Image Not Found

المعرفة والخبرة

Visits: 28

فاطمة عبد الرضا محمد اللواتية – الرؤية

لو رجع بك الزمان إلى الوراء هل ستُغير من اختياراتك في الحياة؟ أم أنَّ الاختيارات التي قمت بها وافقت حياتك؟!

يأتي الإنسان إلى العالم بلا خيار، فهو لا يملك خيارا لجنسه ولا اسمه ولا عقيدته ولا لوالديه ولا لوطنه، ويظل فترة من عمره يعتمد على أبويه في كل شيء، إلى أن يشتد عوده ويبلغ أشدَّه، وحينئذٍ يمتلك حق الاختيار في معظم تفاصيل حياته من نوع الدراسة والمهنة التي يرغب في مزاولتها، وحق الاختيار في شريك الحياة المناسب له.

الاختيار هو اتخاذ أفضل قرار من بين الخيارات ولا تكون عشوائية وإنما معتمدة على جملة من المعلومات التي يحاول الفرد البحث عنها وعلى التفكير العميق للوصول إلى الاختيار الأنسب.

وتُصنَّف الاختيارات في الحياة إلى اختيارات بسيطة نختار معظمها دون تفكير ولا دراسة ولا بحث عن المعلومات مثل: اختيار ” الأكل، اللبس، قضاء سهرة…. إلخ “، واختيارات أساسية ومهمة لنا والتي تتطلب جهدا من التفكير، والبحث عن الكمِّ الهائل من البيانات والمعلومات، والتي لها تأثير بعيد المدى على مستقبلنا وعلى حاضرنا وعلى مجتمعنا مثل الاختيارات المتعلقة بالنواحي التجارية: ” كشراء أسهم أو الدخول في المضاربات الاقتصادية ” فيضطر للبحث عن المعلومات والقيام بالدراسة، ويتأنَّى في اتخاذ قرار الاختيار.

وأمثلة أخرى للاختيارات والتي نخضع لها في حياتنا العامة مثل: مسؤولية الاختيار للمرشح المناسب في “مجلس الشورى والمجلس البلدي”، والتي تعتبر أمانة وطنيَّة لها تبعات مستقبليَّة على الشعب؛ لذا علينا توخِّي الدقة، والموضوعية والمعرفة والأهلية للقدرات والمهارات التي يمتلكها المرشح الجدير بالثقة، وعلى أساسها يستحق الاختيار وليست التبعية أو أمور أخرى تجعل الفرد ينتخبه ويختاره لمصالح مادِّية وغيرها من الأمور، كما يحصل كثيرا في بعض المجتمعات.

ومن الاختيارات الأكثر تعقيدا الذي يُواجهها الفرد في حياته وتعتبر من الخطوات الأساسية لدى الشاب ولها تأثير على حياته في الحاضر ومستقبله المهنيِّ واتجاهاته، هي “اختيار التخصُّص الدراسي”، فبعد الانتهاء من الدبلوم العام، لا بدَّ له من دراسة كل الظروف والعوامل التي تجعله يختار هذا التخصص وعند الاختيار يضع في الاعتبار عدة أمور:

 القدرة على الإبداع وإفادة المجتمع.

 تحقيق الطموحات والأحلام لديه.

 معرفة احتياجات سوق العمل فليس منطقياً أن يختار تخصصا يفشل في الحصول على إيجاد الوظيفة.

 البعد عن التبعيَّة لأفكار الآخرين، فكل منَّا له أفكار وطموحات وقرارات مستقلة عن الآخرين.

 معرفة نقاط القوَّة في التخصُّص الذي يسعى له فليس منطقياً أن يختار تخصصا يكون فيه ضعيفا وبعيدا عن ميوله وقدراته.

وفي رأيي الشخصي فإنَّ معظم الطلاب في هذه المرحلة في سن حرجة ” ۱٧- ١٨” بحاجة للاستشارة والتوجيه والحصول على المعلومات عن التخصص الذي يرغب فيه، ويناسب ميوله ومواهبه وقدراته، ولا يستطيع القيام بذلك وحده، وإنَّما لابدَّ من مساندة الأهل والمعلمين – فقط للمشورة – وليس الاختيار بدلاً عنهم أو إجبارهم “والكثير من التجارب لأشخاص ولو رجع الزمان بهم لغيَّروا اختياراتهم في التخصص ومن ضمنهم أنا شخصيًا!”.

لكن بحمد لله تغيَّر الوضع في الآونة الأخيرة في مدارس السلطنة، إذ تم إدخال مهنة “أخصائي التوجيه المهني” والذي يعتبر من الأدوار المهمَّة في المسار التعليمي والوظيفي لمستقبل الشباب، والذي من أهدافه معرفة القدرات العقلية، والسِّمات الشَّخصية واللغوية للطالب والتي تهيئه وتوجهه للاختيار السليم حسب الميول والقدرات والإمكانات لديه.

ومن الاختيارات التي يخضع لها الفرد هي اختيار وانتقاء “المهنة المناسبة”، والتي تساهم في تغيير مسار حياته ولاتخاذ القرار المناسب لابدَّ له من التفكير، ومعرفة ذاته، وشخصيته، وتحديد الأهداف على المدى البعيد، وهل سوف تحقق طموحاته التي يسعى لها في المستقبل!؟ وهذا يتوقف على شخصية الفرد فمنهم من يرضى بالعمل ولا يفكر في الطموح،ومنهم من يتطلع للسعي للأفضل، ولكن حبَّذا على الشباب في الوقت الحاضر؛ نتيجة لشحِّ الوظائف وصعوبة الحصول على الوظيفة التي يتمناها، أن يكون صبورا ويُقْبل على الوظيفة التي يحصل عليها، ويحاول التعلم من المهنة التي لا يحبها،والكثير منَّا اضطر للعمل في المهن التي لا يحبها ؛ ولكنَّه أتقنها وأبدع فيها وأحبها واعتبرها تجربة جديدة يتعلم منها الكثير، فالمهنة التي لا تحبها تعلمك الصبر، والتعامل مع المواقف الصعبة، وتكسبك مهارات تفيدك مستقبلا للوظيفة القادمة، وتجنَّب التذمُّر والشكوى فمصير ذلك الإحباط والتشتت.

ومن القرارات المهمَّة التي يتخذها الإنسان في حياته ” قرار الزواج واختيار شريك الحياة”، فقرار اختيار تأسيس العلاقة الزوجية تحوُّل كبير في حياتنا من جميع النواحي النفسية والسلوكية والاجتماعية والفكرية والدينية، وبناءً على ذلك يجب على الشاب والفتاة التَّريُّث والتفكير الجيّد مليًّا في اختيار شريك الحياة؛ لأنها تدوم مع الإنسان وتكون المشاركة في النَّسْل والمال والأسرار وكل ما يتعلق بالحياة الزوجية، ويمكن أن تلقى بظلالها على خط سير حياته و تمتد الآثار لتصل إلى أولاده وذرِّيته،، يقول الإمام الصادق – عليه السلام – ” انظُر أين تضع نفسك، ومن تُشْركه في مالِك وتُطلعه على دينك وسِرِّك ” ولابد من كلا الطرفين التحرِّي والدقة عند اختيار شريك الحياة، وتوجد الكثير من القواعد لاختيار الشريك المناسب ليس المجال متاحا لذكرها.

ومن الاختيارات المهمة للإنسان “اختيار الصديق”؛ لأن الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانيَّة، خاصة إذا كانت الصداقة قائمة على الصدق والود والمحبة والوضوح، ووجود الصديق في حياتنا ضروري، ويعتبر الصديق ” روح إضافية وحياة جديدة وسيف بيد صديقه”، ولكنَّ الأهم أن يعرف كيف يختار الصديق بعناية؟ ويكون مبنيًّا على أسس وقواعد ثابتة من الأخلاق والصفات الحميدة، وعلى مبادئ الخير ولا يكون مبنيَّا على مصالح دنيويّة ومن أجل تحقيق الأهداف، والصديق هو الذي يقف مع صديقه في الحياة في وقت الشدة والحزن والفرح، ومن لا يحسن الاختيار يجره الصديق إلى متاهات وأجواء لا تناسبه؛ لأنه يؤثر في أخلاق صديقه وتصرفاته ويجرُّه إلى عالمه، والكثير من الشباب ضاعوا مع الصحبة الفاسدة والتي جرجرتهم إلى مفاسد الحياة ودفعوا حياتهم ومستقبلهم ثمنا لذلك.

أيها الإنسان عند اختيار صديقك ابحث عن النقاء والطيبة وابتعد عن الصديق الذي يتَّصف باللؤم والخبث والكذب، والكثير منَّا مرَّ بتجارب اختيار الأصدقاء، فمن منا لا يمتلك صديقا!!؟ فثمَّة صداقات ولدت مع الطفولة والمراهقة، واستمرت مدى الحياة، لما تمتعت به من إحساس وجداني صادق واستقرار اجتماعي مبني على أسس سليمة، ولا تزال باقية بالرغم من قلة اللقاءات ولكنَّ النيَّة الصادقة والود والإخلاص ما زال حاضرا، هكذا يجب أن تكون الاختيارات في الصداقة، لكن للأسف ثمَّة صداقات لم تدم ؛ لأنها تفتقر إلى الاستقرار، وهذا ما يحصل غالبا في صداقات هذه الأيام نتيجة للتحوُّلات الاقتصادية وما ينتج عنها من تغيُّرات اجتماعية وسيطرة القيم الماديَّة على حساب القيم الأصيلة، وبالتالي أصبحت الصداقة عبارة عن علاقات نفعية مَحْضة، حيث يحاول كل طرف أن يستغل الطرف الآخر وفي الأخير تكون لها انعكاسات سلبية، تتحول الصداقة إلى العداوة – (ولنا في ذلك نماذج وأمثلة كثيرة) -.

وأحب أن أُنَوِّه إلى أنَّ الطفل في مراحله الأولى بحاجة إلى تربية سليمة يتعلم من خلالها كيفية اختيار رفاقه وأقرانه وكيفية التعامل، من خلال الأخذ بالمواقف الإيجابية والابتعاد عن المواقف السلبية… وهنا يبرز دور الأسرة في توجيه الأبناء ومراقبة سلوكهم ومن يصاحبون من الرفقاء.

لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى وترك لنا مهمة الاختيار لحياتنا لأجل إعمار الأرض، علينا أن نقرر لاتخاذ اختياراتنا وقراراتنا بحيث تكون مبنيَّة على التفكير والمعرفة والخبرة والحكمة وعلى الثقة بالنفس والتحلي بالقوة والشجاعة، والوضوح في اتخاذ قرار الاختيار وما نريده فعلا بالتحديد، لا للعواطف ولا التخمينات أو التبعيَّة لأشخاص آخرين، إلا للمشورة وطلب النصح وهذا لا يكون إلا من أصحاب الخبرة والوالدين.