مزرعة الحيوان، رواية للكاتب جورج أورويل، صدرت في العام ١٩٤٥، رواية ألهبت الشارع الثقافي وقتها، ومايزال لها صدى إلى اليوم، وبالقرب من الحيوانات، نقرأ قصصا من المستحيل أن نقرأها في مكان آخر، إن معاناة الألم لدى الحيوان أقل عن الإنسان، فإذا مرض الحيوان ولم يشف سريعا، فإنه يموت سريعا، فلا يعاني المعاناة التي قد تمتد لسنوات طويلة مثل الإنسان، فهو لا يحتاج إلى تعلم دروس في الصبر والتحمل، أو ترقية النفس، أو غسل الذنوب.
تلد البقرة، فيندفع إليها صغيرها بقوة، وبمجرد أن يقترب من الضرع نرى مهارته الشديدة في اختيار آلية وزاوية الوقوف، والتقام الضرع وامتصاصه بانتظام دون أن يغص باللبن مهما زادت سرعته، ثم يضرب الضرع برأسه بين فترة وأخرى لإدرار المزيد من اللبن. نقف مشدوهين أمام هذا المشهد المتقن جدا، تخرسنا القدرة الإلهية، بهمة ولد منذ ساعة، فعرف أمه، وأتقن كل هذا الفن. كما نقف مندهشين لامتلاك كتاكيت الطير الفن نفسه، فعندما يكتمل نموها داخل البيضة ويحين وقت الخروج، يكون في منقارها ما يشبه قطعة الألماس تكسر بها قشرة البيضة بإتقان، ومن مكان محدد لا يتغير، ليمتد التكسير في حلقة محكمة، وبمجرد انتهاء المهمة تسقط القطعة من المنقار، وتخرج الكتاكيت باحثة عن الدفء والجفاف، فقد تبقى يومين بدون طعام، لأنها تملك مخزونا منه في معدتها من بقايا صفار البيضة.
ولد جدي أبيض جميل لشاة تلد لأول مرة، رفضت إرضاعه، كلما اقترب منها ابتعدت عنه، أخذ يقفز ويلعب في الطرف الآخر، فقد يأس منها. عندما دخلت الحظيرة واقتربت منها، بدأت تتحرك بعصبية شديدة، شعرت أنها تريد حماية الصغير، وعندما أمسكت به بدأت تصيح في وجهي وترفس بقوة.
جلست بجوارها وأمسكت بالجدي الصغير، وقربته إلى ضرعها، أسرع بالتقاطه بمهارة، بينما بقيت أمسد على ظهرها كي تبقى هادئة ولا تمنعه، عندما شبع تركته، وقمت كي أغادر الحظيرة، تبعني وأخذ يمشي خلفي لمسافة ثلاثة أمتار، فجأة سمعت من الشاة صوتا مكتوما وخافتا جدا، توقف الجدي الصغير فجأة، نظر إلي ونظر إليها، وأعاد النظر إلي وإليها متحيرا، أعادت الصوت المكتوم، تركني وعاد أدراجه إليها، سبحان الله! كيف فهم لغتها وأنا لم أفهمها؟ من علمه؟ ماذا قالت له؟ وقد كانت ترفض إرضاعه قبل قليل، كيف استوعب وانصاع لها؟ وعاد أدراجه إليها وهو المولود قبل سويعات. نقف حيارى أمام هذه القدرة الإلهية، شاعرين بالخجل والعار من غرورنا البشري، وبأننا مركز الكون.