنى الأساسية وإعادة الاستخدام التكيفي في سياق سلطنة عمان يقدمها المهندس والمؤرخ المعماري شومين باندويوبادياي في حلقة نقاشية مع أحمد رضا شريكر، ونقولا فياض، وأندرا ماتين (مهندسو المشروع)، ونادر تهراني عضو لجنة التحكيم، وميساء البطاينة عضوة اللجنة التوجيهية.
أما الجلسة الثانية فتتناول «التأثير الاجتماعي للهندسة المعمارية» وتترأسها نادية بنت مقبول اللواتية وتتحدث عن مشروعات في سياق سلطنة عمان برفقة المهندس والمؤرخ شومين باندويوبادياي وحلقة نقاشية مع ديفيد غارسيا، خوندكير حسيبال الكبير، خواجة فاطمي (مهندسو المشروع) وكازي خالد أشرف عضو لجنة التحكيم، وسارة م. وايتينغ عضوة اللجنة التوجيهية.