مما لا شك فيه إن إحياء الذكريات مبدأ مستحسن عقلا وشرعا لما له من فوائد جمة في توعية الناس وتنبيه الفرد إلى مواطن العز والمجد والأخذ بالأسباب الكونية التي جعلها الله سبيلا للعزة ومدارج للكرامة والرفعة ، لذلك نرى كل أمة تحيي الذكريات وما ينطوي عليه تاريخها سارة كانت أو غير سارة والإسلام يحفل بالذكريات المختلفة ويرشد إليها ويوصي المسلمين بالحفاظ عليها ليصلوا إلى مواطن العبر والدروس ، وكم ساق القرآن الكريم من قصص فيها عبر لأولي الألباب ، قال تعالى في سورة عمران آية 103»واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا «
فالقرآن يعبر في كثير من المواضع التي تكون موطناً للذكريات بلفظ « اذكروا» أو» اذكر» فمن حقنا أن نقول أن للذكريات شأناً مستحسناً عقلا وشرعا وهذا الشأن ليس مقتصرا على ترديد الكلمات وإلقاء الخطب وإشاعة الأفراح أو الأحزان والمآتم ولكنها يجب أن تتعدى ذلك لتصبح ميداناً للإصلاح بالأفعال لا بالأقوال ، وإلا فإنها حينئذ سوف تتحول إلى أشبه بالمأدب والهروب من واقع نعيشه ، حيث إن إحياء الذكريات الأليمة تعتبر جانباً من جوانب الاحتجاج ولكنها تبقى في حدود الاحتجاج ليس إلا.
فهي تمثل جانبا سلبيا في الإصلاح الديني بينما كان الواجب أن نتجاوز مواقف الاحتجاج الكمي إلى محاولة إيجابية للإصلاح ، فهدف الحسين بن علي هو الإصلاح في أمة جده المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، فالعصر الذي كان يعيشه الحسين بن علي تفشت فيه مشكلة طائفية وهي التي هددت الواقع الإسلامي بالتمزق والتشتت ، في وقت كانت كلمة الإسلام صريحة واضحة أن الإسلام لا يرضى للمسلمين أن تفرقهم الأهواء والمذاهب بل طلب منهمو أن يكونوا كالبنيان المرصوص لتنشأ الأجيال على سلوك التسامح مع بعضهم البعض وأوصى المسلمين أن لا يتعصبوا لبعضهم البعض ويعاملوا أصحاب الديانات الأخرى بالعدل والإحسان وعليه جاءت أقوال الحسين بن علي موافقة لوصية جده حين قال (صلى الله عليه وسلم): (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وقال الحسين (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي).
فكانت أهداف الحسين بن علي القضاء على المشكلة الطائفية التي تفرق صف الأمة الإسلامية وهذه المشكلة كانت من نتائجها الفراغ الديني فالناشئ المسلم لا يتلقى تعاليمه الدينية بطرق صحيحة وإنما يتلقى تعليما يبعده عن الإسلام والقيم الإسلامية ونحن في واقعنا المعاصر نواجه دعوات للتمسك بالمناهج التي لا تمت إلى قيم الإسلام ولا إلى سنة نبي الإسلام بصلة ، وهــــذا الوباء الثقافي يدعى باسم المدنية بدأنا نشهده في الدعوات التي تحتل عقول شبابنـــا وشاباتنا الدعوات التي تنشرالشكوك حول أصالة الإسلام وكونه منزلا من الله سبحانه وتعالى،هذه الدعوات جعلت من الجاهلية العمياء مثـــــلا أعلى ومن مروجيها أبطالاً مقدسيين وجعلت من المنحرفين عن مناهج الإسلام قادة ولنا في الحسين بن علـــــــــي أسوة حسنة لمواجهة مشاكلنا ووضع الحلول المناسبة لها.