رغم مرور أكثر من خمسة عقود على النَّهضة العُمانية الحديثة، إلَّا أننا لم نتمكن من تنظيم معرض عالمي ضخم يسلط الضوء على ما تتميز به البيئة العُمانية من مقومات فريدة ونوعية؛ حيث إن الكثير من المعارض التي أقيمت في السلطنة خلال العقود الماضية كانت عبارة عن معارض استهلاكية وليست تخصصية كما نراها في دول أخرى.
اليوم هناك دعوات لأن تتخصص عُمان في إقامة معرض عالمي سنوي يعرض ما لديها من المقومات البيئية الجميلة والواقع الثقافي الذي تمتاز به، ويرى أصحاب هذه الدعوات أن السياحة أو البيئة- بصفة عامة- يمكن أن تكون انطلاقة مثلى في هذا الجانب؛ باعتبار أن سلطنة عُمان تعد واحدة من الدول التي تزخر بالكثير من المقومات السياحية والبيئية الجاذبة. وهذا لا يعني اقتصار الفكرة على هذا المعرض فحسب؛ بل يمكن للجهات المعنية دراسة أي مقترح آخر يضع السلطنة على الخارطة العالمية للمعارض الدولية السنوية.
وطُرحت هذه الفكرة في الجلسة الأخيرة لمجلس الخنجي الافتراضي، الذي تناوله الأستاذ عمرو عبدالله باعبود الرئيس التنفيذي لمجموعة الدار العربية للبحوث، والشركة العمانية للمعارض والتجارة الدولية؛ وذلك في إطار الجهود التي تبذلها في تنظيم معرض “كومكس 31” خلال الفترة المقبلة. هذا المعرض الذي سيقام خلال الفترة إلى 25 مايو إلى 29 الجاري بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض يعد أحد أكبر معارض التكنولوجيا في السلطنة، وثاني أكبر معرض في المنطقة نظرًا لمشاركة عدد كبير من الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة لعرض أبرز إنجازاتهم وخطواتهم نحو التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي. وبجانب ذلك هناك مجموعة من الشركات العالمية والمحلية المتخصصة بالتكنولوجيا والاتصالات وتقنية المعلومات ستتواجد بالمعرض بهدف تعزيز الوعي حول استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي. والهدف من ذلك أن يصبح هذا المعرض واحدًا من المعارض المتميزة في السلطنة وذات جودة من مستوى عالٍ يستهدف المهنيين والخبراء وكافة الشرائح المهتمة بتقنية المعلومات، والتطورات التي يشهدها هذا القطاع من النمو والتقدم التكنولوجي، ويصبح منبرًا لمناقشة أحدث الاتجاهات العالمية في مجال التكنولوجيا في العالم. كما يأتي هذا الحدث تماشيا مع الرؤية الوطنية “عمان 2040” وإعلان مسقط العاصمة العربية الرقمية للعام 2022، في الوقت الذي أطلقت فيه وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات خارطة طريق والخطة التنفيذية لبرنامج التحول الرقمي الحكومي (2021- 2025)، الذي يسعى إلى رفع مستوى الكفاءة في الأداء الحكومي وتعزيز النمو الاقتصادي عبر توظيف التقنيات الحديثة المتقدمة بهدف التميز في الخدمات الإلكترونية، وتحقيق الكفاءة والابتكار الرقمي في الحلول والنظم الأساسية، والتمكين وقيادة التغيير للتحول المؤسسي وبناء القدرات، بالإضافة إلى المشاركة الإلكترونية وتعاون مجتمعي لتحقيق مزيد من الثقة والشفافية.
هذه المعارض الدولية تثمر دائمًا عن تحقيق مبالغ ضخمة للمؤسسات التي تقوم لاحقًا بتبني المجالات والسياسات والطرق التي تحتاج إليها من أجل تحسين وتبسيط إجراءات وهندسة العمليات في المؤسسات، وإعادة تصميم تجارب الاستخدام الرقمي. كما تعمل مثل هذه المعارص على رفع الوعي المجتمعي حول الخدمات الإلكترونية بصفة عامة، وتبني إدارة ثقافة التغيير وصقل المهارات الوطنية ونقل المعرفة.
الحكومة حددت قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأن يصبح عنصرًا رئيسيًا في استراتيجية التنمية الاقتصادية للسلطنة ورؤية عُمان المستقبلية، في الوقت الذي اتُخذت فيه خطوات نحو التحول الرقمي والاستمرار في تقديم خدمات إلكترونية عبر بوابات وتطبيقات ومنصات جديدة لتحقيق هذا الهدف. وتعمل الجهات المعنية على تحديد متطلبات المهارات المستقبلية وتدريب الخريجين العمانيين الجدد على مهارات التقنيات ليتمكنوا من المشاركة في التحولات الرقمية في أماكن عملهم، ودعم توجهات وبناء القدرات للمستقبل. وبالتالي، فإن ذلك سوف يُمكِّن الأجيال الجديدة من معرفة التطورات من خلال مشاركتهم في هذا الحدث باعتبار أن معرض كومكس يعد اليوم أكبر معرض متخصص في السلطنة، بجانب معرض مسقط الدولي للكتاب الذي يُقام سنويًا. ووجود الجيل الناشئ في المعرض يتيح فرصة للتواصل مع الخبراء والحصول على المعلومات القيمة، واكتساب مهارات جديدة من خلال لقائهم وحضورهم لمعرفة الأحداث العلمية والصناعة المستقبلية للتكنولوجيا.
إن التحول الرقمي الذي تبنته عُمان كسائر دول المنطقة يعد برنامجًا شاملًا سوف يؤثر على سير العمل الداخلي لخدمات الجمهور والمؤسسات الحكومية والشركات والأفراد بطريقة تتميز بكفاءة وسرعة أكبر. وهذا ما يتطلع إليه المواطن من أجل تعزيز هذه الخدمات والوصول إلى مستويات تكنولوجية وابتكارية متقدمة في نهج الحكومة الإلكترونية. وفي هذا الإطار، تعمل الحكومة على استثمار حوالي 170 مليون ريال عماني على مدار برنامج مدته 5 سنوات لتحسين البنية الأساسية الرقمية، وإعادة هندسة الخدمات الحكومية، وتمكين الكفاءات الوطنية، وزيادة ثقة النَّاس في مجال التحول الرقمي.
ويمكن القول إن المعارض المتخصصة في أية دولة تعمل على تعزيز القدرات وتساهم في النمو الاقتصادي لها؛ الأمر الذي يؤدي إلى رفع القيمة المضافة وزيادة الناتج المحلي للاقتصاد، بجانب تعزيز النمو الاقتصادي وسبل التقدم في مختلف المجالات. وهذا ما يتطلب دراسته والعمل به لاختيار بعض المعارض المتخصصة لتصبح عمان قبلة لهذه المشاركات الدولية خلال الفترة المقبلة. وهذا لا يعني أن نتخلى عن تنظيم معارض في مجالات أخرى والتي اعتمدنا على تنظيمها في قطاعات النفط والغاز والنقل والخدمات اللوجستية، والتعليم والرعاية الصحية والخدمات المصرفية والمالية والسياحة وغيرها؛ فكلها تصبُ في مصلحة الاقتصاد الوطني، لكن جُل ما نريده هو التميز، من خلال تخصص السلطنة في تنظيم بعض المعارض الدولية الكبيرة وعلى مستوى عالٍ من التنظيم والجودة والإنتاج.