Image Not Found

أَذَّيتيني!

Visits: 14

فاطمة بنت أنور اللواتي – شؤون عُمانية

قد لا ندرك أحيانا أننا ما زلنا نحوم في نفس الحلقة الفارغة ونحن نقرأ ونسمع الكثير عن مواضيع المواطنة والتغيير والنمو المهني وقائمة طويلة من المصطلحات الجميلة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يصعب علينا أن نستوعب أن وجودنا في عالم يتطور على الصعيد التقنيات الحديثة والرؤى المتصلة بعهدنا المتجدد الذي ننظر إليه بكل ثقة نحو إكمال مسيرة الإنسان العماني مازال بحاجة إلى رتق التصدعات العميقة التي ما زالت آثارها تنهش فينا بقوة. هذه الحلقة الفارغة التي ندور في قاعها رغم جمال المفردات الأخلاقية والمهنية التي نشدو بها يتكشف جوفها الفارغ بمجرد أن نواجه الواقع الذي قد نكون رسمنا له صورة تحاول ان تعكس تلك المفردات الجمالية. فيا ترى أين تكمن مواضع الخلل؟ ” أَذَّيتيني” كلمة لم أتوقع أن أسمعها من داخل مؤسسات خدمية في عهد نجدد فيه مسيرة العطاء وأنا -حقيقة- لم أسمعها طوال فترة عملي وتعاملاتي مع أية مؤسسة من المؤسسات، لكن مسيرتي الحياتية أبت إلا أن تكشف لي وجهًا قد لا أكون تعاملت معه مباشرة. حينما يدخل المواطن إلى مؤسسات خدمية في ساعات وأوقات حددت لخدمة المواطن فإنه ينتظر أن يسمع ويعرف ما يدور حول الموضوع الذي يراجع من أجله. نعم… قد أكون بعد تقاعدي وابتعادي عن تلك الدوائر الحكومية نسيت أو لعلي تناسيت أننا لا نتطور بحمل الشهادات أو أداء الصلوات والمناسك في أوقاتها وإنما بإدراك والتشرب بأبجديات أخلاق التعامل ومعرفة جوهر العبادات وعلاقتها بالمعاملات. لهذا بعد أن سمعت تلك الكلمة المستهجنة التي من الغريب أن يسمعها مراجع مهما بلغ عديد مراجعاته، جعلتني استعيد الجزء العلمي والتحليلي من خبرتي العلمية والمهنية لأحلل الموقف المستهجن لدي متسائلة يا تُرى ما الأسباب التي تجعل الموظف يتصرف بهذه الحدية؟ وما هو الدافع الذي يؤدي به إلى أن يصبح قليل الصبر وسريع الغضب و..و..و؟.

بعد انقطاع الاتصال المباشر مع هذا العالم سواء بسبب السفر أو محاولة الابتعاد عنه بقصد، اضطررت أن أرجع من أجل استكمال إجراءات معاملة بدأتها وبعض أفراد الأسرة قبل ما يقرب أكثر من عشر سنوات وما زالت تدور هذه المعاملة في حلقة فارغة. إن وراء فراغ هذه الحلقة أسباب كثيرة لا أريد الخوض فيها لعدم امتلاكي أدلة مادية دامغة، الا أنها فعلا تجعلني اتحرك بطريقة أحاول فهم نوعية الأشخاص الذين أتعامل معهم بعد أن مررنا بمعاناة “غياب الملف واختفائه” تارة، و تارة أخرى “إنه مسجل في الحفظ والصون لعدم المراجعة…” فمرارة المعاناة يجعلك تتساءل عن الأسباب التي تجعل هذه الملفات الجامدة تختفي وتحفظ ناهيك عما يحدث بمحتوياتها!! طرقت الباب ثم جلست أمام المهندسة التي من واجبها مقابلة المواطن في ذلك اليوم… سألتها عن الموضوع الذي قدمت من أجله من مسافة ساعة ونصف تقريبا بالسيارة. ردت بكل عصبية وبصوت عال ومن غير إعطاء مجال حتى لسماع وجهة نظري أو فهم سؤالي “أَذَّيتيني!”لقد تسابقت الكلمات خارجة من فمها بصوت عال وكأنها تحقق سبقا ما… وخرجت تلك الكلمات من فيها لأعرف بأني” أذيتها” برسالتين قصيرتين مصاغة بأدب فائق ومكالمة لم ترد عليها، وكان هدف كل ذلك معرفة تفاصيل الموضوع الذي طلبت مني هي في رسالتها المقتضبة جدا “الانتظار لمدة “شهر أو شهرين”! “الموضوع يحتاج إلى شهر أو شهرين”! كنت أتساءل ما هو المنطق خلف “شهر أو شهرين”؟ وحينما أردت أن أستوضح انطلقت كلمة “أَذَّيتيني!” وبصوت عال ودون احترام ومراعاة حق المواطن في السؤال كمراجع!…

حينما يواجه المراجع موظفا بهذا المستوى في مؤسسة خدمية حكومية وعلى درجة علمية عالية “مهندس” فالخلل مركب… خلل تعليمي و نقص في التدريب والنمو المهني في تلك المؤسسة. لكن هناك الكثير من التساؤلات حينما تنقلب تعاملات الموظف من نوع ما إلى نوع آخر. حينما زرت هذه المهندسة لأول مرة قبل أن تستلم الملف كانت شخصية أخرى، فحكمت عليها حينها: “طيبة و متعاونة وعسى خير!” وحينما تسلمت الملف تحولت الى شخصية مختلفة تماما. هذا التحول في شخصيتها قد يكون له أكثر من تفسير.

” تفسير أو توضيح” قد تكون الكلمة التي نبحث عنها والغائبة من قاموس أبجدياتنا ولا اقصد هنا التفسير الذي يحتاج الى بيان الأسباب وإنما التفسير الذين نحتاج اليه في هذه الفقرة هو بمعنى ” التوضيح”… التوضيح للمراجع والمواطن عن أسباب انتظار “شهر أو شهرين” بطريقة منطقية ومدروسة، ليستطيع المراجع أن يدرك أن الأمور ليست اعتباطية وإنما هي قائمة وفق أسس سليمة. وحينما يكون لدى الموظف ذلك التوضيح -فلا أظن- أنه سينفعل من مراجعة المواطن أو سيتهمه إنه أذاه لأنه سيدرك في أنه لم يقدم التوضيح السليم وإنه أمام تقصير في أداء مهامه. هذا التوضيح أيضا سوف يساعد في ردم الهوة التي قد يدخل منها الشيطان في أخذ حق الاخر وسيبعد مقولة “الملف كان في الحفظ” أو الملف ضائع”! أقول لهذا الموظف إن بضع كلمات توضيحية تشرح أمر ضرورة الانتظار “لشهر أو شهرين” بدلا من رفع الصوت غير الضروري في وجه المواطن و اتهامه بـ “أذتيني” سوف تجعل المواطن أكثر ثقة بك. وسوف يشعر المواطن أن ملفه في مأمن وبأنه لن يسمع لاحقا أن الملف وضع في الحفظ والصون لأنه لم يراجع أو لأنه لم يف بالطلبات التي لم تُطلب منه أصلا وهو يطرق الأبواب التي يتجاهل من وراءها سماع طرقه… من أجل الإبقاء على إشراقة العهد الجديد بهيجا.. لا بد أن “نعيد النظر”.