أنه من الإستحالة بمكان في هذا المقال القصير أن أتمكن من التطرق إلى كل جوانب من شخصية المرحوم ومسيرة حياته. لذا، سأكتفي بالتطرق فقط إلى إحدى الجوانب الهامة من شخصيته ومسيرة حياته، مع التطرق إلى مبادرته الوطنية الهامة لوزارة التراث، بإذن المولى الكريم
اسوة بشخصية أبيه الحاج باقر عبداللطيف فاضل، والتي قلما تجد لها نظير في تلك المرحلة من الزمن والحقبة من التاريخ (هناك مقولة مشهورة عند الأباء والأجداد في قبيلة اللواتية وهى: أن ثلاثة شخصيات سابقة (إذا إنتقلت إلى رحمة ربها) لن تجد لها مثيل ونظير ولن يكررها الزمن ابداً، وشخصية الحاج باقر عبداللطيف هى واحدة من تلك الإسماء).
وبإختصار شديد، فإن شخصية المرحوم جعفر الحاج باقر (والذي أنيطت له تولى مهام ومسؤوليات مشيخة قبيلة اللواتية بعد وفاة عمه المرحوم الحاج علي عبداللطيف فاضل عام ١٣٨٣ هجري) كانت فريدة، بل فاقت عصرها في كثير من الجوانب، إذ جمعت هذه الشخصية الكبيرة، الكريمة المعطأة بلا منازع في تلك الفترة، الكثير من الصفات المتميزة والمواهب المتعددة. وكيف لا يكون كذلك وهو سليل الأكارم المخلصين الذين أثبتوا أنفسهم وبحق بأنهم أوفياء للمجتمع والوطن معاً.
ومما أخبرني به والدي رحمة الله عليه في هذا الإطار أن جده الحاج عبداللطيف فاضل عرف عنه مساعدته للفقراء والمعوذين أيام الشدة والمحن، حيث كان يشتري لهم مؤن غذائية عائلية ويتركها ليلاً أمام أبواب بيوت تلك الفئة المتعففة من المجتمع والناس نيام، حفاظاً على كرامات وعلى ماء الوجه وخصوصيات تلك الفئة، وحتى تكون تلك الخطوة تكافلاً إجتماعياً صحيحاً خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى).
من هنا، ومن ضمن أمور الأخرى، عرف عن المرحوم عمي جعفر حبه وتقديره ودعمه لأهل العلم، الفكر، الأدب، الثقافة والمعرفة (وتندرج ضمن هذه الفئات فئة العلماء، رجال الدين، الخطباء، أهل الرأي والمشورة والإصلاح، المعلمين، الأطياف الإجتماعية المختلفة والتي إمتدت إلى خارج حدود قبيلته وجغرافية وطنه)، فكان يدعوهم لمجلسه ويقربهم ويسأل عن أحوالهم، ويسعى أن يكون محل ثقتهم وعونهم وسندهم في كل الأوقات والحالات دون تميز. وتلك الفئة كثيراً ما كانت تحضر لمجلسه وتسعى للتواصل معه وتقوية عرى المحبة بينه لما كانت تجد من إحترام ومحبة وتقدير منه وتفاعله الإيجابي وتعاطيه مع آمانيهم ومشاكلهم، بل إنه ومن عادته الحسنة ومن منطلق التكريم والحب لهم، أن كان يقيم لهم الولائم ويستضيفهم أيضاً، ويتبنى مبادراتهم الطيبة.
لذا، فليس بمستغرب أن نجد أديباً يقول في حقه شعراً تجاه الصفات الحميدة التي وجدها في شخصية المرحوم جعفر الحاج باقر. وفيما يلي بعض الأبيات المختارة من قصيدة كتبها أحد الخطباء – والذي كان أديباً أيضاً – في إحدى المناسبات (في المرحوم عمي جعفر رحمه الله قبل حوالي ٧٢ سنة) وهو من أسرة عريقة في النجف الأشرف حيث دعته قبيلة اللواتية لقرأءة مجالس العزاء في شهر محرم/صفر:
• هذا لعمر الله يوم بشائر – بوجود شبل أكارم وأماجدي
• أيا جعفر المفضال والشرف الذي – فيك حلت ما قد حوته قصائدي
• إني لأشكر لطفكم وسماحكم – واللطف من شيم الكريم المأجدي
• خذها على رغم الحسود قصيدة – فهنأ فدتك النفس نفس الحاسدي
• لازلت مرفوع الجناب مأيداً – بالنصر والعز السعيد الوأردى
وقد وجدت بأن لهذا الخطيب والأديب (رحمة الله عليه) أيضاً قصائد أخرى قالها في جدي المرحوم الحاج باقر عبداللطيف (رحمه الله تعالى) حيث كان يصفه ويلقبه ب”سعادة الزعيم الخالد”، ومطلعها:
• لعلياك في أفق السماء مطالع – وشخصك في الأقطار بالمجد شايع
• وأشرقت الأيام حسناً وأزهرت – وقد زانها نور من الفخر ساطع
• ايا باقر المفضال لا زلت مكرماً – وسعدك بالأقبال والعز طالع
هذا، إضافة إلى قصيدة أخرى ألقها في حفل أقامه جدي الحاج باقر بمناسبة عودة أخيه (جدي) الحاج علي عبداللطيف (رحمه المولى) من الزيارة العتبات المقدسة ومطلعها:
• بقدومك البشرى لنا مسرورا – ذهب العنا وأتينا مأجورا
• يا زائراً أعتاب آل المصطفى – سعياً فاضحى سعيكم مشكورا
وبعد ذلك يخاطب الحاج باقر بقوله:
• إني أهنى (باقر) المفضال من – تدعى له بين الأنام ظهيرا
• ذاك الذي للناس عم حنانه – بالفضل والإكرام صار شهيرا
• قد طار في الأقطار يدوى صيته – وله القلوب تسخرت تسخيرا.
وعلى مستوى الوطن أود أن أذكر فقط مبادرته التالية:
كان المرحوم من أحد هواة جمع التحف والطوابع البريدية القديمة النادرة والمسكوكات ذات القيمة التاريخية، فإنه في عام ١٩٨٨م، ولشدة حبه لوطنه أهدى بعض من النفائس الرائعة والتي لا تقدر بثمن، جمعها خلال حياته وهى مسكوكات فضية تذكارية (منها لملوك وملكات إنجلترا)، عملات قديمة، طوابع بريدية نادرة وتحف ومجسمات ثمينة للمتحف الوطنى من خلال وزارة التراث، وقتها كان المرحوم السيد فيصل بن علي بن فيصل آل سعيد وزيراً للتراث القومي والثقافة، حيث شكره على مساهمته القيمة للمتحف، مقدراً له روحه النبيلة التي هى خير تعبير عن حب المرحوم للوطن وولائه للحكومة الرشيدة. وقد حظيت تلك المساهمة ببالغ التقدير لدى المرحوم السلطان قابوس رحمه الله تعالى، فمنحه مكرمة سامية هى عبارة عن وسام عماني تقديراً لموقفه الوطني النبيل. وقد تناقلت وسائل الإعلام المحلية هذا الخبر الوطني الهام وأشادت بها من خلال تقديم تقارير مفصلة عن رمزية وقيمة هذه المساهمة الوطنية للمرحوم وأهميتها للمتحف الوطنى بالبلاد. ونوهت إحد الجرائد المحلية بهذه المساهمة بالقول أن “المواطن جعفر بن الحاج باقر بن عبداللطيف، وهو أبن الحاج باقر عبداللطيف رئيس قبيلة اللواتية الذي كان من أعيان عمان المقربين لدى الأسرة المالكة، ضرب المثل في الوطنية وقدم خدمة رائعة لبلاده من تلك المساهمة التي جاءت بدون مقابل).