هل العالم سوف يستمر في اقتناء العملة الخضراء خلال العقود المقبلة في إطار السياسات المالية والنقدية التي تتبعها بعض الدول في التعامل مع عملاتها المحلية في التجارة العالمية؟ فقد تابعنا منذ بداية الحرب الروسية الاوكرانية بعض قرارات الحكومة الروسية بتسعير نفطها والغاز بالعملة المحلية “الروبل”، وتوجّهت بعض الدول الاخرى كالهند وروسيا والصين في التعامل مع عملاتها الوطنية في المبادلات التجارية اليومية. وكان هناك حديث بأن تقوم السعودية بتسعير نفطها المباع للصين بعملة “يوان” الصينية، وتوجهت روسيا والصين وإيران في عقد الصفقات التجارية بعملاتها المحلية. ولا شك أن مثل هذه القرارات سوف تترك آثاراً سلبية على العملة الامريكية مع المدى البعيد، خاصة إذا دخلت في الأمر دول نفطية وصناعية في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا في إقرار هذه السياسات.
وحتى تحقيق ذلك، سوف تظل العملة الامريكية لها قوتها في الاقتصاد العالمي، وفي التجارة الدولية وخاصة في تسعير بعض المواد الخام الحيوية، فيما هناك الكثير من الدول في المنطقة وخارجها تضع موازناتها المالية السنوية بالعملة الامريكية، ويلجأ الكثير من المستثمرين في أوقات الاضطرابات التي تشهدها العالم بين الفينة والاخرى لاقتناء هذه العملة. وخلال الاونة الأخيرة شهدت هذه العملة ارتفاعا في مستوى سعرها مقابل العملات الاخرى نتيجة قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم الذي تشهده أمريكا والدول الاخرى في العالم.
إن ارتفاع قيم العملات المحلية كالدولار وأي عملة عالمية أخرى تساعد السياح في الحصول على مبالغ أكبر للعملات المحلية، الأمر الذي يقلل من مصاريف السفر والبقاء في الفنادق والمنتجعات لمدة أطول، إلا أن المنتجات المحلية المصنعة في تلك الدول تتأثر نتيجة لارتفاع أسعارها، وبالتالي سوف تتضرر الصناعات من جراء ذلك. وخلال الفترة الماضية شهدت بعض الصناعات الامريكية من جراء ارتفاع قيمة الدولار تراجعا في المبيعات، فيما يتطلب من المستهلكين بدفع مبالغ أكبر لشرائها. فأي ارتفاع في العملات المحلية يؤدي إلى حصول تأثيرات جانبية على المبيعات، خاصة في الدول التي تعتمد على العملات الرئيسة في العالم كالدولار واليورو والين وغيرها من العملات المعروفة، حيث ينتج عن ذلك مضاعفة الأسعار المحلية. وهذا ما نجده اليوم في الاسواق العالمية وتأثرها بسبب نقص السيولة، ودفع المزيد من الأموال للاقتراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة كما هو حاصل في أمريكا. كما نجد في العالم أن قيم السلع الاولية والمواد الخام تشهد زيادة كبيرة بسبب ارتفاع اسعار النفط والغاز بجانب القمح، والتي معظمها يتم تسعيرها بالعملة الامريكية، الأمر الذي يتطلب دفع مزيد من الاموال للحصول عليها، إلا أن لها ايجابيات في التحويلات المالية للعمالة الأجنبية إلى بلدانها الاصلية.
الاونة الأخيرة شهدت تصاعداً بقيمة العملة الروسية “الروبل” نتيجة لقرار بيع النفط والغاز الروسي، الأمر الذي ساعدها في تحقيق الكثير من الايجابيات المالية. ويأتي هذا القرار بسبب العقوبات التي فرضتها أمريكا والدول الاوروبية على روسيا بسبب الازمة مع اوكرانيا، وسيودى هذا الامر إلى أن تجني موسكو عشرات المليارات من الدولارات شهريا من مبيعات الطاقة إلى الدول المستهلكة. وسوف تترك هذه القرارات آثارا سلبية على التعاملات بالدولار الامريكي في حال توجه دول أخرى بتسعير منتجاتها المهمة بعملاتها المحلية.