Image Not Found

تفاصيل عن الحياة في مسقط يرويها عالِم عراقي زارها في عام 1912

Visits: 51

أثير- تاريخ عمان – إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

نظرًا لأهمية عمان، وموقعها الجغرافي، وتشجيع سلاطينها وكرمهم فقد كانت قبلة للكثير من السيّاح من أدباء وشعراء ومؤرخين وغيرهم، ممّن زاروا عمان في فترات مختلفة وكتبوا عنها في صحفهم ومجلاتهم، أو في الكتب التي حوت سياحتهم ومنهم: السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الذي كان وصوله إلى مسقط في 12 جمادى الأولى عام 1330هـ بواسطة سفينة إنجليزية حملتْه من الهند إلى مسقط، والتَقَى في مسقط بسلطانها السيد فيصل وبعض رجالها، والصحفيين عبد المسيح أنطاكي صاحب جريدة العرفان الذي زار مسقط في عام 1907 والتقى بالسلطان فيصل، وقاسم الهيماني صاحب جريدة الفيحاء الذي زار مسقط عام 1926 وكتب تفاصيل تلك الزيارة، وحكمت شريف صاحب جريدة الرغائب، والسوّاح من مثل العراقي عبد الهادي الجواهري أخ الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، والعراقي هبة الدين الشهرستاني، والشاعر مبارك العقيلي، والأديب أحمد بن سليم، والسياسي محمد الأحمد الأسد، وغيرهم.

وسنعرض هنا جانبًا من زيارة إحدى تلك الشخصيات وهو السيد هبة الدين الشهرستاني المفكر والسياسي العراقي الذي زار مسقط في صفر 1331هـ الموافق يناير 1912 في طريقه إلى الهند.

أهمية الزيارة

تكتسب هذه الزيارة أهميتها في أنها تسجّل لنا الأوضاع العامة في السلطنة مطلع القرن العشرين، من حيث طبيعة السكان والموارد الاقتصادية، وبعض القيم والعادات الاجتماعية، كما تعرّفنا بعدد من الشخصيات البارزة في عمان بتلك الفترة، وأبرز الصفات التي كان يتسم بها السلطان فيصل بن تركي، وترسم صورة عامة لمسقط من حيث موقعها، ومناخها، وأبرز أنشطتها، ومعالم التطور فيها.

كما أن هناك إشارة مهمة إلى مخطوط فكري ألفه الشهرستاني أثناء وجوده بعمان وهو مخطوط ” فيصل الدلائل في أجوبة المسائل”، والذي هو عبارة عن أسئلة ومناقشات دارت بين السلطان فيصل بن تركي وحاشيته وبين هبة الدين الشهرستاني، في دلالة واضحة على مدى الانفتاح الفكري لدى السلطان، وتشجيعه للنقاش والحوار، كما أن المخطوط أشار إلى أمرٍ مهم خرجت به تلك النقاشات وهو “دعوة المسلمين إلى الاتفاق والحفاظ على الدين، واعتماد الوسائل التي تساهم بارتقاء الأمم، مع الدعوة لإصلاح الأفكار لأنها الأساس لكل عملية إصلاح”.

صاحب الزيارة

هو السيد علي بن حسين العابد بن محسن الصراف، المعروف بهبة الدين الشهرستاني، ولد بسامراء لأسرة علمية، فوالده الحسين من علماء سامراء، كما كان لوالدته مريم أثر واضح في توجهاته وميوله الفكرية، وقد غادر إلى كربلاء حيث تلقى علومه الأولية فيها، ثم انتقل إلى مدينة النجف بعد وفاة والده ليكمل تحصيله العلمي هناك، حيث مكث فيها ستة عشر عامًا درس خلالها على يد عدد من العلماء مثل محمد كاظم الخراساني وآية الله محمد الطباطبائي.

أسس الشهرستاني مجلة تدعى (العلم)، وكان من الداعين إلى وجوب اتحاد المسلمين وإعلان الجهاد ضد إيطاليا التي احتلت طرابلس عام 1911، كما انضم إلى حركة المقاومة بعد وصول القوات الإنجليزية إلى العراق، وشارك في معارك الكوت، والقرنة، والشعيبة.

وبعد تأسيس المملكة العراقية اختاره الملك فيصل الأول وزيرًا للمعارف في وزارة النقيبية الأولى في سبتمبر 1921، غير أنه قدم استقالته من الحكومة في أغسطس 1922 واعتزل العمل السياسي.

استمر هبة الدين بدعواته الإصلاحية حتى وفاته فجر يوم الإثنين 6 فبراير 1967، حيث دفن في مكتبته ( مكتبة الجوادين العامة) التي أسسها داخل الصحن الكاظمي.

نحو عمان

يصف لنا الشهرستاني في بداية توجهه إلى عمان خط سير رحلته منذ خروجه من البحرين وحتى وصوله مسقط، ونوع وسيلة النقل التي استقلها، وأبرز الأماكن التي مر بها؛ حيث يذكر: “خرجت من البحرين عصر السبت 3 صفر سنة 1331هـ (الموافق 11 يناير 1912) إلى مركب (بحرين) من جملة المراكب العربية، وأقلعت الباخرة صباح الأحد في الساعة سابعة غروبية، ووصلت (لنجة) صباح الإثنين الساعة الرابعة غروبية، والجبال من (لنجه) متواصلة إلى نواحي بوشهر وهي واقعة عن يسار السائر إلى بومبي وفي القرب منها قرى صغيرة في سفح جبل شناس (شناص)، وبقربها جزيرة كبيرة في البحر اسمها جزيرة كيس (كيش)”.

كما يصف الشهرستاني الباخرة التي ركبها: ” باخرة (بحرين) التي ركبتها من البحرين هي باخرة من بواخر الشركة العربية وتحمل (2000) طن، وهي أصغر من بواخر (فالتو)، وللشركة العربية الآن خمسة بواخر في الخليج هن: (بحرين)، و(كويت)، و(فارس)، و(بدري)، و(القلد)، والسهم في هذه الشركة بقدر 500 روبية، وأصحاب السهام (الأسهم) لا يتصرفون في المنافع ولكنهم يجمعون بالمنافع ويشترون منها بواخر أخرى”.

في سلطنة عمان

وقد استغرقت رحلة الشهرستاني من البحرين إلى مسقط حوالي ستة أيام، حيث وصل مسقط يوم التاسع من صفر سنة 1331هـ، الموافق 18 يناير 1912 وهو وقت يعد طويلا نسبيًا إلا إذا كان قد توقف في موانئ أخرى تقع على الطريق.

“وصلنا صباح الجمعة إلى مدينة مسقط فحططنا الرحل فيها، ولما استخبر سلطانها السيد فيصل أرسل الحاج أحمد الشبيلي معتمده الخاص لتعيين مقر ضيافتي، فعيّن (جنينة) الحاج الميرزا حسين أحد التجار الأحرار في مسقط، وكانت جنينةً لطيفة في سفح جبل، وبها قصر، ثم زرت السيد فيصل فأبدى لي السرور والشوق التام، وجرت بيننا محادثات في موضوعات شتى، وصرفنا عنده الحلواء (الحلوى) والمرطبات)”.

ونجد في الفقرة السابقة إشارة إلى إحدى الشخصيات البارزة في تلك الفترة وهو خان بهادر أحمد بن محمد الشبيلي الذي ينحدر من أسرة حضرمية الأصل استقرت في الهند، كان معاون جمعية الإخاء التي تأسست في عهد السلطان فيصل بن تركي، كما كان السكرتير الخصوصي للسلطان تيمور بن فيصل، وألقى خطاب تعيين السلطان سعيد بن تيمور بعد تنازل والده السلطان تيمور له في فبراير 1932، رافق السلطان سعيد بن تيمور أثناء سفره للدراسة في بغداد عام 1927، وكان يقرض الشعر ويقوله، وله أبيات عديدة، وهو من صمّم النيشان السعيدي زمن السلطان تيمور بن فيصل.

كما أن هناك إشارة إلى بعض المصطلحات من مثل (الجنينة) والمقصود بها الحديقة الملحقة بالمنزل، ولا تستخدم هذه الكلمة في عمان وتستبدل عوضًا عنها بمصطلح (الباغ) وهي كلمة فارسية تعني البستان، كما أشار الشهرستاني إلى الحلوى المسقطية التي كانت تقدم في الضيافة العمانية.

ثم يصف السلطان بقوله: ” أما هو فرجلٌ كهل حسن الأخلاق جدًا لطيف المعشر، ترابي المزاج، يصافح حتى الأطفال والعبيد ولا يراه الإنسان إلا باسم الثغر كأنه ملاء نشاطًا وأريحية، لم أجد في ملوك العرب مثله، ورأيت رعاياه يفادونه بالمال والروح”.

بعدها يشير الشهرستاني إلى عدد من الشخصيات العمانية القريبة من السلطان التي قامت بزيارته يوم وصوله: “وفي عصر ذلك اليوم زارنا جماعة من خاصة السيد مثال الحاج إبراهيم محمد جمعة، ومحمد بن عبد الله، والسيد إبراهيم العراقي، وسالم أفندي المصري، والشبيلي، وغيرهم”.

ولعلنا نشير هنا إلى شخصية الحاج إبراهيم محمد جمعة وهو الشيخ إبراهيم بن محمد بن جمعة من أسرة “آل جمعة” المعروفة في مسقط، كان جده الشيخ درة بن جمعة واليًا على مسقط زمن السلطان سعيد بن سلطان، كما يعد عمه الشيخ علي بن جمعة من أبرز الشخصيات السياسية والتجارية التي ظهرت في زمن السلطان ثويني بن سعيد وأخيه السلطان تركي، وكان وسيطًا بين سلاطين عمان وزنجبار، بالإضافة إلى كونه تاجرًا معروفًا، وكذا كان والده الشيخ محمد بن جمعة الذي حصل على شهادة قيادة السفن الشرعية وكان شريكًا لأخيه علي في عدد من السفن والنشاطات التجارية.

أما الشيخ إبراهيم بن محمد فبالإضافة إلى نشاطه التجاري، فقد كان مقربًا من السلطان فيصل بن تركي، كما جمعته علاقات ودية مع سلاطين زنجبار كالسلطان حمود بن محمد وابنه السلطان علي بن حمود، وكان مبعوث مجلس الوزراء إلى خصب عام 1932 لحل إحدى المشاكل السياسية هناك.

أما سالم أفندي المصري فيبدو أنه كان أحد الموظفين العرب العاملين في إحدى القطاعات الإدارية كالجمارك مثلًا، حيث حرصت الحكومة العمانية منذ بداية القرن العشرين على الاستعانة ببعض الخبرات العربية والهندية في عدد من المجالات الإدارية وبالأخص في مجال الجمارك والحسابات.

وصف مدينة مسقط

وصف هبة الدين الشهرستاني مدينة مسقط في أكثر من موضع، حيث ذكر موقعها وتأثير الجبال عليها، ومصادر الماء بها، واستحكاماتها الدفاعية:

“مسقط بلدة صغيرة محفوفة بالبحر والجبال من كل جهة حتى إن الجبال تظلل على البيوت صباحًا ومساءً من الشمس كما تظلل الجدران على صحن الدار، لكن هوائها في غير أيام الحر طيّب رطب، وماؤها حلو من عيون جبالها، وآبارها العذبة، والزرع يكون فيها قليلًا، وقد بنى السيد فيصل في قلل جبالها قلاعًا ومقاتيل حربية، ولهم احتراس شرس من العدو”.

كما أشار الشهرستاني إلى أهم ملامح المدينة من حيث سورها وكيفية الدخول من بواباته وبعض القوانين المرتبطة بذلك:

” لبلدة مسقط سور وله ثلاثة أبواب يجلس فيها عساكر السيد مع أسلحتهم، ومن قوانين الباب أن راكب الحمار لابد وأن ينزل احترامًا للحرس حتى يمر عنهم فيركب ومن كان عباؤه على رأسه ينزلها على كتفه، ومن كان على وجهها برقع ترفع البرقع عن وجهها”.

من عادات أهل مسقط

وصف الشهرستاني بعض العادات التي تميز بها سكان مسقط وعمان، ومنها تلك المتعلقة بالنظام العام للدولة، أو تلك الخاصة بالأفراد، ومنها:

“من العادات في مسقط أنهم يضربون الطبول بعد الساعة الثالثة من الليل ويطلقون ثلاثة بندقيات علامة قطع سبيل المارة وتجوّل العسس وصعود الحراس إلى مراصدهم في قلاع الجبال، ومنها حملهم السلاح ولا سيما الخنجر في جميع الأحوال للزينة لا للخوف من العدو”.

وقد لا يقصد الشهرستاني بالساعة الثالثة ليلًا التوقيت المتعارف عليه حاليًا، لكنه كان يستخدم التوقيتات المستخدمة في زمنه كالساعة العربية والساعة الأفرنجية والتوقيتات الزوالية والغروبية، وهي تواقيت قد لا تستخدم اليوم بشكلٍ شائع لدى العامة.

كما أشار إلى جوانب لغوية متعلقة ببعض المصطلحات المستخدمة ومنها: “عرب أهل مسقط يقولون للملعقة (قفش) ولفتح الشيئ إبطاله، وللبستان (باغ)، ولغتهم العربية مزيج من الفارسية والهندية وغيرها لأنها (بندر)”.

ويشيد الشهرستاني ببعض القيم التي لاحظها أثناء زيارته ومن بينها جدّيّة السكان وبغضهم للكذب بقوله: “ومن محاسن عادات مسقط وعرب عمان أن صفة الكذب قبيحة عندهم جدًا وربما لا تكاد توجد فيهم من قلّتها، والسباب قليلٌ بينهم، والجدّ فيهم أكثر من الهزل، ومجالسهم في شهر رمضان تدور على مقابلة القرآن وتصحيح قرائته، كما أن مجالس الشيعة في عاشور تدور على عزاء الحسين”.

ونلاحظ دقّة الشهرستاني في رصد بعض الخصوصيات المجتمعية وبالأخص عند افتراق الأشخاص المتقابلين عن بعضهم، وهي ملاحظات قد لا يدركها كثير ممن زاروا عمان واحتكوا بأهلها: “ومن عادات أهل مسقط أنهم عندما يفترق أحدهم عن صاحبه يقول له (حاجة غرض أماره)، أي هل عندك حاجة أو غرض أو أمر حتى أمتثله لك؟، ومن عاداتهم أنهم لا يقدرون على التلفظ بالجيم إلا بصورة كاف فارسية حتى علمائهم وحتى في صلواتهم وتلاوتهم”.

كما يشير الشهرستاني إلى عادات أخرى متعلقة بالزيّ العام ونوعية اللبس لدى الرجال والنساء في عمان:

“ومن عادتهم حمل الخنجر والمفضّض حتى أن عالم البلدة وفقيهها إذا خرج يحمل الخنجر والعصا، ومن أقبح الأشياء عندهم شرب الدخان وحلق اللحية، والنساء في عمان يكتفين بالمقنعة على الرأس وشيوع عادة كشف الوجه والكفّين بين أعراب البوادي في عمان ونجد والحجاز والعراق دليل على أن هذه العادة أقدم من المسلمين من عادة سترهما “

اقتصاد سلطنة عمان

لم يغفل الشهرستاني بكونه رجلا عاما وأديبا مثقفا وصاحب مجلة أن يشير إلى اقتصاد السلطنة في وقت زيارته لها، وهو هنا لا يكتفي بالإشارة العامة وإنما يدعم معلوماته بالأرقام، وهو بذلك يقدم خدمة مهمة للباحثين في تاريخ عمان الاقتصادي لمعرفة أبرز مداخيل الخزانة العمانية مطلع القرن العشرين وتأثير الأحداث السياسية عليها:

“أما واردات السيد فيصل فإنه يأخذ من الإنكليز في كل سنة (85000) روبية تتعلق بإمضاء والده لورقة منع تجارة الرقيق من زنجبار، ثم من كمرك (جمرك) بر عمان من الأشياء بالمئة خمسة، وكان محصول الكمرك قبل عشرين سنة نحو (150000) روبية ثم بلغ أيام شيوع تجارة الأسلحة إلى (400000) روبية، لكنه من بعد منع هذه التجارة في العام الماضي (1912) قلّ وصار نحو (250000) روبية، وترد للسيد فيصل من الكوادر (جوادر) وهي أرض في كرجي (كراتشي) يملكها السيد، في السنة (30000) ريال فرانساوي، وترد له بعض الزكوات والهدايا، وهو مع كل هذه الواردات مديونٌ دائمًا من كثرة ما يبذل للفقراء والواردين وللمتصلين، وله (2500) روبية في شركة المراكب العربية، لكن له ولرعاياه جميعًا في شركة المراكب (100000) روبية، ويعطي في الشهر لأخيه السيد محمد مئة ليرة”.

أبناء السلطان

ذكر الشهرستاني أولاد السلطان فيصل وهم: تيمور، ونادر، وحمد، وسالم، وعلي، وملك، وشهاب شقيق تيمور، كما أشار إلى ترتيبهم الزمني، وذكر أن للسلطان بنتين، ولأخيه السيد محمد بن تركي ستة من الأولاد.

وقد أغفل هبة الدين ذكر بعض أبناء السلطان وهم السيد حمود بن فيصل والد السيد سيف بن حمود السياسي والصحفي المعروف في زنجبار ومؤسس جريدة النهضة، والسيد عباس بن فيصل ابن السلطان الأصغر والذي كان لا يتجاوز من العمر الخامسة أو السادسة وقت زيارة الشهرستاني لمسقط، وربما لم يره أو يلتقي به وبالتالي لم يذكره ضمن قائمة أبناء السلطان.

أصدقاؤه في مسقط

تعرف السيد هبة الدين الشهرستاني أثناء زيارته إلى مسقط على عدد من الشخصيات السياسية والتجارية والدينية، بالإضافة إلى السلطان وأفراد الأسرة الحاكمة، ذكر مجموعة منهم وهم: السيد فيصل بن تركي بن سعيد سلطان عمان وابنه وولي عهده السيد تيمور، والشيخ راشد بن عزيز الخصيبي رجل الدين المعروف وعضو مجلس الوزراء خلال العشرينيات من القرن العشرين، والحاج أحمد الشبيلي الذي وصفه الرحّالة بأنه متفرنج يعرف الهندية والتركية والإنجليزية والفارسية والعربية.

ومنهم كذلك الحاج إبراهيم محمد الجمعة الذي وصفه بأنه “شيخ هرم طري القلب طيب الخلق وأن ابنه محمد صاحبهم في الباخرة”، والسيد محمد بن تركي أخو سلطان مسقط الذي وصفه الشهرستاني بأنه “كهلٌ يعشق العلوم الدينية”، والسيد عبد الكريم الصفوي إيراني كهل متولي مآتم الإيرانية في مسقط، والحاج ميرزا حسين الأصفهاني بن محسن ابن الحاج عبد الباقي النجفي وهو بحسب ما ذكره الشهرستاني “تاجر حر إيراني معتمد عند السلطان فيصل وعند القنصل الإنجليزي ومرجع الإيرانية”، والسيد يوسف الزواوي وذكره الشهرستاني بأنه “سيد هرم تاجر مثري محيوي عند السلطان فيصل، يعرف الفارسية والهندية والعربية متمدن متدينٌ خليق”.

وقد أوردت “أثير” في تقريرٍ سابق معلوماتٍ عن شخصية السيد يوسف بن أحمد الزواوي وأبرز محطات حياته، وهو يوسف بن أحمد بن محمد الزواوي، ذكر ابن رزيق أن جده محمد الزواوي قد قدم إلى عمان من الإحساء في عهد السيد سعيد بن سلطان هاربًا من أتباع محمد بن عبد الوهاب، وكان محمد الزواوي من فقهاء المذهب الشافعي، واتصل الزواوي وأولاده بالأسرة الحاكمة، بالإضافة إلى عمله السياسي كانت ليوسف الزواوي تجارة واسعة امتدت ما بين العراق والكويت ومسقط ومصر وأندونيسيا وبلاد فارس والهند وكراتشي، وفتح عدة مكاتب تجارية في تلك الدول، ويعد يوسف الزواوي وولده عبد القادر وكيلين لشركات سلاح إقليمية وأجنبية في مسقط، وكان يوسف الزواوي في بعض الأحيان يقدم الدعم والقروض الشخصية للسلطان فيصل بن تركي كما يقدم قروضًا لميزانية الدولة، توفي عام 1924 في مذبحة الأشراف التي حدثت بالطائف.

كما ذكر الشهرستاني شخصيات أخرى منهم صالح بن فاضل بحراني الخيّاط، وعلي بن عسكر وهو إيراني، والسيد سالم بن فيصل رئيس جمعية الاتفاق.

وقد يقصد الشهرستاني السيد حمد بن فيصل الذي كان وقتها رئيس جمعية الاتفاق كما أشار إلى ذلك مجلة (لغة العرب) العراقية في عددها رقم (6) الصادر في ديسمبر 1912.

أما في مطرح فقد ذكر الشهرستاني مجموعة من الشخصيات من بينهم: الحاج محمد كريم بنجاب، ومحمد بن علي محمد الدلال، والحاج محمد علي الذي ذكر الشهرستاني بأنه تاجر غزير العقل ثروته 50000 روبية.

الفواكه في عمان

تناول الشهرستاني أثناء تدوينه لتفاصيل زيارته إلى مسقط أبرز المحاصيل التي تشتهر السلطنة بإنتاجها ومن بينها:

“الفواكه الناشئة في جبال عمان وبلاده التمر والرمان بلا نواة ولا شحم، واللوز والموز وقصب السكر والخوخ والنارجيل والليمون المعروف”.

جمعية اتفاق عمان

كما أشار الشهرستاني إلى موضوع آخر مهم ألا وهو تأسيس بعض الجمعيات الخيرية التي بدأت في الظهور بعمان وبلاد الخليج مطلع القرن العشرين تحت تأثيرات خارجية مختلفة، ومنها (جمعية الاتفاق) الذي ذكر الشهرستاني أن أعضاءها قدموا له دعوة زيارة ناديهم حيث لبّى الدعوة وألقى عليهم درسًا في معنى الاتفاق ولوازمه.

“زارنا في 10 صفر جمعية (اتفاق عمان) وهم نيف وعشرون نفس، وليلة 14 صفر طلبوا حضوري في ناديهم فزرتهم وألقيت عليهم درسًا في معنى الاتفاق ولوازمه، وطلبوا مني أن أعيّن لهم مسلكًا وبروجرامًا وهداية إلى المطبوعات النافعة”.

وقد شهدت مسقط كذلك في عام 1911 تأسيس (جمعية الإخاء) التي رأسها ولي العهد وقتها السيد تيمور بن فيصل، والتي قامت بعدد من المشاريع من بينها مشروع مصنع الثلج في مسقط عام 1911، والتي كانت “أثير” قد تناولته في تقريرٍ سابق.

مطرح

لم يغفل الشهرستاني ذكر مدينة مطرح القريبة التي زارها أثناء وجوده في عمان، حيث وصف طريقة وصوله إليها ووسيلة النقل المستخدمة، ومونات النسيج السكاني بها:

” نزلت إلى سياحة المطرح صبيحة 13 صفر فركبنا البحر بسفينة تسمى لديهم (هوري) واستأجرناها ذهابًا وإيابًا بروبية واحدة، وكان معي جماعة، وبعد نصف ساعة وصلنا المطرح وهي بلدة صغيرة خلف جبال مسقط فيها نحو ألفين نفس وشيعتهم نحو (1000) نفس.. وللنصارى البروستان الأمريكان دعاة منتشرة في المطرح ونواحيها ومستشفى ومكتبة”.

وفي الفقرة السابقة إشارة إلى النشاط التبشيري الذي كانت تقوم به بعض الجمعيات المسيحية الأمريكية وقيامهم ببناء مستوصف صحي، وتوزيع نسخ من كتب الإنجليز، وأنشطة تعليمية متنوعة.

زيارة السلطان

لم ينس الشهرستاني أن يشير إلى زيارته للسلطان في يومٍ لاحق وحضوره لمجلسه والنقاشات التي دارت بينهما:

“زرت السيد فيصل صباح الجمعة 16 صفر سنة 1331هـ للموادعة، فالتمس تأخير المسير إلى أسبوع، وكان من عادته أنه إذا حضر عنده أحد لا ينفك من السؤال عن المسائل العلمية والدينية والاجتماعية، وكلما تعب حثّ وزراءه وأرحامه أن يسئلوني، وربما صرخ عليهم قائلًا: اغتنموا مجالس حضرة السيد. فالأولى أن أجمع رسالةً من أسئلته لنفع العموم وأسميها (فيصل الأقوال) أو فيصل الحق، وكانت أسئلته يوم الجمعة هذه على سبيل الإجمال”.

وقد وضع السيد هبة الدين مخطوطة بهذا الشأن سماها (فيصل الدلائل في أجوبة المسائل) وهي في خزانة مكتبة الجوادين العامة بالروضة الكاظمية، وجاء في مقدمتها: ” الحمد لله رب العالمين والصلوات على محمد وآله الطاهرين أما بعد فقد وقفني ربي عز شأنه أثناء رحلتي للهند سنة 1331 هـ لزيارة حضرة السلطان المعظم، الأمير الكبير المفخم فخر ملوك العرب والعجم جلالة السيد العربي فيصل بن تركي سلطان عمان..”، ثم يقول: ” فالتمسني ثمة بعض الأخوة العظام أن أجمع له شطرًا من هاتيك المسائل المجابة بالآيات والدلائل..”.

كما يصف الشهرستاني حسن وداع السلطان وحاشيته له والمتمثل في الهدايا العديدة التي قدّمت له وقيام السلطان بحجز قمرة خاصة له على متن السفينة التي ستقلّه، بالإضافة إلى هدايا بعض أبنائه وحاشيته.

” ودعت السيد فيصل يوم الإثنين 19 صفر سنة 1331هـ بمسقط فقدم لي 30 جنيه، وأمر لي ببيت قمارة (قمرة) سكن بثمن 52 روبية، وأهدى لي أخوه السيد محمد عباءًة ثمينة، ثم أهدى لي ابنه السيد سالم أربعة أمنان حلوى مسقطية، وأخذ فوتوغرافي وأمر بتخلية استملنج لي، وشيّعني الأحبة (وجمعية الاتفاق) إلى باخرة (فالتو)، ثم تحركت الباخرة قبل الغروب بساعة من يوم الاثنين 19 صفر قاصدة بومبي”.

وقد غادر الشهرستاني مسقط يوم الإثنين 19 صفر 1331 هـ بعد أن مكث بها حوالي عشرة أيام ، ولم ينس وهو يغادرها في طرايقه إلى كراتشي مرورًا بجوادر وشهبار العمانيتين وقتها أن يصف موقعها الجغرافي وأبرز معالمها الحديثة كشركة الكهرباء ومعمل سكّ النقود.

“تقع مسقط عند خط عرض 22 درجة ونصف من خط الاستواء وينعدم فيه الظل يومين على ما قاله الشيخ راشد، في مسقط معمل التنوير الكهربائي ومعمل سكّة النقود، وصلت باخرتنا صباح الثلاثاء إلى بلدة (شهبار) وهي مقدمة بلاد مكران”.

المرجع

الشهرستاني، هية الدين. رحلة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني إلى الهند، تحقيق جواد كاظم البيضاني، ط1، دار مدارك للنشر، بيروت، لبنان، 2012.