Image Not Found

صناعة السينما في السلطنة

Visits: 116

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عالم الاقتصاد

لا يوجد تاريخ موثق عن السينما في السلطنة، ولكن من خلال تداول بعض المعلومات التي يتناقلها الأفراد عن كيفية دخول السينما إلى البلاد، وأهم الأشخاص الذين قاموا ببناء دور وصالات سينما بمطرح وبقية الولايات العمانية الأخرى، فقد تم تسليط الضوء عليها واستعراضها في الجلسة التي عقدها مجلس الخنجي عن بعد مؤخراً، حيث تم استقصاء تلك المعلومات والمادة العلمية للجلسة من عدة شخصيات عمانية كانت قريبة من هذا المشهد في كل من مسقط ومطرح التي عاصرتا هذا الواقع قبل عام 1970. هذه الجوانب جميعها تناولها الفاضل/ عبدالرضا بن مصطفى سلطان المدير التنفيذي لمؤسسة مصطفى بن سلطان التي تمارس تلك الأعمال التجارية في السلطنة قبل عام 1970، وبحضور عدد من رجال الأعمال والمهتمين في مجال الفن السينمائي بجانب الاعلاميين.

فتاريخ السينما في السلطنة ينقسم إلى قسمين قبل وبعد فترة السبعينيات، حيث شهدت تحولات عدة، خاصة بعد النهضة المباركة عام 1970. وقد استعرض الضيف مجموعة من المعلومات المتاحة لدية عن هذا القطاع، مشيراً إلى أن عمه المرحوم محمد جواد بن عبدالرضا سلطان ووالده المرحوم مصطفى بن عبدالرضا سلطان يعتبران من أوائل الأشخاص الذين أدخلوا هذا الفن قبل عام 1970، وبنو قاعات ودور للسينما لاحقا.

فقبل عام 1970 كانت عروض الأفلام تقام في عدة أماكن شملت البيوت والمعسكرات والمجالس (الديوانيات) والشركات الكبيرة بالاضافة إلى القصر، فيما كانت القنصلية البريطانية تقوم منذ عام 1950 بدعوة بعض الشخصيات لمشاهدة الافلام الانكليزية. وقد ورد عن سعادة مال الله حبيب المستشار السابق بوزارة التراث والثقافة في كتابه (بين عهدين) أن القصر السلطاني كان يعرض بعض الافلام خلال عامي 1958 و1959. وفي بداية الستينيات 1962 قامت القنصلية الهندية بتقديم عروض الأفلام الهندية مرة في الاسبوع، بدعوة بعض معارفهم. كما كانت شركة تنمية نفط عمان تقدّم عروضا سينمائية من خلال شاشات كبيرة لأفلام هندية وانكليزية للعاملين والجمهور أحيانا. وتشير بعض المصادر أن الجيش العماني وقعّ اتفاقية مع إحدى المؤسسات بغرض تقديم أفلام في معسكراته التدريبية بمسقط وبيت الفلج وخارجها من أجل الترفيه.

وعندما أدخلت الكهرباء إلى السلطنة لأول مرة في عام 1959، فان عروض الافلام المنزلية بمطرح تزايدت اعتباراً من عام 1964، فيما تعرف بعض العمانيين على هذا الفن من خلال تواجدهم في الدول الخليجية التي سبقتنا في هذا المجال، كما زادت لديهم ثقافة ومعرفة بأهمية مشاهدة الافلام.

وحول تجربة عائلتهم في هذا القطاع، قال الضيف بأنه خلال عامي 1965 و1966 اشترى عمه جهاز لتشغيل الأفلام الاسطوانية الكبيرة، وكان يقوم بعرض الافلام في منزله ومنازل بعض اصحابه بمطرح في حضور ما بين 30 إلى 35 شخصاً من المعارف والاصدقاء، الأمر الذي ساعد لاحقا عمه ووالده بالدخول في هذه الاعمال التجارية بعد عام 1970، وتأسيس داراً للسينما وتقديم أفلام للتأجير، والحصول على وكالات تجارية في السينما والافلام بجانب بيع الاجهزة التي كانت تعرض الافلام في المنازل. كما دخلت بيوت والاندية في المجال لاحقا.

وقال بأن عمه محمد جواد حصل على أول رخصة لبناء دار متكامل للسينما بمساعدة المرحوم السيد حمد بن حمود البوسعيدي وزير الديوان السلطاني الأسبق، مشيرا إلى أن الدار قد تم بناءه في أعقاب مجئء المرحوم صاحب جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- حيث تم بناء الدار في ظرف 40 يوماً فقط، وكانت داراً مكشوفة وتتسع لحوالي 700 شخص، فيما كانت أسعار الدخول للدرجة الاولى 350 بيسة والثانية 250 بيسة والثالثة 150 بيسة. كما احتوت على عدد من الغرف المخصصة لبعض الشخصيات الرسمية وبلكونات للعائلات. وقال بأن هذه الدار ساعدت على إنشاء صناعة المطاعم والمقاهي بالقرب منها، وكان أول عرض للسينما تم بتاريخ 18 إبريل عام 1971 للفيلم الهندي (ارادنا).

ونظرا إلى أن الجمهور كان متعطشا لمشاهدة الافلام، فقد كان عدد الحضور يصل في كثير من الاحيان إلى 1800 شخص، وكان نصفهم يرجع دون الحصول على تذكرة، فيما كانت جميع تذاكر الدخول معتمدة من قبل بلدية مسقط. وقال عبدالرضا بأنه في عام 1972 تم تأسيس الشركة (العمانية العربية للسينما) وهو مشروع بين عمي ووالدي وشركة بحرينية، فيما تم لاحقا إنشاء سينما عمان الجديدة من قبل الشيخ يعقوب بن حمد الحارثي، وتم عرض أول فيلم بعنوان (أبي فوق الشجرة) لعبدالحليم حافظ. كما تم تأسيس ركس سينما للشيخ عبدالله بن حمد الحارثي مع كل من رجال الاعمال سلطان العويس وعاطف كرم وذلك في عام 1973، إلا أن الشيخ عبدالله ألغى هذا العمل التجاري وأخذه سمو السيد ماجد بن تيمور رحمه الله.

ثم بدأت صالات أخرى للسينما تفتح في مسقط حيث تم عام 1976 بناء دار بلازا سينما واستمر حتى عام 1983، لكن توقفت هذه الدار لاحقا في تقديم العروض نتيجة لوقوعه بالقرب من مسجد السلطان قابوس بروي. وفي عام 1977 بدأت قاعة سينماء النجوم لمعالي المرحوم حفيظ الغساني بروي في تقديم العروض، وكانت تعتبر من القاعات الممتازة بخمسة نجوم، فيما كان سعر تذكرة الدخول ريالين، وما زالت هذه الدار قائمة وتقوم بعرض أفلام معظمها باللغة الملبارية الهندية. وفي السنوات اللاحقة تم إنشاء عدة صالات سينما خارج مسقط كصور ونزوى وصلالة وصحار وغيرها من المحافظات العمانية الأخرى.

واشار إلى أن عمه محمد جواد قام ببناء سينما الشاطيء الذي تتضمن عدة صالات لتشغيل ثلاثة عروض يومية، حيث بدأ أول عرض بفيلم (Mission Impossible)، ولا تزال هذه الدار تستقطب الجمهور والعائلات في أوقات مختلفة. وأضاف أنه توجد اليوم 23 قاعة لعرض أفلام السينما في السلطنة من خلال توفير 108 شاشات عروض للافلام العربية والهندية والانكليزية، وأصبحت المنافسة شديدة في هذه الاعمال. وقد أدت تجارة السينما إلى ازدهار تجارة بيع الاسطوانات والاشرطة الغنائية لتلك الافلام في تلك الفترة.

وحيث ان الاختراعات الحديثة تعمل في تعزيز المنافسة، فقد كان لإنشاء محلات استئجار الافلام وبيع أجهزة الفيديو أثرا سلبيا على حركة حضور الجماهير إلى مقار السينما خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تراجعت هذه التجارة وقلّ عدد الحضور أحيانا بواقع 40% من المعتاد. كما كان لإنشاء شركات عالمية للعروض السينمائية أثراً سلبياً على تجارة السينما في كثير من دول العالم وخاصة دول المنطقة، حيث يمكن للعائلة بأكملها الاشتراك في هذه البرامج لمشاهدة الافلام التي تعرض بمختلف اللغات.

فالمنافسة في هذا الشأن ما زالت قائمة اليوم وشرسة في البلاد وخارجها وبالتالي تتراجع العوائد السنوية من هذه التجارة في وجود شركات خاصة تعرض العديد من الافلام، في الوقت الذي دخلت الشركات الالكترونية في تصنيع عروض وشاشات كبيرة للمنازل وتصدرها إلى الكثير من دول العالم ومنها دول المنطقة التي لا يخلو منزل من هذه الأدوات الالكترونية التي أصبح يركز عليها الصغار والكبار لمشاهدة البرامج والدراسات ومتابعة برامج التعليم أيضا. ويبدو أن فيروس كوفيد 19 له دور سلبي كبير أيضا على تجارة السينما، خاصة وأن الكثير من دول العالم اغلقت هذه المؤسسات التي تستوعب مئات بل آلاف من الاشخاص في وقت واحد من أجل حماية الناس في إطار الاحترازات التي تتخذها لمكافحة فيروس كورونا. كما أن دخول بعض المنافسين إلى السلطنة من دول الخليج عزّز من هذه المنافسة، حيث تشهد السوق الخليجية منافسة كبيرة في هذا الشأن، مؤملاً بأن يتم إعادة فتح دور الصالات السينمائية مرة أخرى، خاصة وأنه يمكن التحكم في عدد الحاضرين للقاعات إذا تم فتحها مرة أخرى.

ومن أجل الترويج السياحي فقد كان رأي الحاضرين تقديم المزيد من التسهيلات من أجل تعزيز السياحة السينمائية في البلاد، باعتبار أن البلد تتمتع بوجود بيئة خصبة ومشاهد جميلة بطبيعتها الجغرافية والمناخية وتضاريسها العديدة، الأمر الذي سوف يعزز من السياحة إلى السلطنة. كما يرى هؤلاء تفعيل دور التعليم في مواضيع الفن بمختلف صورها، ومنها التمثيل، وتعزيز الجوانب الثقافية بالفن، وتفعيل دور جمعية السينما العمانية في هذه الشأن مستقبلا.