عُمان: أقام النادي الثقافي ندوة «الإعلام الثقافي» استضاف فيها نخبة من الإعلاميين العمانيين والعرب مشاركة وحضورا، ناقشت أثر الإعلام في الثقافة ودوره في نشر الثقافات وتأثيرها على الجمهور، وأدارها محمد الرحبي.
وفي بداية الندوة أوضح الدكتور عبدالمنعم الحسني أن الثقافة منتج حضاري إنساني يقدمنا إلى الآخر، والإعلام وسيلة تنقل هذا المنتج عبر الوسائل المختلفة الإذاعية والتلفزيونية والصحفية والإلكترونية، وهذا الجدل الشائك يتبدد إذا حددنا المصطلحات بشكل أكبر، مضيفا إنه لا يمكن أن يتعرف عليها الآخر بدون إعلام، وهذه العلاقة ليست حديثة العهد وإنما منذ القدم، فكانت رسائل الشعراء والأدباء على مر التاريخ هي وسائل إعلامية تقدم عبر منصات مختلفة بحسب تطورات العصر.
ويشير الحسني إلى وجود مجتمعات غنية بالثقافة وغنية بالإرث الحضاري والإنساني لكنها لم تستطع أن تنقل صورتها إلى العالم، ولم يستطع إعلامها أن يقدمها إلى العالم بالشكل الذي ترتضيه، وهنا يجب أن نحدد كيف يمكن أن تقدم الثقافة كسلعة ثقافية إنتاجية حضارية؛ حتى تستطيع أن تعبر الحدود، وفي مشهدنا العربي بشكل عام تأخرنا في علاقة نقل الإرث الثقافي عبر وسائل إعلامية قوية اقتصاديًا تنقلها إلى الآخر.
ويشير الدكتور حسني نصر إلى أن ما نتج لدينا من إعلام ثقافي تولد نتيجة التزاوج بين الإعلام والثقافة، وهو كل محاولة لنقل الثقافة من عقول المبدعين ومن خبرات وتراث المجتمع إلى الجماهير، والإعلام بطبعه وسيلة جماهيرية، وعندما تنتقل الثقافة إلى جموع الناس يصبح ما يسمى بالإعلام الثقافي وهو نوع من الإعلام المتخصص الذي يخاطب نخبًا متعددةً داخل المجتمع، وينقل إلينا المعلومات عن كل أشكال المنتج الثقافي الذي يتم إنتاجه داخل مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى.
موضحًا أن هذا التزاوج منذ بدايات الإعلام في العالم، وكانت وسائل الإعلام دائمًا هي الجسر الذي تعبر عليه الثقافة إلى الناس، لذلك يتحدث الباحثون عن تنمية الثقافة العامة في المجتمع، ونشر الثقافة بين جميع فئات المجتمع، والثقافة لا تقتصر على المنتج الثقافي التاريخي أو التراثي المتمثل في العادات والتقاليد والتراث غير المادي، وإنما تشمل كل صور الإبداع الإنساني.
ويضيف نصر: إن وسائل الإعلام من وظائفها الأساسية أن تثقف الناس، فالتثقيف يرتبط بنقل كل المنتجات الثقافية من عقول المبدعين عبر هذه الوسائل إلى الجماهير نكون قد وصلنا إلى الإعلام الثقافي، وهو لا يقل أهمية عن كل وسائل الإعلام المتخصصة الأخرى، خاصة أن الإعلام في بدايته وخاصة الصحافة كان لنشر الثقافة وليس لنشر الأخبار، لذلك يجب أن تولي المجتمعات العربية مزيدًا من الاهتمام للثقافة في إعلامها في العصر الحالي عصر اندماج وسائل الإعلام.
ويبين أن مفهوم الصراعات الثقافية مفهوم بدأ ولن ينتهي، وفي عالمنا العربي يجب أن نؤمن أنفسنا عندما ندخل صراعًا ثقافيًا مع الآخر، والآخر دائمًا ينظر إليه في الثقافة العربية بأنه عدو، وهو ليس صحيحًا، لذلك نتوقف عند الأمن الإعلامي الثقافي، وهو أن تتوفر لدى الدولة إمكانيات إعلامية تجعلها قادرة على مواجهة التهديدات الخارجية، تتمثل في بنية أساسية بكفاءات بشرية قوية قادرة على العمل الإعلامي بشكل جيد، ورسالة واضحة يمكن توجيهها إلى العالم، وهناك دول حققت الأمن الإعلامي بما يتوافر فيها من وسائل إعلام كثيرة، وهناك دول ما زالت على الطريق، وعلينا أن ننتبه أننا نتعرض لصراع ثقافي، وكل دولة من حقها أن تستخدم أسلحتها للحفاظ على مصلحتها.
من جانبها، بينت الدكتورة أمامة اللواتية أن مرحلة الإنتاج الثقافي رأيناها وحاليًا نجني ثمارها، والمنتج الثقافي لا يشمل الفكرة فحسب وإنما أصبحنا نبدأ يومنا بالقهوة الإيطالية ونتغدى بالطعام الكوري، وقد نستخدم العصا الصينية في الطعام، ونتعشى بالكعك الإنجليزي، ونحن نتعايش مع مختلف الثقافات بشكل يومي لا نشعر به، ويعود ذلك لتقارب الثقافات وانكشافها على بعضها، والطفل كغيره يتأثر بالأفكار ولدينا في الجيل الحالي من يجيد اللغة الكورية والتركية بسبب اطلاعه على المنتج السينمائي، والطريقة التقليدية للإعلام بالمرسل والرسالة والمستقبل لم تعد الآن مجدية؛ لأن المرسل أصبح مستقبلا والمستقبل أرسل منتجًا للمادة الثقافية بنفسها.
مشيرة إلى أن التفوق الثقافي هو انعكاس للتفوق السياسي والاقتصادي، ولو أردنا أن نفرض ثقافتنا فنحن في الجوانب الأخرى لسنا أقوياء بالشكل الكافي، فالحضارات القديمة لم تستطع أن تصمد بعد أن خسرت قوتها الاقتصادية، والصراع السياسي يؤدي إلى تجييش الصراعات الأخرى، وهو من يقوم بتأجيج الصراعات الدينية والعرقية بين الناس من أجل كسب المصالح السياسية.
ونوهت اللواتية إلى أن الجانب الثقافي هو ما يجمع ويقرب بين الناس، ولا يمكننا اليوم أن نسمع أغنية عالمية ولا نعجب بها، من أي دولة كانت على الموجة، والموسيقى عنصر ثقافي يجمع بين الناس، والسينما والمسرح والكتب المترجمة، والثقافة المترجمة لكل المفكرين والباحثين، ونحن ننحاز إلى وسائل التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام؛ لأن الإعلام التقليدي والرسمي يصدر من جهة متحكمة تحدد ما أستقبل، في حين وسائل التواصل الاجتماعي أتحاور مع أشخاص مثلي من دول مختلفة من العالم أطلع على ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعجب بها، ويشدني الفضول إليها.
وتتابع: نفترض أن الرسالة مليئة بالمحتوى الثقافي، ونحن بحاجة لمن يقدم هذا الرسالة أن يكون مثقفًا، ووجدنا في بعض القنوات أو منصات التواصل الاجتماعي أن المحاور ليست لديه ثقافة شاملة أو الخلفية الجيدة ليكون ملمًا بتلك الأمور.