Image Not Found

المدارس النظامية الحديثة والجشع الرأسمالي

حسين بن عبدالخالق اللواتي

المدارس النظامية الحديثة ليست اختراعا غربيا، كما يحلو للبعض أن يدعى، سواء أن كانت مدارس خاصة أم حكومية، أم جامعات.
نعم الغرب، خاصة الإستعمار البريطاني، إستغل المدراس النظامية، ووضع لها برامجا تعليمية، وتدربية، وإدارية، وذلك لتخريج أيدي عاملة ماهرة، وشبه متعلمة، تكون مفيدة للاستعمار.
ووضع برامج تعليمية تغسل أدمغة الشعوب المحتلة، وتبيض ساحة الكولونيالية البربرية، والقضاء على التعليم الديني، القرآني (الكتاتيب)، والكسلكي، والحوزوي خاصة.
بقيت المدارس النظامية تؤدي دورها المنوط بها، وهو خدمة الاستعمار في البداية، وفي خدمة ماكنة الدكتاتوريات التي جاءت، لتغطي الاستعمار الذي خلفها.
استمر الوضع هكذا إلى أن بدأت الرأسمالية الطماعة بالزحف إلي التعليم، وبلعها خطوة وراء أخرى، بغرض جني ارباح طائلة، واحتكارية، من هذا المورد اللامتناهي، ومثله قطاع الصحة، حيث لا تنفذ عوائدهما، كما تنفذ عوائد النفط.
وكعادة عمى الجشعين الساعين إلى النهب السريع، من دون اعتبار لعوامل مهمة أخرى، فانهم بسبب عماهم يقضون على دجاجاتهم التي تبيض لهم ذهبا في كل يوم.
جاءت الثلمة الأولى في الصرح التعليمي عندما خصخصت المدارس والجامعات والمعاهد، واصبحت الاهداف، وبالتالي الإدارة، تجارية بحتة، تسعى وراء الربح السريع فقط.
ثم جاءت ثلمة المناهج التعليمية السطحية، وغير الاكاديمية المتعمقة، ولا تقوم على التجارب المختبرية.
وتلتها ثلمة الهيئات التعليمية الرخيصة، وغير المتخصصة، لا في التعليم ولا التدريب ولا في الاشراف الاكاديمي.
أصبح التعليم ليس للتعليم، والفهم، والتعمق الفكري، وانتاح علوم جديدة، ولكن لنيل شهادة، تفيد في شغل وظيفة.
واصبحت المناهج محدودة، وقصيرة، وسريعة، مثل خط إنتاج صناعي سريع، في مصنع كبير.
ثم جاءت جائحة كرورونا لتقفل المدارس، وتدفعها إلى التعليم عن بعد، مما حرم الطلبة من التفاعل الصفي، ونشاطات صفية وغير صفية، والتنافس بين الأقران، واشراف مباشر من قبل أستاذ اكاديمي مناسب.
وأخيرا جاءت ثلمة التقدم الإلكتروني، الذي جعل التعليم والتعلم نشاطا شخصيا بحتا، من دون إشراف مجتمعي مباشر. وتحول التعليم إلى عملية تجارية بحتة، في شكل وحدات تعليمية، يختارها الطالب بنفسه، من دون إشراف اكاديمي، إلا ضروراته، وتوفر الوقت، وتوفر نفقة التعليم لديه.
وحتى لو تحول التعليم الإلكتروني، الذي يتم من البيت، ومن دون المدارس، والقاعات، والمختبرات الجامعية، حتى لو أصبح مجانيا تماما، ومتاحا لكل أحد، ولكل التخصصات العلمية، فإنه لن ينتج إلا اعدادا قليلة من الأفراد المهتمين والجادين.
إن اعداد الأمية التعليمية المغلفة ستتزايد يوما بعد.
وستنتشر الشهادات العليا المزيفة بشكل مفرط.