Image Not Found

الخطاب الديني في عصر العولمة والحداثة (1-8)

صادق بن حسن اللواتي

(1)

هذا البحث حسب العنوان فيه مواضيع أربعة هي : (الخطاب ، الدين ، العولمة ،الحداثة) ، وسأحاول ربط هذه المواضيع مع بعضها البعض لنرى أين هو موقع الخطاب الديني من العولمة والحداثة ، خاصة ونحن نعيش عصر التطور المعلومات والثورة المعلوماتية مستخدمين المنهج اللغوي والتاريخي والاستدلال المنطقي مع المنهج الوصفي في هذا البحث مع تطرق بسيط إلى المنهج الإستقرائي من أجل إكمال الفكرة المراد إيصالها لكم .
قد يسأل البعض هل من الضروري مناقشة المواضيع الأربعة كل على حدة ! لماذا لا ندخل في صلب البحث ؟ واقعا السؤال في محله ولكن دعوني أوضح لكم جزئية مهمة ، تصور أنك دعيت إلى ندوة أو محاضرة ماذا ستسمع ؟ شخص يتحدث وراء المبكروفون قد يكون هذا الحديث عن تجربة علمية ناجحة فهو خطاب علمي أو عن سيرة الأنبياء والصالحين فهو خطاب ديني أو عن صلح بين العشائر فهو خطاب اجتماعي أو عن حالة شهود حصلت مع شخص صوفي أو عرفاني فهو خطاب صوفي أو عرفاني ، أو عن نجاح صفقة تجارية فهو خطاب اقتصادي أو حديث عن تربية الأبناء فهو خطاب تربوي ، أو الحديث عن اتفاق بين دول فهو خطاب سياسي ، إذن كم نوع من الخطاب لدينا الأن ؟ أكثر من خطاب أليس كذلك ، خطاب ديني ، اقتصادي ، صوفي ، علمي ، اجتماعي ، تربوي ، سياسي

سؤال هل كل هذه الأنواع من الخطاب آلياته واحدة ، بمعنى إذا أراد شخص صوفي إلقاء خطابه الصوفي أليات خطابه هي نفسها إذا قام شخص و أراد إلقاء الخطاب الاجتماعي ؟ الجواب كلا ممتاز وقس هذا على جميع المواضيع مثلا الدين كم عدد الأديان في العالم ؟ الدين الإسلامي ، الدين المسيحي ، الدين اليهودي ، الدين الزراديشتي ، الدين البوذي ، الدين الهندوسي ، الدين الكونفوشي هذه الأديان متفقة مع بعضها البعض أم لا ؟
الجواب كلا فلو قلنا أن زعيم من زعماء هذه الأديان لنقل زعيم هندوسي يريد إلقاء خطابه الديني هل سيكون هو نفس الخطاب لزعيم إسلامي أو المسيحي ؟ الجواب كلا ، جيد ، ولو قلنا أن مجتمع ما يتحدث عن التطور ولكنه يعيش عصر القرون الوسطى فهل نقول هو يعيش عصر العولمة أم أنه يعيش عصر مولانا أمر بالله . من هنا كان لا بد من تحديد معالم كل موضوع على حده حتى تتضح لنا الصورة عن الخطاب أيا كان نوعه في عصر العولمة والحداثة ولأننا بصدد الحديث عن الخطاب الديني فتركيزنا سيكون فيه .

أنت أنظر إلى هذا الخطيب أو الملا هؤلاء عندما يصعدون المنبر فيما يتحدثون ؟ في الاجتماع في الدين في الفقه في التاريخ ، خطاب واحد يشمل جوانب معرفية متعددة فهو عندما يتطرق إلى كل هذه الجوانب في غضون ساعة واحدة محددة له ، هل يدرك آلية كل جانب منها من حيث اللغة والوصف والنص ؟ الجواب لا لماذا ؟ لأنه لكل جانب من الجوانب المعرفية لها آلياتها الخاصة بها ،فالخطابة ليست نزهة سياحية ياسادة .

ما هو تعريف الخطاب يقول إبن جني أن الخطاب هو (كل لفظ مفيد لمعناه) أما الأصوليين فإنهم قالوا أن الخطاب : ( لفظ متواضع عليه ، المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه) أما في المعجمات اللغوية كما جاء في لسان العرب ج1 ص 361 مادة – خطب – فإن الخطاب هو (مراجعة الكلام) وهو مصدر خاطبنه خطابا ومخاطبة إذ يعد الخطاب كلام بينك وبين الآخر جاء في سورة ص آية 23 (إن أخي هذا له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب) أي غلبني في الخطاب.

فهناك مراجعة بالكلام ليكون خطابا بين الطرفين ، ولا يتحقق الخطاب إذا انعدمت تلك المراجعة بالكلام مثلا قال تعالى في سورة النبأ آية 37 (رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون خطابا) أي لايملكون السؤال عن الثواب والعقاب أو كما جاء في سورة هود آية 37 (واصنع الفلكك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا فإنهم مغرقون) أي لا توجه لي كلاما في شأن هؤلاء فإنهم مغرقون لا محال
أما إذا أمتلك منشئ الخطاب القدرة على مراجعة الكلام أو ألهم بمقصد الوصول إلى هدفه فهذا يسمى بفصل الخطاب كما في سورة ص آية 20 (وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب) أي أنه أوصل الى المخاطب مقصد كلامه دون التباس وهذا ينطبق على منطوق القاضي عندما يقول (حكمت المحكمة حضوريا … حكما وجاهيا قابل للنقض أو الإستئناف وأفهم علنا) فالمخاطب وصل إلية مقصد الحكم القضائي دون التباس .

وهذا التعريف إذا نظرنا إليه نظرة متأنية ودقيقة نجد إنه احتوى على أمرين: الترابط الوثيق بين المعنى الإصطلاحي وبين معناه اللغوي جيد جدا تعالوا معي لنسأل ما هي شروط الخطاب ؟ يقول دكتور مصطفى الحسناوي – أستاذ اللغة العربية – جامعة القادسية – العراق أن شروط الخطاب هي ، ركزوا معي على الشروط رجاء لأنني سارجع إليها لاحقا

أولا : توفر الطرفين في عملية التخاطب منشئ الخطاب لنقل الخطيب والاخر المخاطب المتلقي أو المرسل إليه . ثانيا : وجود قصد وهدف توجيه الخطاب إلى الطرف الثاني نحن غالبا نقرأ في الوسائل التواصل الاجتماعي أن المحاضرة الليلة سيلقيها الخطيب الفلاني تحت عنوان معين ويكون العنوان جذابا ولكن عندما يبدأ الخطيب محاضرته تراه يتخبطت يمنة ويسره لا هو أكل بلح الشام ولا عنب اليمن

ثالثا صدور خطاب (لفظ أو الكلام) متواضع عليه ، بمعنى أن يصرخ في وجه المخاطب مثلا أن يقول الخطيب للمخاطب إذا لم تطبق الفتوى الفلانية للمرجع فأنت خالفت الله في عرشه ، واقعا لا يحق له قول ذلك هذا يعبر عنه الخطاب التهديدي وقد تنامى في الأونة الأخيرة في بعض المجتمعات الإسلامية .

رابعا : أن يحتوي الخطاب على رسالة ما يراد إيصاله إلى المخاطب . خامسا أن يقصد به إفهام المخاطب والتاثير فيه . سادسا : أن يكون المخاطب متهيئا لفهم الخطاب أي لديه قابلية على فهمه ويمتلك القدرة على علاجه بذهنه محاولا الوصول إليه .

نكمل بحثنا في الحلقة (2)إن شاء الله تعالى …. إلى اللقاء

(2)

مارتن لوثر الزعيم الإمريكي من أصول إفريقية والناشط السياسي والإنساني وتحديدا بتاريخ 28 اغسطس من عام 1963 م وأثناء مسيرة واشنطن للحرية، عندما عبر عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس ، ويُعتبر اليوم الذي أٌلقي فيه هذا الخطاب من اللحظات الفاصلة في تاريخ حركة الحريات المدنية، حيث خطب كينغ في 250 ألفاً من مناصري الحقوق المدنية، كما يُعتبر هذا الخطاب واحداً من أكثر الخطب بلاغة في تاريخ العالم الغربي أطلق عليه إسم ” عندي حلم ” ، وتم اختياره كأهم الخطب الإميركية في القرن العشرين طبقاً لتصويت كتاب الخطب الإميركية ، هذا الخبر نشرته صحيفة الإمارات اليوم على موقعها الإلكتروني بتاريخ 30 أغسطس عام 2017 م

الخطاب يمثل مظهر الرقي الإنساني للخطيب ، وعلامة على تطور المجتمعات وسمو فكرها ، لهذا عني به كل الأمم في كل زمان ومكان ،واتخذتها أداة لتوجية الناس وإصلاح المجتمعات . جاء في صبح الأعشى للقلقشندي ج 1 ص 253 ( أن الخطب من مستودعات سر البلاغة ومجامع الحكم بها تفاخرت العرب في مشاهدهم وبها نطقت الخلفاء والأمراء على منابرهم) وقد عدها النويري في نهاية الإرب ج15 ص 191 من العلوم المنطقيات وهي خمسة انواع ( صناعة الشعر والبديع ، صناعة الخطابة ، صناعة الجدل ، صناعة البرهان ، صناعة المغالطين في المناظرة والجدل)

من هنا نستطيع الفهم أن نظام الخطاب هي وظيفة معيارية ونظامية ، والتنظيم الواقعي يضع المعرفة وإنتاج المعرفة ضمن التطبيق الاستراتيجي بمعنى أن الخطاب لا يقف عند اللسانيات واللغة فقط ولكن يتم سحبه إلى التنظيم الاجتماعي لتحليل الواقع المعاصر ، لهذا اعتبر كانط أن التوحيد المتنوع يكون في فكرة واحدة ، والذين درسوا منطق هيجل يعرفون أن هيجل بنى مفهومه الجدلي على أقسامه أي على أقسام الخطاب لنوضح المعنى

تصور أنك طلبت من أحد معارفك الخطباء معالجة حالة اجتماعية في المحاضرة ، مثلا الاختلاط الغير المبرر له شرعا مع النساء ، واستجاب صديقك الخطيب ما طلبته منه ، وعندما وقف الأخير وراء الميكروفون أخذ يقرا المأثورات الدينية والآيات من كتاب الله ، ويفسرها لغرض معالجة الحالة التي أنت طلبتها منه ، وعندما خرجت سألك كيف وجدت محاضرتي ؟ ماذا سيكون جوابك ؟

أبسط جواب : طيب الله أنفاسك ، ولكن الواقع لم يتغير بطيب الله أنفاسك لماذا ؟ لأن هذا الخطيب لم يستطع التميزبين المفهوم والتصور ، الاختلاط مع النساء الغير المبرر له شرعا كمصطلح من حيث المفهوم شيئ ومن حيث التصور شيئ أخر ، فالخلاف المعرفي الذي يحدث غالبا يتمحور حول المفهوم وأصل المفهوم وميدان المفهوم ووظيفة المفهوم وعلاقات المفهوم ، من هنا يتولد الخلاف حول الكلمة ، وللكلمة أهمية كبيرة عند الناس ، ماذا قال الحسين بن علي لمروان عندما طلب منه مبايعة يزيد بكلمة واحدة فقط ، رد عليه الحسين بن علي قائلا : الكلمة شرف ، الكلمة نور ، مفتاح دخول الجنة على كلمة ، ومفتاح دخول النارعلى كلمة ، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة ….الخ

وهذا الذي يجعلنا أن نميز المصطلحات من حيث المفهوم والتصور في الميادين المعرفية المختلفة ، فالخطيب الذي يتصور أن المأثورات الدينية هي أساس إصلاح المجتمعات ، فإن هذا التصور ميدانه الإيدلوجيات بمعنى ، هذا الشخص الجالس أمامك في المسجد أو في قاعة المحاضرة يعرف أن القرآن كتاب الله يحتوي على مجموعة من النصوص المقدسة ، ويعرف أن النبي الأكرم (ص) قال كلاما ، و لكنه لا يعرف مدى إمكانية تطبيق هذه الآية أو تلك الرواية التي قرأتها لمعالجة الحالة الاجتماعية هل تتطابق مع الحالة أم لا ! لأنه الخطيب وظيفته الإرشاد وليست وظيفته العلاج ركزوا معي رجاء لنعرف ما هو الفرق بين الإرشاد والعلاج ؟.

خذ عينة واحدة مثلا إمراة إلى أخصائي النفسي وقل له إن هذه المرأة تحب الاختلاط مع الجنس الآخر أو العكس خذ رجلا إلى الأخصائي النفسي وقل له إن هذا الرجل يحب الاختلاط مع الجنس الآخر وأريد منك معالجة هذه الحالة ، مباشرة سيقول لك هذا الأخصائي أنا سأدرس الحالة وأرشد المسترشد إلى تحسين السلوك ، ولست طبيبا لأقدم له العلاج ، فالمرشد بنسبة للمسترشد مثل المرآة ينظر فيها بمقدار ما يريده هو رؤيته لا كما يريده المرشد ، تماما هذا الجالس في المسجد يريد أن يسمع من الخطيب بمقدار ما يريده هو لا بما يريده الخطيب ، ولكن إذا انعكست الآية وأصبح الخطيب ينظر إلى الحاضرين كمرآة له يرى فيها بمقدار ما يريده هو رؤيته فثق تماما إن هذا الخطيب فاشل ،

من هنا نفهم أن الخطاب وظيفته الإرشاد لحماية الناس من الوقوع في الأمراض والانحرافات السلوكية فالخطاب هو وقاية ، وادرهم وقاية خير من قنطار العلاج ، فالخطاب يجب أن يقدم مواضيع مبرمجة وقائية للأسوياء لئلا يصبحوا فريسة للمرض والانحراف السلوكي. وعلى هذا الأساس فإن أية محاولة تطبيقية لمفهوم في المسائل المعرفية يجب أن تأخذ إطار منهجي معين ، لأننا وجدنا في محاولة الترديد من حيث التعريف والتجزئه من حيث أن الخطاب لم ياخذ مساحته الحقيقية في الاتفاق مع الواقع وفي مجمله لا يفي بالموضوع.

مثلا أنت إسال أي خطيب : أولست تتحدث عن الأحداث التاريخية وما نتج عنها من علوم وتشكلت منها منظومات سياسية واجتماعية وفقهية وو..إلخ ما هي علاقتك بالتاريخ ؟ ماذا تتوقعون أن يكون جوابه ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (3) إن شاء الله تعالى …… إلى اللقاء.

(3)

قد يعتقد البعض أن الخطاب هو وسيلة ليترقي الإنسان مكانا اجتماعيا لأنه يستطيع أن ينقل ما يفكر به إلى الناس سواء كان هذا التفكير نظيفا أم غير نظيف المهم هناك مساحة له يتحدث فيه ما يريد فهذا الخطاب غير قائم على أسس منطقية أو ألسنية و إنما قائم على أساس التكوين والتحويل سأقرب لكم المعنى
يحكى أنه كان هنالك أربعة طلاّب جامعيين، قضوا ليلتهم في الاحتفال والمرح ولم يستعدّوا لامتحانهم الذي تقرّر عقده في اليوم التالي. وفي الصباح اتفق أربعتهم على خطّة ذكية. قاموا بتلطيخ أنفسهم بالوحل، واتجهوا مباشرة إلى عميد كليتهم، فأخبروه أنّهم ذهبوا لحضور حفل زفاف بالأمس، وفي طريق عودتهم انفجر أحد إطارات سيارتهم واضطرّوا نتيجة لذلك لدفع السيارة طول الطريق. ولهذا السبب فهم ليسوا في وضع مناسب يسمح لهم بخوض الاختبار.
فكّر العميد لبضعة دقائق ثمّ أخبرهم أنّه سيؤجل امتحانهم لثلاثة أيّام. فشكره الطلاب الأربعة و وعدوه بالتحضير الجيد للاختبار. وفي الموعد المقرّر للاختبار، جاؤوا إلى قاعة الامتحان، فأخبرهم العميد أنّه ونظرًا لهذا الظرف الخاص، سيتمّ وضع كلّ طالب في قاعة منفصلة. ولم يرفض أيّ منهم ذلك، فقد كانوا مستعدّين جيّدًا. كان الامتحان يشتمل على سؤالين فقط: السؤال الأول: ما هو اسمك؟ (علامة واحدة) السؤال الثاني: أيّ إطارات السيارة انفجر يوم حفل الزفاف؟ (99 علامة).

هذه القصة كيان من فعل وتفكير فعل هي الجرأة في تغيير الحقيقة ، والتفكير هو الهروب من الواقع ، فالفكر منع هؤلاء الطلبة من مجرد مناقشة الوضع مع عميد الكلية لعدم تمكنهم من التحضير للامتحان ، هذا التفكير أدخل الطلبة في إشكالية مع فهم مفهوم المصطلح التعليم من حيث الوظيفة ومن حيث العلاقة التي يرتبط بها التعليم مع المفاهيم المختلفة ، بمعنى أنك إذا أردت أن تغير في معنى مفهوم مصطلح طرحته للناس سواء في الدين أو الاجتماع أو الاقتصاد أيا كان المجال الذي تتحدث فيه فإنك تصنع مفهوما معينا يجب عليك أن توجد الترابط بينه وبين المفاهيم المختلفة الأخرى ، لأن المفهوم مركب متكامل وليس مركب بسيط .

مثلا لو جئت وقلت إن دفع الخمس واجب شرعا ومنكر الخمس مخلد في النار لأن الآية 41 من سورة الأنفال ذكرت بصريح العبارة ( فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامي والمساكين وابن السبيل)
سؤال : هل يمكن الاعتماد على مصطلح الخمس في الآية لتحديد مفاهيم اقتصادية من أجل بناء منظومة اقتصادية متكاملة أم لا بد من تشكيل عناصر أخرى تحدد علاقاتها مع هذا المصطلح ؟ الجواب لابد من تشكيل عناصر أخرى تحدد العلاقات مع مصطلح الخمس من حيث الوظيفة والعلاقة الترابطية مع مختلف المفاهيم ، وبدونهما لا يمكن أن نحدد مسارا للتطبيق أي مفهوم من المفاهيم ، ولكن هذا لا يعني أن مفهوما واحدا يتمتع بجميع العناصر والعلاقات مثلا هل للضرائب علاقة مع الخمس أم لا ؟ هل للزكاة علاقة مع الخمس أم لا ؟ هل لزيادة أسعار السلع علاقة مع الخمس أم لا ؟

هل الأسرة المتوسطة الدخل لها ارتباط مع الخمس أم لا ؟ كل هذه العلاقات وغيرها يجب أن تناقش ، و يجب أن تطرح بصيغة منظومة اقتصادية متكاملة حينها سيكون لدينا مفهوم متكامل عن الخمس
ولكن إذا جئت وقلت تاريخيا لم يثبت أن للخمس علاقة مع المفاهيم المختلفة لأن التاريخ تجد فيه مفاهيم متعرجة ومتشابكة مع مفاهيم أخرى . من هنا نفهم لماذا يتجه الخطيب دائما نحو الخطاب الديني ويبتعد عن الخطاب التاريخي في تفسير المفاهيم ،

نحن طرحنا في الحلقة الماضية هذا السؤال إذا سالت أحد معارفك من الخطباء ماهي علاقتك بالتاريخ ؟ ترى ماذا سيكون جوابه ؟، قبل الإجابة عليه أود التنويه للقارئ الكريم ، أنه عندما أطلب منه توجيه سؤل ما إلى المعنيين ، تأكدوا أنني قد وجهتها إلى الجهة المعنية للسؤال وحصلت على أبسط جواب وهو أن علاقتي مع التاريخ العبر التي استفيد منها ، جيد جدا .هذا الجواب وضح لنا مسار التفكير لهذا الخطيب ولكن غيره ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله أن التاريخ هو جسر لبناء الهوية الإنسانية ، إذن انتقلنا من قضية واحدة الى قضية أخرى من الاستفادة من العبر من التاريخ إلى بناء الهوية الإنسانية ولكن هذا الاختلاف هل انفصل عن التاريخ أم لم ينفصل ؟ لم ينفصل

مثلا لو جئنا وقلنا أن مفهوم الإمامة عند الشيعة جزء من أصول الدين ولكن عند أهل السنة ليست من أصول الدين هل هذا الاختلاف فصل الطرفين عن أركان الإسلام تاريخيا أم لم يفصل ؟ لا لم يفصل إذن الإمامة هل يمكن معالجتها تاريخيا أم لا يمكن ؟ لا يمكن لأن الاختلاف التاريخي لا يعني فصل القضايا عن بعضها البعض حتى لو اختلفت في المعاني فأين ستبحث عن الإمامة ؟ في الدين وليس التاريخ

سؤال إذا صعد الخطيب المنبر وقال إن فلانا شاهد الإمام المهدي (ع) والتاريخ ينقل أن المهدي (ع) قال ألا
فمن أدعى المشاهدة فهو كذاب مفتر ، أيهما نصدق الشحص الذي قال التقيت بالمهدي أم المهدي نفسه الذي قال من أدعى أنه رآني فهو كذاب مفتر ، قل لي إذا اعترف عندك شخص وقال لك التهمة التي سمعتها عني لا أساس لها من الصحة وهذا دليل مادي ملموس هل ستصدقه أم لا ؟ مؤكد ستصدقه لماذا ؟ لأنه اتضحت لديك ملامح القضية موضوع التهمة ، إذن لماذا لا تصدق المهدي (ع) وهو معصوم من الخطأ أنه لا يمكن لأحد مشاهدته في عصر الغيبة الكبرى ، وترجح مقولة إنسان ذوقه باهت هدفه دغدغة مشاعر الأخرين بإسم المهدي (ع)

كون أن المشاهدة شيء مادي و تحقيقه بحاجة إلى أن يتجسد في حدث معين تستطيع أن تحدد ملامح الوجه وحركات العيون ونبرات الصوت وبدون هذا التحديد فالخطاب لم يؤدي وظيفته في ربط المفاهيم مع اختلاف ظروفها التاريخية .

نكمل بحثنا في الحلقة (4) إن شاء الله تعالى ….. إلى اللقاء

(4)

في هذا العالم لا أحد يعيش لنفسه الكل وجد من أجل الآخرين ، فانظر إلى البحر هل يأكل سمكه ؟ لا ، النهر هل يشرب ماءه ؟ لا ، الأشجار هل تأكل ثمارها ؟ لا ، تقول دوريس سالسيدوا الرسامة الكولمبية : وفي حالة الحرب نختبرها جميعا بنفس الطريقة سواء كضدية أو الجاني لذلك أنا لا أروي قصة معينة ، أنا فقط أتناول الخبرات ، يقول ارسطو عن الخطاب : “كل واحدة منه معلمة ومقنعة في الأمور التي تحتها ، فالطب يعلم ويقنع في أنواع الصحة والمرض ، والهندسة في الأشكال التي تحدث في الأجسام ، والحساب في ضروب الأعداد ، وكذلك سائر الصناعات والعلوم الأخرى”.

من هنا ندرك أن واقع الخطاب في حركته وصيرورته إنما يفرض على الواقع ولو بشكل مؤقت ، وهذا يعني أننا بلا ريب إذا كان واقع الخطاب اجتماعيا فإنه بلا ريب يجب ان يرتد إلى الواقع الاجتماعي ، وإذا كان واقع الخطاب دينيا فإنه بلا ريب يجب أن يرتد الى الواقع الديني ، وإذا كان الخطاب علميا فإنه بلا ريب يرتد إلى الواقع العلمي ، وفي كل هذه الوقائع لا بد من إعادة صياغة الخطاب ، وقس ذلك على جميع العلوم الحياتية ، مثلا نحن عندما نمرض نذهب إلى طبيب للعلاج أليس كذلك ، سؤال هل الطبيب يأتي إلينا أم نحن نذهب إليه ؟ نحن نذهب إليه لماذا ؟ لأنه هو صاحب اختصاص في الطب ، ولكن إذا أردت أن تكون مثله فيجب عليك أن تدرس الطب حتى لو أردت أن تكون مسعفا ميدانيا عليك أن تدخل برانامج في الإسعافات الأولية حتى تستطيع أن تخدم المجتمع ، ولكن إذا جئت وقلت للناس الحاضرين لماذا لا تدخلون الدورات الفلانية هذا الواقع الاجتماعي الذي أنت تتحدث فيه سيرتد عليك اجتماعيا ، كيف ؟ ركزوا معي رجاء

أنت عندما تقرأ عن اليونانيين قبل الميلاد كيف كانت حياتهم ، كانوا يعيشون على الزراعة وكل واحد منهم كانت له قطعة أرض يزرعها ، مجتمع إقطاعي لا يختلط مع مجتمع آخر، لو احتدم النزاع بين ملاك الأراضي حول ملكية الأرض ، ما هو نوع الخطاب الذي يجب أن يلعب دوره في حل هذا النزاع ، هل بالخطاب الديني ، أم الاجتماعي ، أم العلمي ، أم التجاري أي منهم ؟ لا يوجد أليس كذلك ، إذن ماذا سيفعل الخطيب هنا ؟ ما هو دوره ؟ في القرن العاشر قبل الميلاد كان الخطيب يقف أمام القاضي ليدافع عن حق في ملكية الأرض لهذا أو ذاك ، لأنه طالما يتحدث على المنبر في حقوق الإنسان الآن وصلت حالة واقعية وضعت الخطيب في المحك .

العتبات المقدسة يتم تنظيفها يوميا بالماء والصابون من قبل المعنيين أليس كذلك نشاهد هذه المناظر على شاشة التلفاز ، و أحيانا ستجد الخطباء يشاركون مع المعنيين في تنظيف مقامات الأولياء لا بأس كل بثوابه ، هذه المناظر يشاهدها الغني والفقير، ولكن إذا خصص هذا الخطيب يوما في الأسبوع ليذهب إلى بيت الفقير ليكنس بيته وينظفه ليكون السكن لائقا بالمعنى الصحي ، فعندما يتحدث الخطيب عن النظافة سيرتد عليه هذا الخطاب إيجابيا وخلاف ذلك عليه إعادة صياغة الخطاب ميدانيا .
الآن نحن نعيش في عالم والشعوب تدفع الضرائب على الدخل وعلى السلع وعلى الخدمات ، وعلى ، وعلى ، عدد ما تشاء قائمة مطولة سؤال :- الخطيب عندما يتحدث عن دفع الخمس ،ولماذا الناس لا تدفع الخمس ولا تعير لفتاوى الفقيه أي أهمية ، هل يستطيع الخطيب أن يعوض ذوي الدخل المحدود قيمة الضرائب التي يدفعونها على السلع أو الخدمات أم لا يستطيع ؟ لا يستطيع إذن خطابه ارتد عليه أم لم يرتد ؟ ارتد عليه ، وإن لم يعد صياغته ميدانيا سيكون محل سخرية الناس وهو لا يدري ، لهذا قلت الخطابة ليست نزهة سياحية ياسادة .

هذا الإدراك لواقع الخطاب هو نتاج لبنية اجتماعية قد لا يعي البعض في ذواتهم في البداية رغم ممارستهم الخطابة ولكن سرعان من تترجم نفسها من الداخل لإدارك واقعها كيف ذلك ؟ تصور أنك قمت وصورت شخصا أخرس بكاميرا المصور الفوتوغرافي وبعد ذلك قمت ورسمت صورته على لوحة بريشة الرسام أيهما أكثر وقعا صورة الكاميرا أم اللوحة التي رسمتها بيدك ؟ مؤكد اللوحة التي رسمتها بيدك أشد وقعا ، من هنا نفهم أن الخطاب يقود إلى تشخيص المعرفة ولا يحاول التغرير بالناس ، هذه الحماقة ستجدها في الخطاب الأعجمي لا مفهومي وهي منتشرة هنا وهناك مثل كرة القدم .

وبناء على ما سبق وجب طرح هذا السؤال : هل الخطاب منفصل عن اللغة حتى نقول أن هذا خطاب أعجمي لا مفهومي ؟ ومتى يكون الخطاب أعجميا ؟ الجواب : الخطاب لا ينفصل عن اللغة وبُعد الخطاب في طرح اللغة هو بسبب غياب ضوابط تفكيك النص وآلية المنطق ماذا يعني ذلك ؟ التفكيك هو ما يستوطن في عقل المرء من البنى والنماذج وآليات تحول دون فهم الأحداث ، لأقرب لكم الصورة ، أنا وأنتم نسمع المحاضرات بطرق مختلفة إما حضوريا داخل قاعة المحاضرة ونستمع إلى الخطيب مباشرة أو عبر الشاشة المرئية وفي كلا الطريقتين الخطيب يتحدث بالنصوص أي كل ما ينطقه هو نص ، وهذا النص يحمل صورة لنموذج معين في ذهن الخطيب فيصبح هو من يملك سلطة النص .

نحن قلنا في بعض أبحاثنا أن النص له أركان ثلاث ( النص ، مؤلف النص ، سلطة النص) مثلا القرآن الكريم كتاب الله يحتوي على نصوص مقدسة ، فمؤلف النص هو الله عزوجل ، وسلطة النص بيد الله جلت أسماؤه ، لأنه هو مؤلف النص ، إذن من يملك تأليف النص هو من يملك سلطة النص ، اتضحت الصورة الآن ، ممتاز تعالوا معي لننظر إلى النص الذي ينطقه الخطيب في تفسير رواية أو حديث أو آية قرآنية هل هو من يملك سلطة النص أم لا هو مفسر للنص ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (5) إن شاء الله تعالى …..إلى اللقاء

(5)

سؤال : لو التقينا نحن مع أنفسنا في الطريق وجها بوجه ماذا سنفعل معها ؟ تصور و أنت تدخل إلى المسجد أو قاعة المحاضرة أو تمشي في الطريق ورأيت نفسك ، كيف ستتعامل معها ؟ ماذا لو رأى الخطيب نفسه جالسة أمامه ، ماذا سيفعل معها ؟ ، طبعا المهتمين بعلم الفلسفة سيقولون هذا سؤال خطأ غير منطقي ، كلامهم صحيح سؤال غير منطقي ، ولكنك كيف ستقف مع نفسك ، هذه الوقفات أنت تحتاجها وأنا احتاجها أيضا ، لأن المسير مع بني جلدتنا لا يكون إذا لم نقف مع أنفسنا ، يقول أرسطو “أصعب أنواع الصداقة هي صداقة المرء مع نفسه” ، نحن في الحلقة الماضية قلنا كل ما ينطقه الخطيب سيرتد إليه اجتماعيا ، ولكن هل يملك سلطة النص حين يفسر رواية أو حديث أم لا ؟ ركزوا معي رجاء .

ماذا تمثل الخطابة لنا ؟ هي الواسطة التي نعرف من خلالها المعارف الحياتية بمعنى أن الخطيب هو الواسطة بين المنظومة الدينية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية لنقل هذه المعارف إلينا ، مثلا المجتمعات الإسلامية خصوصا في شهر رمضان المبارك تنظم دروسا فقهية و أخلاقية و ما شابه ذلك ، الشخص الذي يجلس وراء الميكروفون ليتحدث عن مسائل فقهية هو ينقل نصوص فتوائية من كتاب الرسائل العملية للفقهاء ، قد يذكر اسم الفقيه في كلامه وقد يعمم بقوله قال الفقهاء . إذن هو واسطة بين الفقيه وبين الناس لينقل لهم فتاوى هذا الفقيه أو ذلك ،.

في هذه الحالة هو لا يملك سلطة النص ، ولكن إذا جاء وفسر نص الفتوى أو نظرية اجتماعية أو علمية المهم هو أمامه نصوص يريد تفسيرها لي ولك كي نفهم معنى النص ، جيد جدا . سؤال : عندما نسمع أنا و أنت تفسير نص ما لنقل نص فتوى الفقيه هل ما فسره الخطيب ، هو حقيقة النص أم هو اجتهاده في التفسير ؟ أنتم تقرؤون عن حياة الشعوب القديمة وكيف كانت علاقتهم مع الآلهة وقد ساد الاعتقاد أن الإله يجتبي من بين خلقه من يكون الواسطة بينه وبين مخلوقاته على حد سواء ، وهذا الاجتباه أو الاصطفاء يكون ضمن مواصفات معينة وشروط يقبلها الناس ، فعندما جاء نبي من أنبياء الله الى الناس ،الذين قبلوه كنبي أصبح البعض منهم فيما بعد كهنة ورجال الدين ،على اعتبار أن الله لا يتكلم مع الناس ككلام البشر بل كلامه يكمن وراء اللفظ ، وهناك ضروريات لا يعرف سرها إلا الكهنة ورجال الدين فعندما يكون السادن هو من يملك الحقيقة ، على الآخرين تصديقه والتسليم المطلق له .

استطاعت هذه العقلية تثبيت الواسطة لتعكس على ضرورة وجود من يتحدث بكلام الإله ، تماما هو ما نجده اليوم الذي يتصدى لشروحات الفتوائية رجل الدين وليس غيره ، فالناس يجب أن تسمع له لأنه يملك الحقيقة لنص الفتوى ، الآن المتعارف عليه في المجتمعات الإسلامية ،أنك عندما تريد معرفة حكم شرعي تذهب إلى من ؟ إلى رجل الدين ، هل تذهب إلى شخص آخر ؟ كلا ، لا تذهب ، ممتاز .

وبحسب قاعدة أن رجل الدين أو الخطيب عندما يتحدث فهو يتحدث بكلام الله لأنه هو من أنيطت إليه مهمة نقل المعرفة إلى الناس ، فالفقيه أيضا يعتبر ضمن هذه القائمة الذين يتحدثون بكلام الله لأن الجزء يتبع الكل حسب القاعدة المنطقية ، جيد ، فإذا وجدت أن الخطيب أو رجل الدين عندما يجلس على كرسي الفقاهة ويشرح للناس الفتاوى فهو يبني مصلحة واقعية ويهدم مفسدة واقعية ، لأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية . الآن هل هذا الواقع عند علماء الأصول واحد أم متعدد ، والذي يجب أن يكون هذا الخطيب ملم بهذا العلم ليميز بين الواحد التشكيكي والواحد التواطئي ، والواقع حسب المشهور واحد لا يتغير ، والإثبات ضمن معايير وشروط النص واحد أم لا ؟

الفقيه عندما يضع فتواه في الرسالة العملية ، إما عنده نص واستنبط منه حكما شرعيا أو لم يصل إلى دليل فيجتهد ويضع الفتوى على أساس اجتهاده ، جيد جدا ، إذن هناك نص بمنطوق المعصوم نسمية نص من عصر صدور النص ، مثلا صلاة الجمعة واجبة أم مستحبة ؟ لنأخذ عند الشيعة ، علما أن فقهاء أهل السنة قالوا بوجوب صلاة الجمعة في مصر (أي بلد) فيه قاض يفصل في الخصومات وفي غيره لا تجب ، فقهاء الشيعة قالوا بوجود المعصوم واجبة ، وفي غيبة المعصوم البعض منهم قالوا لا تجب والبعض ذهب إلى وجوبها حتى في عصر غيبة المعصوم .ففهم الناس النص في عصر الصدور بشكل ، وفي عصرنا فهمناه بشكل آخر، فأيهما الأصل ؟ لأن الأصل يجب أن يكون واحدا لا تشكيك ولا تواطئ ، و الأحكام تتبع المصالح والمفاسد الواقعية ، سأقرب لكم المعنى .

مثلا لنقل عندك موضوع هل إتيان صلاة الجمعة في جامع يجوز ، ولا يجوز إتيانها في جامع يبعد عن جامع (أ) 5 كيلو متر ؟ في وسائل الشيعة – الحر العاملي – حديث رقم 9392 عن الباقر (ع) ” من ترك الجمعة ثلاثا متواليات طبع الله على قلبه ” هذا النص في عصر صدور النص من المعصوم يحث على صلاة الجمعة في القرن الثاني الهجري حجة عليك أم لا ليس حجة عليك وأنت في القرن الرابع عشر الهجري ؟ في عصر النص صلاة الجمعة كانت حجة عليهم لأن الأصل الموضوعي عندهم وليس عندك .

أما في عصرك صلاة الجمعة واجبة أم مستحبة ؟ بعض الفقهاء ذهبوا إلى تخيير بين صلاة الجمعة و صلاة الظهر ، السيد السيستاني في منهاج الصالحين جزء 1 في صلاة الجمعة يقول “صلاة الجمعة واجبة تخييرا على الأظهر” لماذا قال تخييرا على الأظهر ؟ لأن عند علماء الأصول في الموضوعات إما تخيير أو إسقاط أو ترجيح ، والمشهور هو الترجيح ، ولكن بعض الفقهاء يذهبون حسب مباني الشيخ الكليني الذي كان يقول الأخذ بالتخيير ، سؤال : حكم صلاة الجمعة في الأصل واجبة أنت اسقطتها وجعلت القرار بيد المكلف يختار ما يريد حسب المصلحة والمفسدة ، لماذا اسقطت الأصل المفروض أن تثبت عليه لأن الأصل الواقعي واحد لا يتغير ؟

انتبهوا للجواب : عندما تم إسقاط الأصل عند بعض الفقهاء على اعتبار أن صلاة الجمعة لا تجب إلى بحضور المعصوم أو من ينوب عنه أمام عادل بيده السلطة ، ويراد بالعادل الشخص الذي يمارس السلطة فعلا بصورة مشروعة ويقيم العدل بين الرعية ، لهذا الفقهاء يعرفون أنهم لا يمارسون السلطة الشرعية لإقامة العدل بين الرعية ، أسقطوا الأصل ، وجعلوا أمر أصل صلاة الجمعة بيد المكلف ، فتاه الناس بين المسافة الجغرافية و المرجعية الدينية .
سؤال : هل يوجد عند الشيعة من يقيم العدل بين الرعية في عصرنا الحاضر أم لا ؟ نعم موجود وهو الولي الفقيه السيد علي الخامنئي ، من هنا نستدل بوجود الولي الفقيه بين ظهرانينا أصبحت صلاة الجمعة واجبة بلحاظ أقوال الفقهاء حول إمام عادل ينوب عن المعصوم ، له مشروعية السلطة ويقيم العدل بين الرعية .

فطالما أنت لم تأخذ لا بهذا ولا بذاك ، إذن الخطاب لم بعد يواكب بما فيه الكفاية ما حملته المعارف من مزايا حيث أصبحت رسالة الخطاب محصور في زاوية ضيقة وكأن أثره محدود ومفعوله غير ذي وقع كبير بالنتيجة الخطيب في هذه الحالة لا يملك سلطة النص حتى لو فسرها بطريقته فهو اجتهاد منه لا علاقة له بالنص إلا في حالة واحدة إذا لامس الموضوع الواقع والثبوت والإثبات .

نكمل بحثنا في الحلقة (6) إن شاء الله تعالى … إلى اللقاء

(6)

الدين ، ما هو الدين ؟ قبل الإجابة عليه ، أود توضيح أهمية التعريف ، عندما تريد التتحدث إلى الناس في موضوع ما ، لابد أن تذكر تعريف المفردات التي تستخدمها في حديثك معهم ، مثلا إذا قلت الصلاة فيجب أن تعرف للناس ، ما هو تعريف الصلاة ، أو إذا تحدثت عن التجارة فيجب أن تُعرف التجارة ، أو إذا تحدثت عن التصوف ، فيجب أن تعرف التصوف وهلم جرا . إذن لابد أن يكون لدينا تنظير للجزء الذي نتعامل معه ، لأنه هو الذي يعبر في مضمونه عن القدرة المعرفية للشخص في صياغة نسق المعلومات ، وربط العلاقات بعضها بالبعض الآخر، وهو مفتاح لكل باحث وطالب جامعي وخطيب منبر وغيرهم.

ولو جئنا إلى معرفة ما هو الدين ؟ سنخرج بسؤال آخر عن أي دين تتحدث ؟ فهناك أديان مختلفة ، هناك دين يهودي وهناك دين مسيحي وهناك دين بوذي وهناك دين إسلامي وهناك دين هندوسي ، فالدين لغة هو (1) :- نظام اجتماعي ثقافي من السلوكيات والممارسات المعينة ، وقال الآخرون (2) :- الدين له معان مختلفة منها المجازاة و الطاعة والملة والتوحيد . أما المصطلح فله أهمية كبيرة في مجال العلوم الإنسانية وغيرها ، لأن المصطلح هو الذي يبين آلية التسمية التعريفية ، والذي يعتبر أساس المناهج العلمية ، فمصطلح الدين ما هو ؟ القرآن الكريم وضع مصطلحين للدين ، ركزوا معي رجاء ،

قال تعالى (3) ” إن الدين عند الله الإسلام “، فعندنا إسلام الديني ، وعندنا إسلام الشريعة ، لهذا يطلق علينا المسلمين ، بريطانيا كانت تسمي السنة أو الشيعة في وثائقها بالمحمديون ، لأنهم يتبعون شريعة خاتم الرسل(ص) في قبال اليهود أو المسيحيين . فلكل دين ، شريعة مستقلة ، والتي فهمنا من تعبير القرآن الكريم “إن الدين عند الله الإسلام” يعني أن هناك شرائع إسلامية لهذا اعتبر البعض أن الآية (4) (ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) اعتبروا الإسلام هو ما جاءت به الشريعة المحمدية فقط،

ولكن نحن وجدنا أن هناك شرائع أخرى غير شريعة الخاتم (ص) ، الله سبحانه وتعالى وضح لنا في كتابه الصورة الدقيقة جدا في كيفية فهم الشريعة وارتباطها بالدين ، قال تعالى (5) ” شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى” إذن يتضح من خلال هذه الآية أن هناك دين واحد وشريعة واحدة لكل رسول مرسل ، وهذا الدين يتمظهر في كل زمان ومكان في شريعة معينة ، آية أخرى (6) “ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا” ولكن هذه الشريعة تعمل تحت مظلة مسمى الإسلام ، جاء في كتاب الله (7) ” ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون” إلى هنا الآمور واضحة ، أليس كذلك ، ممتاز.

نحن قلنا في بعض ابحاثنا إن أي موضوع يجب أن يدرس ضمن علم من العلوم الحياتية . الأن نحن نريد أن ندرس الدين ، ترى في أي علم يجب دراسته ، في علم النفس أم علم الاجتماع أم علم الفيزياء أم علم الأرض أم علم الفلك أم علم الإنثربلوجيا ، أي منهم ؟ بالتأكيد علم الاجتماع ، لماذا ؟ لأنه العلم الذي يجد طريقة إلى التحليل والتفكيك العقلاني لشموليات الدين ، مثلا لو جئنا وقلنا لعلم الاجتماع أن يدرس لنا نظرية الرجعة عند الشيعة الإمامية ، وقدمنا له ملخص ، أن الله سيرجع أناس إلى عالم الدنبا بعد موتهم الحقيقي ، ويبعثهم من قبورهم لنصرة دولة العدل الإلهية بقيادة المهدي (ع) أو بعد انتقال المهدي (ع) إلى الرفيق الأعلى.

هنا سيسأل علم الاجتماع من هم الذين سيرجعون ؟ الجواب : حسب النظرية الشيعية الأئمة الطاهرين دون فاطمة الزهراء فهي لن ترجع ، فبقي لدينا عشرة ائمة سيرجعون ، كلام سليم ، سؤال هل يوجد غيرهم ؟ نعم من يقرا دعاء العهد 40 صباحا سيصبح من أنصار القائم المهدي (ع)، ويجب قرأته كل صباح وهو تجديد الولاء للمهدي (ع) (8) ، جيد جدا ، ما هي صيغة الدعاء ؟ بعض المقتطفات منه “اللهم أخرجني من قبري متؤتزرا كفني شاهرا سيفي ، مجردا قناتي ، ملبيا دعوة الداعي في الحاضروالبادي.. إلخ ؟

هنا سيقول لك علم الاجتماع قف عندك ، وسيطرح عليك سؤاله الأول : هل السلاح المستخدم في عصر المهدي (ع) السيف أم البندقية ؟ الجواب : البندقية ، سيطرح جملة من الأسئلة مثلا ، لماذا ذكرتم السيف في الدعاء ، طالما هو ليس سلاح المهدي الذي سيحارب به أعداء الله ورسوله ؟ وهل هذا الدعاء مناسب بصيغته في القرن 21 ميلادي أم لا ؟ ثم هل الشخص الذي سيرجع بحاجة إلى التدريب العسكري أم إنه تدرب في القبر قبل خروجه ؟

ثم الإمام الذي سيرجع هل يعرف كل أسرار الحكومات ذلك العصر أم لا ؟ إذا يعرف من أخبره وقد خرج من عالم الدنيا وانقطع عن الاختراعات العلمية والتكنلوجية التي ظهرت من بعده ؟ وإذا لا يعرف ، فلماذا تصر على رجعته؟ أليس هذا اغتيال للعقل الشيعي ؟ أسئلة كثيرة ومحرجة أليس كذلك ، ولكن عليك أن تقوم بتحضير الإجابة لها.

من هنا نفهم أن علم الاجتماع لا يجد تأكيد على مشروعيته ، إلا في تحليل العملية التي تنخرط فيها حركة التاريخ ، وتأثير المؤسسات الدينية في حياة المجتمعات الحديثة ، فيدرس الواقع و يضع الدين ضمن عامل التطور بغية إيجاد فهم التطورالعلمي للظواهر الدينية ، وإعادة صياغة كل مشروع ديني غير مرتكز على أسس قرآنية وعلمية وعقلية ، وبتالي سيكون عندنا تحليلات مختلفة ، تجعلها تُظِهر إمكانيات جديدة في النهاية.
نكمل بحثناء في الحلقة (7) إن شاء الله تعالى …. إلى اللقاء.

المصادر
(1)موسوعة ويكابيديا
(2) الموسوعة الققهية الكويتية – درار السلاسل – جزء 4 ص 265
(3) سورة ال عمران آية (19)
(4) سورة الشورى آية (13)
(5) سورة الشورى آية (13)
(6) سورة المائدة آية (48)
(7) سورة البقرة آية ( 123)
(8) سيد إنن طاووس ، مصباح الزائر

(7)

كان حديثي فيما سبق أن علم الاجتماع عندما يدرس الظواهر الدينية يريد أن يعطي لها صياغة جديدة ضمن عامل تطور الإنسان والعقل الإنساني . نحن عندما نسمع أن هناك موضوع ديني سيتحدث به فلان من الخطباء، نفهم أن هذا الموضوع سيكون فيه إضافة جديدة في بناء الإنسان ، فالدين جاء أساسا لبناء الإنسان ، ولكن أي إنسان يريد الدين بنائه ؟

قبل الدخول إلى صلب الموضوع ، لابد من تسليط الأضواء على هذا الإنسان الذي هو محور الدين ، أيا كان هذا الدين ، سواء الدين الهندوسي أو الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي ، فكل هذه الأديان تذهب إلى بناء الإنسان ، وهذا ما نجده نحن عندما نحضر محاضرة في المسجد أو الحسينيات ، الذي يتحدث معنا إنسان مثلنا ، وكلامه موجه إلينا ، أي إلى بني جنسه ، ولكنه هل يعرف أن هذا الكلام سيوجه إلى أي إنسان ؟ فالحاضرون إما إنسان ديني أو عرفاني أو فلسفي أو تاريخي أو اجتماعي وقد يكون اللاديني .
أنتم انظروا الأن ما حدث من حولنا ، التطور في العلوم الإنسانية أم في العلوم الطبيعية ؟ في العلوم الطبيعية ،هذا التطور يوازي ما نسعى إليه في بناء وتطور الإنسان ؟ الجواب كلا .

علما أنك عندما تنظر إلى المعارف الإسلامية بشكل عام ستجد إنها تضع الإنسان في محور حديثها ، خذ مثلا ، هل وجدتم خطيبا أو عالم دين لم يتحدث عن الخمس ! الجميع يركز على الأمور المالية في الخطابة المنبرية ، سواء موافقة للمنهج القرآني أم لا ، المهم عليك أن تدفع ، لأباس ندفع ، ولكن من أجل من ندفع ؟ سيقول لك من أجل سد جوع الفقراء ، تعليم الأيتام ، وجزء أنا أخذه لأنني أتكلم نيابة عن الله ، جيد جدا .

دعونا من النقطة الأخيرة سأرجع إليها لاحقا ، لنناقش جزئية القضاء على الفقر ومحو الأمية ، نشرت الأمم المتحدة على صفحتها الإلكترونية تقريرا عن نسبة الفقر خلال جائحة كورونا حيث دفعت الجائحة ما بين 88 و 155 مليون شخص إلى براثن الفقر (1) ، هذا التقرير أشار إلى تزايد الفقر بشكل عام .
ولكن بشكل خاص وتحديدا في المجتمعات الشيعية ، فقد ذكرت الدراسات الاستراتيجية (2) أن الفقر يتزايد في البحرين في المجتمع الشيعي ، ولو تتبعت في المجتمعات الشيعية الخليجية ، سترى نسب الفقر فيها مختلفة . قل لي أليس الشيعة يدفعون الخمس إلى وكيل الفقيه، إذن أين هو الإشكال في عدم قدرة الوكيل او جابي الخمس في القضاء على الفقر ؟ ركزوا معي رجاء

ظهرت دراسة في السعودية ((3) مفادها “أنه أثير في عام 2008م نقاس مهم حول الفساد في جمع الخمس وإنفاقه ، انقسم حوله الشيعة السعوديون ، فقد رد وكيل المرجع الشيعي السيد محمد حسن فضل الله في القطيف “شرق السعودية” الشيخ حسين المصطفى على بيان اصدرته شخصيات شيعية في المنطقة ، يتهم وكلاء أموال الخمس بالفساد وإنفاقه على رفاهيتهم ، وهو وصف معدى بيان أصدره مثقفون وصحافيون وإعلاميون وكتاب وناشطون اجتماعيون من الشيعة باسم ” نداء إلى المتصرفين بأموال الخمس في القطيف ” بتشويه الواقع الشيعي ورموزه نافيا ما تضمنته هذه الإتهامات “

الإتهامات التي تضمنها البيان هي : – ” شراء السيارات الفاخرة ، بناء بيوت لهم ولأقربائهم ذي طوابق متعددة ، تمضية اوقات العطلة الصيفية في االمنتجعات خارج البلاد ، الزواج مثى وثلاث ورباع ” يقول البيان ” بينما تعاني طبقات وشرائح عديدة من شعبنا من ضعف المادة وقل الحيلة وبؤس الحال”.

أحد الباحثين (4) قال ” إن أموال الخمس استخدمت منذ القديم في الصراعات الداخلية بين الفرق الشيعية ، وفي دعم المؤسسات الدينية الشيعية ، والصراع الطائفي مع خصومهم الدينين والمذهبين ، ونشر الإسلام وفقا للمذهب الشيعي” وأضاف ” إن من أكبر الأدلة على فساد أموال الخمس ، هو عدم وجود أي أثر لها على الواقع الاجتماعي للمناطق الشيعية في الخليج “. وجاء الرد على هذه الإتهامات وموقعي البيان “إنهم يجهلون فلسفة الخمس ” وكان رد الباحث ” إن دفع الخمس للفقهاء غير واجب في الشريعة إنما قال به بعض الفقهاء بناء على نظرية النيابة للفقيه في عصر الغيبة ، وهي مجرد نظرية ليست من صميم العقيدة الشيعية”.

نحن هنا من حيث التفاصيل مهمة لن نركن لأي جهة منها ، لا إلى هذا الذي قال عدم معرفة أصحاب البيان لأنهم يجهلون فلسفة الخمس ولا نريد الرد عليه ، أن سهم السادة من أين جئتم بها ، فهل أنت فهمت تشريع الخمس ؟ ولا نريد إقصاء ما ذهب إليه الباحث ، ما يهمني هنا أن الوفاق والشقاق حاضران ويرسمان لوحاتهما بكل دقة متناهية أشبه بقوس قزح .

تعالوا معي لنرى ما يقوله التيار الإصلاحي الشيعي عن أموال الخمس الشيخ ياسر عودة، لبناني الجنسية قال في إحدى محاضراته (5) ” هل من العدل والإنصاف أن يبقى في الطائفة الشيعية رجل لا يجد قوت يومه ، وهؤلاء وكلاء المراجع يقبضون ملايين الدولارات”

ويقول السيد حسن الكشميري (6) ” لو أن مدخول الطائفة من الخمس يوزع 80 % وليس مئة بالمئة بالعدالة ، ما بقي جائع شيعي في باكستان ولا الهند ولا في أفريقيا “.

ويقول المحقق والمرجع السيد كمال الحيدري (7) ” لا أقوله نقلا ولكن عن علم ، أعلام من علماء الشيعة وجدت في سراديبهم أكياس مملؤوة ، هذا مال من ؟ مال الإمام بأي حق يتصرف بها.” ويضيف ” في بعض الحسابات ذهبت أموال الخمس سدى أدراج الرياح” .ويضيف “أنا قلت لأحد أكابرهم عن هذه الأموال فأجاب ” يجب أن تكون لنا اليد العليا على الآخرين ، لابد نحن نعطي والآخرين يركضون خلفنا”.

نكمل بحثنا في الحلقة (8) إن شاء الله تعالى.. إلى اللقاء

المصادر
(1)الأمم المتحدة – اليوم الدولي للقضاء على الفقر 17-10-2021م
(2) الموقع الإالكتروني لمركز الخليج لسياسة التنمية ، طي الكتمان – اتجاهات الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي ، ريم سليم
(3) مركز الفمر الاستراتيجي للدراسات ، السعوديون الشيعة … الفكر والإشكالات ، مجموعة من المؤلفين ، ص 33-35
(4) رائد قاسم ، أموال الخمس حق الشعب وحق الوطن
(5) شبكة اليوتيوب المرئية _ قناة نبراس الميدان – كلام خطير عن الخمس
(6) المصدر السابق
(7) المصدر السابق

(8)

تحدثنا فيما مضى عن الفقر، نكمل بحثنا فيما يخص محو الأمية ، ثم نناقش كلا الموضوعين . آخر الإحصائيات التي نشرتها منظمة اليونسكو (1) أوضحت ترتيب الدول العربية حسب نسبة الأمية من مجموع عدد السكان مثلا :- العراق 20% ، عمان 5% ، البحرين 4% ، ولكن بتاريخ 31-8-2018م خطب السيد احمد الصافي وكيل السيد السيستاني ، خطبة في الصحن الحسيني تستحق الوقوف والتأمل ،
” هنالك حقائق مؤلمة عن أشخاص من صنف العاجزين عن كتابة أسمائهم وأصحاب العثرات الإملائية بأميتهم الأبجدية ، وكذلك حقائق مؤلمة أخرى عن اشخاص عجزوا عن الإدراك والوعي فخانهم التعبير الكلامي والعملي المبني على التصورات والظنون وهم ممن جعلتهم الظروف في فئة أصحاب الأمية الحضارية ” (2).

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ظهرت دراسة (3) حول الشيعة في العراق ” أجمعت النخب الشيعية على عدم وجود رمز سياسي في الوقت الراهن يمكن أن يكون جامعا للعراقيين ” ثم أضافت الدراسة ” ينافس المثقف الشيعي رجال الدين على جمهورهم فهو يقر في أعماقه بالخلاف الجذري مع رجال الدين “
هذه التجارب الإنسانية سواء في إنفاق الخمس وما رافقه من الفساد المالي ، أو كما قيل بأمية الحرف والفكر ، وكل هذا ضمن العقيدة الشيعية ، بإعتبارها كشفا واضحا عن الحقائق المستورة . هذه التجارب بلا شك سيفكر فيه المرء أنه كيف للدين أن يعزل فئة دون فئة من الإستفادة من نظام مالي ، وهذا ليس حدسا بل هي الفطرة الصحيحة في الوعي الإنساني.

يقول أميس (4) ” عندما يريد المرء أن يربط الخبرة الدينية بعمل عضوٍ أو عنصرٍ في الحياة الروحية ، فإنه يجد لذلك دوافع كبيرة من خلال الوعي الباطن. وفي هذا المجال ، يجد اؤلئك المدافعون عن تفرد التجربة الدينية ملاذا يمكنهم اللجؤ إليه “. من هنا نفهم أن الدين ينطلق من تعميم الحقائق النهائية ، والتي يجري إداركها في تجارب ذاتية منفردة أولا ، وهذه الحقائق تتطور إلى نظام متسق تستخدم في تفسير الحياة وفهمها ، وتبقى الحقائق أو تسقط مثل الحقائق الأخرى بقدر ما تحقق نجاحا في التفسير.

وهنا يصعب على الباحثين في الوقوف على درجة وعي الإنسان ،فيلتجئون إلى جمع المعلومات ليصلوا إلى أدق التفاصيل والإطلاع على الخبايا والأسرار، حيث تشير الدارسات أن اللغة والكلام لا يمثل سوى 7 % من طرق التواصل مع الناس ، الباقي يذهب إلى الحركات والإيماءات التي تترجم في عقول المتلقين دون وعي منهم ، فلو قال الخطيب ” إن الفقيه أو المرجع الديني ، يقضى العمر كله في البحث والتقصى ، حتى يستطيع استنباط حكما شرعيا واحدا ، فكيف نحن لا نصدقه على وجوب الخمس في عصر الغيبة ” كلامه صحيح لا غبار عليه ، ولكن انتبه نحن عرفنا أن الخطيب لا يمثل سلطة النص فهو لا يلامس الحقيقة التفسيرية الواقعية لفتوى الفقيه ، سأقرب لكم المعنى ، نحن عندما نقرأ القرآن الكريم ، وبعد الإنتهاء من قرأئته نقول “صدق الله العلي العظيم” لماذا نقول ذلك ؟

الجواب :- لأنه النص المقدس لامس الواقع الحقيقي ، لأننا وجدنا ما قاله رب العزة مطابق للواقع الحقيقي ، قال تعالى “ولما رأئ المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ” (5) ،إذن الواقع والنص المقدس لا ينفكان ، فكل واحد منهما يكمل الثاني ، الأمور واضحة الآن ، ممتاز .

إذن لماذا فتوى الفقيه في الخمس لا يلامس الواقع ؟ لأنه هناك منطوق المعصوم ويسمى بأصل النص ، وهناك استنباط الفقيه للحكم من منطوق المعصوم ويسمى فتوى الفقيه . ما هو أصل النص ؟ أصل النص ، أن الخمس حلال للشيعتنا حتى ظهور أمرنا ، هذا الأصل وصل عندهم وأقصد به الفقهاء أم لم يصل ؟ نعم وصل عندهم ، فأصبح حكم الخمس حكما ولائيا موقوف النفاذ ، حتى وقت ظهور أمر القائم (ع) ولا استمرارية للإباحة فيه .

أنا سأشير إلى هذه الرواية المعتبرة (6) وهناك عشرات الروايات لا يتسع المجال لذكرها “قال أبو عبد الله: أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري, فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محللٌ لهم ولميلادهم ” إذن كل الخمس محلل للشيعة .هذا أولا ، ثانيا:- منطوق فتوى الفقيه على وجوب الخمس لا يلامس أصل النص في منطوق المعصوم وهذا الذي أدى إلى سؤ استغلال السلطة ، وسؤ التوزيع فضلا عن الفساد ، نحن ذكرنا بعض الدراسات عن الخمس والفساد المالي في الحلقة الماضية ، سأضيف سطرا جديدا على سؤ استغلال السلطة .

وفقا لدراسة اجرتها وزراة التخطيط العراقية بالتعاون مع البنك الدولي فإن 32 % من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر (7) وبلغت نسبة الفقر (8) في النجف 12.5% وفي كربلاء 12 % ، هاتين المدينتين أغلب سكانها من الشيعة الإمامية والحاضنة للمرجعيات الدينية الشيعية . بالنتيجة نص المعصوم وفتوى الفقيه على طرفي النقيض، المعصوم حلل الخمس لشيعته ، والفقيه وبإسم المعصوم يأخذ من الشيعة الخمس، وهذا ما أكده أحد الفقهاء (9) من أعلام الشيعة

” قد بدأ به حسب ما في روايتها النبي الأعظم (ص) ثم أمير المؤمنين كما في رواية تفسير العسكري واستمر عليه الأئمة إلى أن أنتهى التحليل إلى الحجة بن الحسن كما في التوقيع ، وفي بعض منها التحليل عن أمير المؤمنين ، وهكذا عن فاطمة باستدعاء ثم وصل دور التحليل إلى الأئمة بعد أمير المؤمنين كما في جملة منها حتى عبروا بقولهم أحللنا بصيغة الجمع الدالة على وحدة الموضوع والحكم من جميع الأئمة المعصومين على نسق واحد فيعلم من ذلك كله أن موضوع هذا التحليل هو هذا الخمس”.

إذن ما تم رصده من معطيات وفرتها الوقائع والحوادث ، استطعنا تحديد الموانع والعوائق في القضاء على الفقر بسبب عدم المساواة في توزيع الخمس، الأمر الذي لم يستطع جابي الخمس أو وكيل المرجع الديني الحديث عن الفساد المالي في أروقة المؤسسات الدينية الشيعية ، وبالتالي استطعنا فهم الحالة التي تكون الوعي .

وهنا نطرح أسئلة حول هذه الحالة ، هل هذه الحالة خرافية أو ضبابيه أو مصطنعة يصعب تنفيذها، أم هي واقع يمكن أن يصير ؟ ثم هذه الحالة فعل عقلي معرفي أم قصد إرادي أم إنفعال عضوي تجاه بعض الأحكام الفتوائية .

بينما في المقابل وجدنا حالة الواعون بنموذجيتهم الراقية ، والذين استطاعو تأسيس منهجية لا يقل عن باق ميادين العلم دقة وعلمية، فأنجزوا بحوثهم الفقهية تلامس الواقع ، هذه الحالة في مواجهة تلك الأسئلة التي توشك أن تتحول إلى الإجابة ، يكونان طرفي علاقة سببية ، فأيهما ياترى السببب وأيهما النتيجة ؟
نكمل بحثنا في الحلقة (9) إن شاء الله تعالى …… إلى اللقاء.

المصادر:
(1)موقع المرسال الإلكتروني ، 22-2-2021م
(2) مقالات حسين فرحان ، أمية حرف والفكر ،20-3-2020م
(3) مؤسسة بيرتديش ايبرت – الدولة والأمة في مخيال الانتليجنسيا الشيعية في العراق – دكتور على طه الحمود – عمان – الأردن – 2017م – ص 27-30
(4) سيكلوجية تجربة الأديان ، إي أس أميس ، ص 291
(5) سورة الأحزاب – آية 22
(6) الوسائل – ص 544
(7) موقع العين الإخباريه – الدينار العراقي يعمق آلام الفقراء ويشمل التضخم – خطة طارئة للإصلاح – 19-4-2021م
(8) موقع الكتروني لقناة الحرة الفضائية ، 14-1-2021م
(9) فقه الشيعة – السيد مهدي الخلخالي – ج2 ص -728-729