عُمان: كتب – : خليل بن أحمد الكلباني
يفرض التغير المناخي الذي يؤثر على العالم، وسلطنة عمان ليست بمنأى عنه، التحرك لإيجاد حلول للحد من تأثيراته، وتشكل البنية الأساسية المتمثلة في المباني التجارية والسكنية أحد أهم القطاعات المعرضة لهذه التأثيرات، وما خلفته الأنواء المناخية من أضرار على المباني والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة يستدعي مواكبة التقدم التقني في البناء والهندسة المعمارية للحد من أي آثار محتملة في هذا الاتجاه.
ودعا مهندسون معماريون عمانيون إلى ضرورة إنشاء كود وطني للبناء، والإسراع في إقرار قوانين تسمح باستخدام التقنيات الحديثة في البناء، وقدموا حلولا ومقترحات اقتصادية لمشكلة المناخ الحار وتبريد المباني والمنازل في سلطنة عُمان.
ويرى المهندس بدر بن ناصر الهدابي الرئيس التنفيذي لمكتب حجر الارتكاز للاستشارات الهندسية أنه حسب مواصفات البناء الموجودة في سلطنة عُمان فإنه لا توجد حماية واضحة وتصاميم خاصة بالأنواء المناخية، داعيا إلى ضرورة تغيير الكود العماني للبناء ليتحمل الأنواء المناخية، وتطوير البنية الأساسية وتصريف المياه، والتخطيط العمراني والحضري بحيث يتم نقل ما يمكن نقله من أحياء سكنية وبيوت من المناطق المنخفضة إلى مناطق أكثر أمنا وارتفاعا».
وحول المباني الجديدة وكيفية جعلها صديقة للبيئة، أشار الهدابي إلى أنه لا توجد تشريعات وقوانين محددة لها حتى الآن، ولكن البيت الصديق للبيئة يستفيد من الطاقات الموجودة في الكون، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الهواء والرياح وتقليل الاستهلاك الكهربائي في المباني وغير ذلك من الميزات، ويكون ذلك بعدة أشياء من ضمنها اختيار المواد الصحيحة مثل الطابوق العازل للحرارة واستخدام المصابيح الأقل استهلاكًا للطاقة (الأقل فولتنج) والخاصة بقلة الاستهلاك وأيضًا اختيار المكيفات ذات السعة المناسبة لذلك، وتقليل الصالات الكبيرة والنوافذ المطلة على الشمس وتحديد الموقع العام للمبنى للاستفادة من الشمس وليس الحرارة.
أما عن التقنيات الصديقة للبيئة في البناء فيقول الهدابي: «يوجد هناك الكثير من التقنيات الموجودة في هذا المجال ومن ضمنها تقنيات إعادة تدوير الماء، بحيث يجب تقسيم الماء أو تصريفه إلى المياه الرمادية واستخدامها في عملية السقي وحتى عمليات الغسيل وغيرها، كما يجب استخدام ما يسمى بـSmart Home أو (المنزل الذكي) الذي يقلل من الحرارة بحيث يتم إغلاق المصابيح والمكيفات في حالة عدم وجود شخص في المنزل، كما يوفر مقياسا واضحا لكمية الطاقة المستخدمة في المنزل أو المبنى في الوقت ذاته».
حلول اقتصادية
وتحدث «الهدابي» عن الحلول المناسبة والاقتصادية لحل مشكلة المناخ الحار ومسألة تبريد المباني والمنازل في سلطنة عُمان قائلاً: «توجد هناك الكثير من الحلول لهذه المشكلة، ولكن أولا يجب أن يكون هناك تشريع لاستخدام المواد العازلة والتي من ضمنها الطين المعالج (يستخدم في كثير من الدول المتقدمة من بينها الولايات المتحدة) وهو يقلل بشكل كبير من الحرارة وأصله مثل الصاروج المستخدم في القلاع العمانية، ولكن للأسف لا يوجد أي تشريع لذلك لأننا في سلطنة عُمان نستخدم في البناء النظم البريطانية أو الكود البريطاني، ومتى ما توافر التشريع المناسب وُجِد القانون وبالتالي يمكن استخدام هذه المواد في البناء، لأن كمية الطاقة التي تخرج من المنزل هي بسبب التكييف ولأن الطابوق غير عازل للحرارة».
ودعا الهدابي إلى الإسراع في إقرار قوانين تسمح باستخدام هذه التقنيات في البناء العماني أو الكود العماني لما لها من فوائد اقتصادية جمة وفوائد للراحة الداخلية في المنازل والمباني وتوفيرها لكل سبل الراحة ومحافظتها على الطاقة في الوقت نفسه.
تصاميم البناء
من جانبه أشار المهندس محمد بن هاشل الريامي إلى أن تصاميم البناء في عُمان وعلى ضوء القواعد المنظمة للتصاميم جيدة إلى حد ما، ولكن الموضوع لا يتعلق بالمبنى بل بالمخطط الحضري وهنا تكمن المشكلة، ومثلما حصل في إعصار شاهين فإن الفيضانات جرفت البيوت التي كانت مبنية في مناطق أودية أو في مناطق تصريف المياه، ومعظم الخسائر كانت في هذه المناطق.
أما بخصوص المباني الصديقة للبيئة فقد أشار الريامي إلى أننا في عُمان لا توجد دراسات تهتم بواقع تقييم المباني القائمة الجديدة هل هي صديقة للبيئة أو اقتصادية، وبصفة عامة لا يوجد تشريع في الوقت الحاضر ولا يوجد كود بناء وطني.
وأوضح الريامي وجود الكثير من التقنيات الصديقة للبيئة حول العالم وأحدها الطباعة ثلاثية الأبعاد، حيث إن البناء يتم في عدة أيام ويكون الهدر في مواد البناء قليلا جدا، كما توجد تقنيات أخرى وهي تقنية الهياكل الحديدية خفيفة الوزن (LGS) وتوجد مبانٍ في عُمان استخدمت هذه التقنية.
وأضاف أن هناك حلولا مناسبة اقتصاديا لمشكلة المناخ الحار التي تعاني منه سلطنة عُمان والخليج بشكل عام في فصل الصيف ومسألة تبريد المباني ضمن منظومة القمة العالمية للمناخ التي شاركت فيها سلطنة عُمان، وكذلك منظومة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وأهدافها والتي تعتبر سلطنة عُمان جزءًا منها، ومع القيام بتنفيذ هذه الأهداف ستكون هذه الحلول مناسبة واقتصادية لحل مشكلة المناخ على المدى البعيد.
كذلك أشار الريامي إلى أنه توجد الكثير من التقنيات في مواد البناء التي من شأنها تخفيف التكلفة الاقتصادية على المواطن والمستهلك، وهناك الكثير من أصحاب الشأن يلجؤون لها، ولكنهم يواجهون الإجراءات البيروقراطية، كما تتعطل الكثير من إباحات البناء بسبب عدم وجود كود بناء وعلى إثر ذلك ترفض طلبات من يتجه لإيجاد حلول لبناء أقل كلفة.
مبانٍ صديقة للبيئة
من جانبه أشار المهندس علي بن جعفر اللواتي نائب رئيس جمعية المهندسين العمانية وعضو الجمعية الملكية للمعماريين البريطانيين (RIBA) إلى أن إمكانية تصريف المياه في المباني العمانية موجودة بالفعل وإلى هذا اليوم يوجد العديد من الأمثلة على ذلك، حيث كانت هناك الكثير من المنشآت تمر السيول من خلالها بدون أي أضرار والدليل على ذلك سوق مطرح، الذي هو مجرى ماء وتدخله الأودية بدون أن تتسبب بأضرار تذكر للمحلات، والسبب أنه في السابق كان لدى الأجداد فهم ومعرفة بالطبيعة ومسارات المياه والأودية ولا يعتدوا عليها أما اليوم يوجد اعتداء بشري على مسارات الأودية والشعاب والجبال وإحراماتها، وإذا لم نتعايش مع الطبيعة أو اعتدينا عليها فإنه من الطبيعي جدًا أن نشاهد الأضرار في الممتلكات، وفي وقتنا الراهن تتزايد درجات الحرارة وهناك حاجة ماسة لإيجاد حلول جذرية لمواجهتها.
وأشار «اللواتي» إلى أن المباني الصديقة للبيئة تنقسم إلى نوعين من التقنيات، الأولى (التقنيات الطبيعية) التي لا تكلفنا شيئا وذلك من خلال توجيه المباني التي سيتم إنشاؤها مستقبلا إلى جهة الشمال للاستفادة من نسيم البحر وبالتالي تُسهم هذه الطريقة في تهوية المباني بدون استخدام الطاقة الكهربائية، وبإمكاننا أن نتجنب الواجهة الجنوبية الغربية لوقوع أشعة الشمس عليها بشكل مباشر معظم فترات العام، وبالتالي يجب تجنب وضع غرف النوم والصالات في تلك الجهة.
أما التقنية الثانية فهي (التقنيات الصناعية) وتتمثل في استخدام أجهزة تساعدنا على أن نكون أصدقاء للبيئة وتركيب مصابيح ذات استهلاك منخفض للطاقة أو أجهزة تعمل على الطاقة النظيفة.
وقال اللواتي: توجد الكثير من الحلول في قضية المناخ وارتفاع الحرارة، فأجهزة التكييف لا غنى عنها ولكن توجد هناك نوعيات من أجهزة التكييف بدأت في الانتشار باستخدام الماء، وأعتقد أنه لو كانت هناك مبادرة وطنية لتبريد المدن باستخدام مثل هذه النوعية من محركات المياه مصحوبا بالتشجير الأمثل واستخدام مواد البناء المثلى وانتشار الغطاء النباتي ما بين المباني، سنجد أن هذه التقنيات كلها مجتمعة قادرة بأن تقوم بحل مشكلة المناخ الحار، ولدينا الكثير من المساحات الشاسعة التي قد لا تحتاج إلاَّ إلى تهيئة وحتى الجبال والتلال تحتاج إلى تهيئتها إلى مدرجات والاستفادة من المياه الجوفية لإيجاد هذا الغطاء النباتي، وهذه مجموعة من الحلول الميكانيكية والزراعية وبشروط فنية محددة بالإمكان أن تسهم في هذا الملف اقتصاديا».