بالرغم من أن العالم يشهد تضخماً في أسعار الكثير من السلع والمنتجات المستوردة والمصنعة محلياً، إلا أن أسعار المعدن النفيس “الذهب” شهدت خلال الفترة الماضية تراجعاً ملحوظاً بحيث وصل إلى أدنى مستوى له في أكثر من عامين. ويتوقع المراقبون بأن أسعار الذهب في طريقها لتسجيل تراجع بسبب التوقعات برفع كبير في معدلات الفائدة من قبل البنوك المركزية في العالم لترويض التضخم الآخذ في الارتفاع.
أسعار الذهب تراجعت خلال الفترة الماضية لتصل قيمة الأونصة الواحدة إلى 1661.97 دولار بعد أن سجلت قيمتها أدنى مستوى لها في أبريل عام 2020 عند 1658.30 دولار. فالأسعار هبطت بصورة كبيرة خلال الشهرين الماضيين تزامناً مع صعود العملة الخضراء “الدولار” الذي يتم من خلاله تسعير أسعار النفط العالمية به أيضا، والذي يشكّل هو الآخر معضلة للكثير من شعوب العالم بسبب رغبتها في الحصول على منتجات الطاقة بأسعار تناسب المنتجين والمستهلكين في آن واحد.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه أسعار الذهب نجد أن أسعار عوائد سندات الخزانة الأمريكية لمدة عقد تشهد زيادة مع توجه الدولا نحو ارتفاع يومي، باعتبار أن “الذهب” يعتبر شديد الحساسية من رفع معدلات الفائدة الأمريكية. ومع تراجع أسعار الذهب نجد أن أسعار المعادن الأخرى المتداولة في العالم كالفضة والبلاتين والبلاديوم تتراجع هي الأخرى. فالذهب يعتبر عادة أداة للتحوط من التضخم الذي يلقى موضوعه اهتماماً من كافة البنوك المركزية في العالم، فهو حساس لأسعار الفائدة ولا يدر عائداً في مثل هذه الأوضاع، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع سعره. وكلما ضعف سعر الدولار فإن ذلك يساعد على ارتفاع الذهب إلى مستويات أعلى.
ويتساءل المرء إن كان هذا الأمر يشكّل فرصة للمستثمرين في شراء الذهب في الوقت الحالي أم الابتعاد عن ذلك. فالأوضاع العالمية الحالية غير مستقرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي تستعر يومياً، في الوقت الذي تشكّل منعطفاً كبيراً في معرفة التطورات التي ستنجم عنها، خاصة وأنه من المعروف بأن العالم يتجه إلى الاحتفاظ بالذهب في حال حدوث الحروب والكوارث البشرية والطبيعية. وأسعار هذا المعدن تعتمد على العرض والطلب وفي الكميات المنتجة منه، حيث يأتي الطلب عليه في حال توافر رغبة الأفراد والمؤسسات في اقتنائه، كما يتأثر بالسياسات والقرارات النقدية والمالية للبنوك المركزية العالمية، بالإضافة إلى تأرجح القوة الشرائية للدولار الأمريكي. كما تتباين أسعار الذهب في حال وقوع الأحداث السياسية والاضطرابات في العالم، حيث يستغل بعض المستثمرين أموالهم بالمخاطرة في التوجه نحو الأسواق لشراء هذا المعدن بالإضافة إلى الاستثمار في أسواق الأسهم والسندات.
كما أن المستثمرين يعلمون جيداً أن الذهب يعتبر من المعادن الثمينة، ويتميز عن غيره من المعادن الأخرى بعدة خصائص منها مظهره الجذاب وقدرته على الحفاظ على شكله لمدد طويلة، إلا أن سعره الغالي يرجع إلى ندرته بسبب صعوبة إخراجه من بين المعادن الأخرى من وسط الجبال والمناجم. وقد لعب الذهب دوراً كبيراً في الماضي بسبب أهميته الاقتصادية والاجتماعية في تعاملات الناس مع بعضهم البعض للحصول على المنتجات والسلع الأخرى بالمقايضة مع هذا المعدن، فيما تتخذ الكثير من الحكومات هذه العملة كاحتياطي لها في البنوك المركزية والتجارية.