Image Not Found

خبراء ومحللون لـ الشرق: المشاريع الكبرى لم تتأثر والموازنة محمية من تقلبات النفط

Visits: 10

الشرق – عوض التوم – سيد محمد – حسين عرقاب:

بناء على خفض سعر التعادل لبرميل النفط إلى أقل من 40 دولاراً بعد 2022..

قطر تخطط للاستفادة من محفظتها الاستثمارية لتنويع مصادر الدخل والتمويل

أكد خبراء اقتصاديون ومحللون ماليون أهمية الخطوة التي أعلنت عنها قطر بالتخطيط لخفض سعر التعادل لبرميل النفط إلى أقل من 40 دولاراً بعد عام 2022، وقالوا إن هذا يعكس جانبا من التخطيط المالي في سياق زيادة الدخل وتقليل المصروفات، والعمل على تنويع مصادر الدخل. ونوه الخبراء إلى أهمية التخطيط المدروس لإطلاق مشاريع استثمارية تشكل قاعدة لتنويع الاقتصاد مع مراعاة التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية قبل التمكن من تجاوز وباء كورونا لإعادة انفتاح الاقتصادات العالمية وبدء دورة النمو العالمي من جديد.

الخاطر: قطر اعتادت التحوط في السعر المعياري للميزانية

التحفظ في التقديرات جنبنا أخطاء الآخرين وتقلبات الأسواق

هناك تفاؤل ببلوغ الأسعار مستويات 40 دولاراً بعد الانتعاش

وفي حديثه لـ الشرق، حول هذا الموضوع، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الله الخاطر، إن قطر وخلال السنوات الماضية كانت حذرة ومتحوطة في هذا الجانب، فدائما كانت متحفظة بالنسبة للسعر، ورأينا خلال تقلبات الأسواق والأزمات الماضية أن دولة قطر مكنها تحفظها في السعر المعياري للميزانية من تجاوز الكثير من المصاعب والأخطاء التي وقعت فيها بعض دول المنطقة، وخاصة الجانب المتعلق بالتفاؤل كثيرا بخصوص الأسعار. وبالنسبة لسعر 40 دولارا يحمل تفاؤلا بالنسبة لسوق النفط الذي يتنازعه حاليا مشهدان، الأول يتعلق بالانهيار الكبير للأسعار، وما زالت هناك ضغوط كبيرة على الأسعار نراها حتى اليوم، يتوقع أن يكون الارتداد سريعا بما أن شركات الزيت الصخري وحتى شركات النفط وشركات الاستكشاف، ستكون كلها في وضعية مالية غير مسبوقة من الضغوط، ولذلك بدأنا نسمع شركات الزيت الصخري تطلب الحماية من القضاء تحت ما يسمى بقانون الحماية في حالة الإفلاس. وهذا قد ينبئ أنه إذا حدثت هناك انهيارات كبيرة وإفلاسات سيتبعها تراجع سريع بالنسبة لإنتاج النفط، ولذلك قد تعود الأسعار إلى مستويات مقبولة وتتعافى بعض الشيء، وهناك أيضا بعض العودة للنشاط الاقتصادي وهو ما يعني بعض التحسن في الطلب، ومن ناحية العرض أيضا سيكون هناك تراجع وهذا كله سيدفع إلى تحسن الأسعار.

مستويات مقبولة

ويضيف الدكتور الخاطر أنه لكل الأسباب السابقة تفسر أن مستوى 40 دولارا سيكون منطقيا خلال الأعوام القادمة، إلا أن المشهد الآخر فيما يخص التراجعات في الأسعار قد تستمر بعض الشيء نظرا لأن التوقعات بتحسن الاقتصاد قد تطول لفترة، خاصة وأنه لم يتم حتى الآن إيجاد دواء أو عقار لفيروس كورونا – كوفيد 19، ولذلك من غير المحتمل عودة الاقتصادات لمستوياتها لما قبل الوباء قبل مرور فترة سنتين إلى ثلاث سنوات لتعود إلى مستوياتها الطبيعية، لكن أيضا قد تضطر العديد من الاقتصادات للعودة إلى العزل المنزلي بسبب موجة أخرى من الوباء، وقد رأينا دولا مثل سنغافورة واليابان وكوريا فتحت اقتصاداتها ونشاطاتها مبكرا ووقعت في موجة ثانية، ولذلك هذا السيناريو قد يضع مستويات أقل بعض الشيء 30 إلى 35 دولارا للبرميل كسعر معياري محافظ، ولكن هناك بعض التفاؤل بالنسبة لـ 40، ولو كان في مستوى 30 كان سيكون أقرب للأوضاع القائمة، ولكن قد تكون الأوضاع القائمة لاتنبئ بحقيقة المستقبل خلال سنة أو سنة ونصف، وهناك عوامل كثيرة من الأفضل أن يكون هناك اتباع للأسلوب المحافظ في السعر المعياري للميزانية حتى يكون بالإمكان رفد الميزانية دون الحاجة إلى الاقتراض من السوق الداخلي أو العالمي، أو الرجوع إلى الصندوق السيادي لدعم المشاريع.

وضع الدولة ممتاز ماليا، ووضعها ممتاز كذلك لأن أغلب مشاريع كأس العالم 2022 قد اكتملت، سواء مشاريع البنية التحتية أو الملاعب، ولذلك الدولة في وضع مالي وائتماني قوي جدا، ولكن موضوع التحفظ قد يكون مطلوبا خلال السنوات القادمة.

النعيمي: إستراتيجيات التنويع تحتاج تخطيطاً مدروساً

الاستثمارات الأجنبية عنصر أساسي في خطط التنمية

بعض الدول تراجعت خسرت 50 % من إيرادات الربع الأول

وفي رده على أسئلة الشرق، أكد الخبير في شؤون الطاقة، السيد أحمد حمد النعيمي، أهمية خطط التنويع الاقتصادي والعمل على وضع استراتيجياته ليكون تخطيطا عمليا ومدروسا من حيث الآليات والوسائل والأهداف التي يراد الوصول إليها، خاصة في ظل تحديات انهيار أسعار النفط التي تعود بالدرجة الأولى إلى زيادة العرض في السوق العالمية مقابل انخفاض الطلب. وقال النعيمي إن بعض دول المنطقة تأثرت سلبًا بالانخفاض الناجم عن ارتفاع العجز في ميزانياتها بعد تراجع أسعار النفط وهناك انخفاض بنحو 50 % من إيرادات الربع الأول، وإذا نظرنا إلى احتمالات إطالة أمد الانكماش الاقتصادي والحاجة إلى تعويض الفرق في السعر للوصول إلى نقطة التعادل تتأكد أهمية دراسة إصلاح السياسات الاقتصادية، وبناء قاعدة صناعية واستثمارية تساهم في تحقيق التنويع الاقتصادي.

ويشير النعيمي إلى الحاجة في مثل هذه الحالات إلى إعداد دراسة واضحة المعالم يمكن من خلال تحديد الأهداف والقياس والتقييم. فمن خلال الدراسة يمكن تحديد القطاعات الاستثمارية المستهدفة، وكم قطاعا تحتاجه لتحقيق التنويع المنشود، وطبيعة الاستثمار الموجه لهذه القطاعات، هل سيكون استثمارا خاصا أم حكوميا أم في إطار الشراكة بين القطاعين. كما يتم من خلال الدراسة تحديد الأوليات أولا، وثانيا تنويع المصادر وتوضيح آلية الاستفادة منها، بمعنى هل سيكون الدخول في هذه الاستثمارات عن طريق الدولة وأدواتها الاستثمارية بشكل مباشر، أم ستأخذ بالنهج الغربي الذي يعتمد على الضرائب المدفوعة عن طريق القطاع الخاص.

الاستثمارات الواعدة

وينوه الخبير النفطي، السيد أحمد النعيمي، إلى أهمية وضع الخطط بالنظر إلى الاستثمارات الواعدة، وهي مسألة ذات قيمة نسبية لكل دولة حسب القطاعات ذات المردودية الاستثمارية بالنسبة لها. فقد تكون الاستثمارات مرتبطة بالصناعات التكنولوجية، وهي أحد المجالات التي لا تزال مربحة استثماريا، وقد يرى الخبراء مجالات اخرى ذات أولوية كانتاج الهيدروجين، ووجود الغاز مصدر مهم لانتاج هذه الطاقة النظيفة، وباستخدام الهيدروجين يمكن أن تصبح لدى الدولة الأفضلية في قطاع الطاقة النظيفة، وهناك دول أصبحت مهتمة جداً بالهيدروجين كمستقبل لها وهي اليابان. وفي العام الماضي خلال رئاستها لمجموعة العشرين طلبت اليابان من وكالة الطاقة الدولية إصدار تقرير عن مستقبل الهيدروجين، والذي خرج للنور في شهر يونيو من نفس العام، وخلص إلى أن المستقبل مشرق للهيدروجين حيث نما الطلب عليه بنحو ثلاثة أضعاف منذ عام 1975 إلى 2018. وعلى العموم الدراسات الاقتصادية هي التي تحدد ماذا نحتاجه من التعمق أو التوسع في الدراسة في مختلف المجالات سواء منها المتعلقة بإنتاج الهيدروكربون أو الطاقة المتجددة.

ونبه الخبير النعيمي إلى أهمية طرح الاستراتيجية للنقاش المفتوح ليتم استيعابها والتفاعل معها من طرف الجهات ذات العلاقة والقطاعات المستفيدة فور وصولها لمرحلة التنفيذ. كما أن هذا النقاش مفيد للتكيف الاقتصادي وإتاحة المزيد من الفرص أمام المستثمر الأجنبي من خلال الاطلاع على الفرص والمشاريع المتاحة، خاصة وأن استقطاب الاستثمارات الأجنبية عنصر اساسي من عناصر التنويع الاقتصادي، كما يتطلب ذلك وجود فريق من الخبراء المحليين يساهم في وضع هذه التصورات ويحدد الجهات التي ينبغي أن تخاطبها الجهات المختصة بجذب الاستثمارات.

د. الإسماعيل: الاقتصاد القطري سيتجاوز الأزمة خلال عام

وأكد دكتور رجب الاسماعيل استاذ الاقتصاد بجامعة قطر على قوة الاقتصاد القطري وقدرته على مواجهة التحديات. وقال لـ “الشرق” انه يتوقع ان يتجاوز الاقتصاد القطري الازمة ويعوض الخسائر خلال عام وتعود الاوضاع لطبيعتها، واصفا تصريحات سعادة السيد علي شريف العمادي وزير المالية لصحيفة الفايننشيال تايمز بأنها واقعية وتؤكد على السياسة الحيكمة التي تتبعها الحكومة القطرية في ادارة الاقتصاد الوطني بصورة سليمة ونظرة شمولية ناجحة استطاعات ان تخفف الاثار السالبة لجائحة فيروس “كورونا” على مجمل الاوضاع في البلاد، وعلى الاقتصاد بشكل خاص، في وقت شهدت فيه الاوضاع العالمية الحالية تغيرات كبيرة وازمات اقتصادية، بداية من الازمة الصحية التي رافقها تقليل للانفاق واغلاق المحلات التجارية، وتوقفت المصانع وخطوط الطيران، فانخفضت معدلات الانتاج نتيجة لذلك، وتوقعات بتباطؤ في الاقتصادي العالمي بحسب صندوق النقد الدولي. وقال استاذ الاقتصاد بالجامعة د. رجب الاسماعيل ان الدول وفي اطار تصديها للازمة ما زالت بين خيارات مواصلة الاغلاق التام والانفتاح الكامل او الجزئي حتى تمتد تأثيرات الازمة لفترات طويلة. وقال انه وفي ظل الاوضاع الحالية انخفض الطلب على النفط، فشهدنا بالتالي اغراقا للسوق، خاصة مع عدم التنسيق بين الدول المنتجة.

واشار الى ان قطر لم تكن بمنأى عن التأثيرات بوصفها دولة نفطية، الا ان المسؤولين كانوا على دراية تامة بما يجب اتخاذه من احتياطات توصف بأنها جيدة، والتي كان من بينها ما ورد في تصريحات سعادة وزير المالية السيد على شريف العمادي حول الترتيبات القطرية الرامية الى زيادة الدخل وتقليل المنصرفات، موضحا ان للدولة اولويات. وشدد د. الاسماعيل على نجاعة الاجراءات المتبعة من قبل الدولة، حيث تسير خطط الدولة التنموية دون توقف، الى جانب استمرار المشاريع الحكومية، واكتمال الكثير من مشاريع المونديال من ملاعب وطرق وغيرها. واضاف ان الدولة تسير في خططها كلها بشكل جيد. واكد استاذ الاقتصاد ان قطر لديها قدرة كبيرة على تحقيق النجاحات على صعيد الاقتصاد، حيث تشهد العديد من القطاعات نجاحات كبيرة، مثل سوق المال وتوزيعات الارباح الجيدة من قبل الشركات المدرجة في البورصة الى جانب ادائها الايجابي. واضاف ان سوق المال متماسك، ويقف على ثقة عالية من قبل المستثمرين المحليين والاجانب. وختم استاذ الجامعة قائلا ان هناك ثقة كبيرة في المسوؤلين وقراراتهم، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد القطري.

الجولو: مضاعفة إنتاج الغاز تغني عن تراجع أسعار النفط

تخفيض سعر النفط لن يؤثر على إجمالي الميزانية العامة

ومن جانبه قال المهندس أحمد جاسم الجولو رئيس جمعية المهندسين القطريين السابق أن تراجع سعر تعادل البرميل الواحد من النفط إلى أقل مـن 40 دولاراً بعد عـام 2022 سعر، بدلا من 55 دولار القيمة لحالية لن يؤثر على الميزانية الكاملة للدول خلال السنوات المقبلة، نظرا للقوة الكبيرة التي يتمتع بها اقتصادنا الوطني، وقدرته الكبيرة على تجاوز الأزمات بما فيها الظروف الصعبة التي يمر بها العالم في الوقت الراهن بسبب تفشي فيروس كورونا، مبينا أن التقليل من ميزانية البرميل من البترول يؤكد على المساعي الحكومية الرامية إلى إنجاز المزيد من المشاريع الاقتصادية الجدية، القادرة على تنويع مصادر دخلنا وتعزيز موارد المالية الناتجة عن تصديرنا للمواد الطاقوية.

وأضاف الجولو أن تخفيض سعر البرميل من النفط إلى حدود 40 دولارا في الميزانية المنتظرة بعد حوالي سنتين من الآن، لن يخفض إجمالي الميزانية الوطنية لأننا وبعيدا عن إنتاجنا للبترول، فإن الدوحة تعتبر من العواصم الرائدة في تصدير الغاز الطبيعي المسال في الوقت الراهن، وذلك مع استمرار عمليات التوسعة التي يعمل على إنشائها في حقل الشمال، ما سيضاعف من القدرة الإنتاجية في الغاز الطبيعي المسال بعد أعوام قليلة من الآن، ويرفع من المداخيل السنوية التي تجنيها الدولة من توريد الطاقة النظيفة، ما يؤكد على فرضية عدم تأثر اقتصادنا الوطني جراء انخفاض قيمة البرميل من النفط بـ 15 دولار بداية من سنة 2022.

وبين الجولو أن تصريحات سعادة وزير المالية علي شريف العمادي لـ فايننشيال تايمز والتي كشف فيها عن خطط تخفيض سعر برميل النفط، جاءت لتؤكد أيضا الرؤية المستقبلية للدولة الرامية إلى تعزيز اقتصادنا الوطني من خلال النهوض بجميع القطاعات ودعمه بالمزيد من الاستثمارات، حيث تعمل قطر على استغلال الفرص الاستثمارية الدولية الواعدة، من خلال ضخ أموالها في العديد من المجالات، إلا التوجه القادم سيكون نحو القطاعين الصحي والتكنولوجي، وهما المجالان اللذان أبانا عن توفرها على مجموعة من الفرص المحفزة على دخولهما، خاصة في الفترة الحالية التي تشهد أزمة تفشي فيروس كورونا، التي برهنت على ضرورة تطوير البحث العلمي، مشيرا إلى تركيز جهاز قطر للاستثمار على استغلال هذه الفرص دون أي أدنى شك في الأعوام المقبلة، عن طريق إطلاق جملة من المشاريع الجديدة الخاصة بها في مختلف عواصم العالم، وهو ما سيزيد من نجاح عملية قطر نحو الاقتصاد المعرفي.

الكحلوت: مؤشرات تدعو للتفاؤل بإمكانية تجاوز الأزمة

دعم الاقتصاد المحلي والتوسع في الاستثمار الخارجي يعزز النمو

وبدوره، يقول المحلل المالي، بشير يوسف الكحلوت، إن في تصريحات سعادة وزير المالية للصحيفة البريطانية ما يدعو للتفاؤل في إمكانية تجاوز الأزمة الحادة التي يمر بها العالم أجمع. سواء من حيث إمكانية دعم الاقتصاد القطري، والتوسع في مجالات الاستثمار الدولي، ولكن هنالك بعض النقاط التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح ومن ذلك موضوع سعر التعادل لبرميل النفط للموازنة العامة للدولة، حيث قال سعادته إنه سيكون في حدود 40 دولاراً للبرميل بعد عام 2022، فهل سيظل السعر الرسمي عند مستوى 55 دولارا للبرميل في عامي 20 و21، في الوقت الذي ينخفض فيه السعر الآن إلى 20 دولاراً للبرميل أو أقل من ذلك؟.

ويضيف الكحلوت أن سعادة الوزير تحدث عن نجاح قطر في جمع 10 مليارات دولار من خلال إصدار سندات، فهل يكفي هذا المبلغ لتغطية عجز الموازنة العامة إذا استمر سعر النفط ما بين 20-30 دولارا للبرميل-لا سمح الله- أي بما يعني فقدان نصف الإيرادات النفطية؟. كما تحدث سعادته عن سعي جهاز قطر للاستثمار لعقد صفقات خارجية مربحة في قطاعي الصحة والتكنولوجيا، فإذا كانت الموازنة العامة للدولة ستعاني من عجز وليس فائضا، فهل سيكون ذلك على حساب استثمارات قائمة ليست بالمربحة مثلا، ويجب التخلص منها إن أمكن، أم بالحصول على المزيد من القروض في سوق السندات الدولية؟.

ويشير المحلل المالي إلى أن سعادة الوزير تحدث عن التزام الدولة بدعم الاقتصاد القطري، بما في ذلك الخطوط القطرية بقيمة 21 مليار دولار أو 75 مليار ريال، إضافة إلى 10 مليارات ريال لدعم البورصة القطرية، وهذا شيء جيد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو في الجانب الآخر الخاص بخفض النفقات، فما هي خطط الوزارة في هذا الشأن حتى تتجاوز البلاد هذه الأزمة بسلام، بمعنى آخر إن دعم الاقتصاد المحلي، والتوسع في مجالات الاستثمار الخارجي، قد لا يتحقق في الوقت الراهن الذي تنخفض فيه أسعار الطاقة بشدة، بدون اتخاذ إجراءات لخفض النفقات من ناحية، مع إعادة النظر في أوضاع بعض الاستثمارات القائمة من ناحية أخرى.

اللواتي: تقلبات النفط تعجّل بتنفيذ مشروعات في قطاعات أخرى

الحاجة إلى السيولة ستشكل تحدياً كبيراً أمام الدول المنتجة للنفط

وفي رده على تساؤلات الشرق، يقول الدكتور حيدر بن عبدالرضا اللواتي- الباحث في الشؤون الاقتصادية، إنه لا أحد يستطيع التكهن اليوم بسعر برميل النفط خلال الشهور المقبلة في ضوء هذا التراجع الكبير الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الآونة الأخيرة، بحيث أصبحت المضاربة على برميل النفط تأتي بالسالب للتخلص من الكميات المعدة للبيع. وهذه النتيجة تحصل اليوم بسبب المخاوف المتواصلة من امتلاء قدرات التخزين لدى الشركات التي كانت تتسارع في شراء النفط لتستفيد لاحقا من بيعها عند ارتفاع الأسعار. فمنشآت التخزين في أمريكا لم تعد اليوم قادرة على استيعاب العرض الفائض.

كما أن وباء كوفيد-19 كان له تأثير سلبي كبير على الطلب نتيجة لتوقف معظم الانشطة الاقتصادية في مجال السفر والسياحة والطيران والحياة اليومية بصفة عامة بسبب توقف الطائرات والمطارات والفنادق والمركبات من العمل. فانهيار أسعار النفط في الأيام الأخيرة جاء بسبب القيود وتدابير حظر السفر المفروضة في العالم لمكافحة تفشي فيروس كورونا، حيث إن هذا الوباء يؤثر بشكل كبير على استهلاك الوقود في أمريكا، وعلى أسعار النفط الآجلة والآنية. كما أن تدابير الحجر المنزلي التي فرضتها الحكومات لمواجهة الإصابات والوفيات الناجمة لاحتواء تفشي الفيروس أدى إلى شل قطاع النقل والمصانع في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى انهيار الطلب على الطاقة.

إن اتفاق الدول الرئيسية المنتجة للنفط في العالم في مجموعة أوبك وخارجها بخفض 10 ملايين برميل في اليوم اعتباراً من بداية مايو المقبل سوف لن يكون له تأثير كبير في المرحلة الأولى لحين عودة الأسواق والأنشطة التجارية إلى العمل بصورة كبيرة كسابق عهدها والتخلص من الكميات المخزنة في بعض الدول. ومن الصعب أيضا أن يتكهن المرء إن كانت حرب الأسعار بين بعض الدول المنتجة لهذه السلعة سوف تتوقف في المستقبل، وخاصة بين السعودية وروسيا.

اليوم نرى كل دولة تعمل على اتخاذ خطوات لدعم قطاعها النفطي وغير النفطي، فأمريكا على سبيل المثال تدرس منح قروض لشركات القطاع النفطي المتضررة مباشرة جراء هبوط أسعار النفط، بحيث تكون هذه العملية في غاية الحذر.

أما دول المنطقة، فهي بالتأكيد متضررة بصورة كبيرة من جراء تراجع أسعار النفط العالمية، الأمر الذي يزيد من عجز موازناتها السنوية. فعلى سبيل المثال، فإن الموازنة المالية لسلطنة عمان لعام 2020 اعتمدت 58 دولاراً للبرميل، مع وجود عجز في حدود 2.5 مليار ريال، فيما اعتمدت دولة قطر 55 دولاراً للبرميل، ولكنها تتميز بامتلاكها لكميات كبيرة من الغاز المسال. وللمستقبل فدولة قطر تخطط بخفض سعر التعادل لبرميل النفط إلى أقل من 40 دولاراً بعد عام 2022 وفق تصريح وزير ماليتها مؤخرا.

لقد أدت التراجعات الكبيرة في أسعار النفط بحكومات المنطقة إلى إجراء العديد من التغييرات في البنود المالية لموازنات المؤسسات الحكومية المدنية والأمنية والعسكرية، بجانب قيامها بإصدار سندات مالية حكومية. كما تعمل اليوم على دعم القطاع الخاص وفي الامكانات المتاحة لها بحيث لا يتضرر كثيرا، أو يؤدي الأمر إلى إفلاس الشركات القائمة في بعض القطاعات المهمة.

إن تقلبات أسعار النفط تعجل بدول المنطقة إلى سرعة تنفيذ مشروعات في قطاعات غير نفطية، تشمل الزراعة والصناعة والأسماك والتعدين والسياحة. وهذا ما تتوجه إليه السلطنة في استراتيجيتها المقبلة بحيث يتم التركيز على تلك القطاعات، خاصة وأنها تتميز بها في المنطقة، بينما نجد دولة قطر وغيرها من دول المنطقة تحذو نفس السياسة، فيما تعمل على قطر التوجه نحو استثمارات خارجية من خلال شراء بعض الاصول الكبيرة العاملة في قطاعات المال والعقار والتجارة والسياحة والانتاج.

إن أزمة أسعار النفط أدت إلى تحقيق خسائر عدة للشركات النفطية العملاقة في العالم كشركة “بي بي” البريطانية التي أعلنت عن خسارة صافية بقيمة 4,4 مليار دولار في الفصل الأول من العام الحالي نتيجة التدهور الكبير بسوق النفط وتفشي كوفيد-19، فيما تتواصل خسائر الشركات الامريكية وتزيد الأمور أكثر سوءاً لهذا القطاع خاصة مع شركات النفط الصخري.

لقد أدت مستويات الأسعار الرخيصة للنفط إلى استفادة بعض الدول الكبرى المستهلكة للنفط مثل الهند والصين التي عملتا على ملء خزاناتها بالنفط في إطار استراتيجياتها وخططها الصناعية وبناء مخزونها المستقبلي من هذه السلعة التي تحتاج إليها بصورة كبيرة في عمليات التصنيع والبناء والتنمية. وأن الفترة المقبلة ستشهد ضخ المزيد من النفط لاحتياج الدول النفطية إلى السيولة لدعم موازناتها السنوية، وسوف يشكل هذا الامر تحديا كبيرا أمام الدول المنتجة للنفط لحين إعادة الاستقرار الأسواق.