Image Not Found

مكتبة القلعة

Visits: 15

محمود الرحبي – عُمان

كتب ذات يوم أمين مكتبة فرنسي في القرن السابع عشر جابرييل نودي «ما من وسيلة أكثر صدقًا ويقينًا لاكتساب سمعة عظيمة بين الشعوب من إنشاء مكتبات جميلة ورائعة، ثم تكريسها للمنفعة العامة» هناك مكتبات تأخذ شكل بناء قديم، على سبيل المثال المكتبة الوطنية في تونس.

الصورة التقليدية للمكتبة لم تعد ماثلة الآن إلا بقدر محدود وتكميلي، وقد يكون من الجمالي، علاوة على الموضوعي، وجود مكتبة وطنية في قلعة عمانية. لدينا إذن الهيكل، وبتعدد وكثرة، ما علينا سوى ملئه بما يغذي النظر والعقل.

كما أن إدخال الوسائط الحديثة في البنية الأثرية يهبها حياة جديدة. ذات مرة في مدينة بريطانية، دخلت متحفًا للسيارات القديمة كان قد قصفه النازيون. لم تتركه بلدية المدينة كما هو شاهدا على الخراب، إنما أضفت عليه حياة وتفاعلا، حين تحول إلى مكتبة حديثة. مكتبة مقروءة ومرئية. وكان من ضمن قاعات العرض، قاعة للأطفال حيث يؤدي طفل – في فيلم – دورا يكون فيه راكبا طائرة يتجول بها في مختلف مناطق إنجلترا، وبذلك يتشرب المشاهد الصغير جوانب من معالم بلاده.

الأطفال قد لا يعرفون الكثير عن بلدهم، وربما تسجل ذاكرتهم أكثر صورًا ومعلومات لبلدان زاروها برفقة والديهم، وهذا التدخل الذكي يساعدهم في تشرب ما يجهلونه عن الثروات الطبيعية لأوطانهم. هل يعرف أطفالنا الكثير عن أهم القلاع، عن التراث المائي، أهم المناطق السياحية الداخلية ومميزاتها؟ بذر المحبة يبدأ من الطفولة. ما هي حدود استثمارنا القلاع العمانية معرفيًا وسياحيًا وفنيًا؟ وهي من الكثرة بمكان. أتذكر في هذا السياق حين أنشأت قناة الجزيرة كان ثمة برنامج ظل يعاد إعلانه كل يوم ولمدة طويلة تحت عنوان «قلاع عمان ومساجد المغرب» لو تم اختيار جزء منها، أو اختيار أهمها لتكون مكتبات ومعارض لفعاليات في الثقافة والفن على شاكلة ما يحدث في جرش الأردنية. هنا سيمتزج الماضي وعبقه البعيد بتقنيات حديثه تقربه من ذهن المتفرج والعابر. ذات مرة زارت مسقط صحفية لبنانية «من جريدة الحياة اللندنية» وكانت ترى من قبل – في الصور – قلعة مطرح. وحين وصلت طلبت مني المساعدة في الصعود إليها. وكان ذلك الأمر متعذرا جدا. أبدت استغرابها لمثل هذه الموانع، التاريخ والطبيعة جادًا لعمان عطايا تراثية يتمناها كل بلد، وما علينا سوى إعمال الخيال في استغلالها.

زوايا إبداع عديدة يمكن استثمارها فنيًا وثقافيًا. أتذكر مرة في فرنسا في معد «تور» حين عرفت المدرسة جنسيتي العمانية، تذكرت رأسا كهف مجلس الجن، وهو ثاني أكبر كهف في العالم. ثم جاءت في اليوم الموالي بمجلة فرنسية وكان في صورة الغلاف ذلك الكهف العماني. وقالت لي أتمنى أن أزور بلدكم لأرى هذا الكهف الأعجوبة، وربما فعلت ذلك، من يدري؟ استثمارنا لمثل هذه التحف الطبيعية، لا يتركها فقط لكرم الصدفة. مثلا إذا ذهبت إلى هناك هل سترى من سيعرفك أكثر على تفاصيل هذا الأثر، وعدد الجولات التي دارت حوله؟ أتذكر في هذا السياق الصديق محمد بن علي البلوشي وهو أستاذ للآثار في جامعة السلطان قابوس وكان من أوائل الذين جالوا في هذا الكهف العجيب «وتسلقوه» وخبروا خباياه.

في بلدان العالم يكفي الإشارة إلى الأهرامات لمعرفة مصر. إن الجزء – لكثرة الزوار – يمكنه أن يحيل إلى الكل، فمن يسمع «برج إيفل» سيسافر ذهنه فورًا إلى باريس ومنه إلى فرنسا. الجزء الصغير نظرًا لشيوعه يكتنز في بلاغته ما هو أكبر.

حين تم تطوير مدينة طنجة المغربية هذا العام، حيث تحولت إلى مدينة مختلفة بواجهات بحرية جديدة كليا، تم إنشاء مكتبة وسائطية دائرية كبيرة، على واجهتها كتب مطلع الآية الكريمة من سورة العلق «اقرأ» هذه المكتبة الوسائطية يمكن إيجاد نماذج لها في مختلف المدن المغربية الكبرى، ناهيك عن المكتبة الوطنية في الرباط التي تعد الأكبر في القارة الإفريقية.

وأتذكر حين زرت نيوزيلندا بحثت عن المكتبة الأم في مقاطعة كرستن شرش، التي يوجد بها عدد لا بأس به من المكتبات، ولكن المكتبة الرئيسية كانت تقع في أجمل مكان بالمقاطعة، حيث وجدتها مواجهة للبحر، بزجاج شفاف، وكان كل من يقلب كتابا أو يستخدم حاسوبا، يكون وجهه ناحية المحيط البحري الحالم، الذي تحلّق تحت سمائه النوارس