Image Not Found

قلعة مطرح…عربية الطراز بنسق عُماني خالص

Visits: 61

مسقط-أثير
إعداد الباحث: محمود صادق- باحث مصري في الآثار الإسلامية

تشكل قلعة مطرح من الناحية السياحية قبلة مميزة وفريدة من نوعها لكل محبي الجمال والذوق الرفيع ولكل باحث عن الجمال والأصالة والفخامة المعمارية والفنية، فيقصدها السياح من جميع أرجاء العالم للتمتع بالمنظر الأخاذ المبهج المملوء بالذوق المعماري والأثري المنسجم مع أمواج البحر التي تشرف عليه القلعة بواجهتها الشمالية.

ومن الناحية الأثرية فتعد قلعة مطرح طرازا معماريا مميزا في التصميم المعماري الدفاعي البحت، والذي يتجسد في تخطيطها المعماري المتربع فوق تلة صخرية شديدة الارتفاع على شاطئ بحر عُمان، وفي عناصرها المعمارية المتجسدة في أسوارها الدفاعية في الشمال والجنوب وفي أبراجها الحربية في الشرق والغرب من أجل أحكام منظومة الدفاع عن القلعة بطريقة جيدة، وفي شرافاتها المميزة التي تتوج الأجزاء العليا من أبراجها وأسوارها، وفي مزاغلها المصممة لضرب العدو وعدم اقترابه من محيط القلعة، فضلا عن أبوابها السميكة.

ونحاول في هذا المقال إيضاح المخطط المعماري لقلعة مطرح في محاولة لإثبات صحة أصل تخطيطها المعماري ورد هويتها المعمارية إلى أصولها العربية، التي هي بالفعل تنم عن خبرة وفاعلية الإنسان العُماني في الحفاظ على مقدراته وتعزيز جبهته الداخلية في مواجهة الطغاة، فكانت القلعة حارسا أمينا في فترات مهمة في التاريخ العُماني الحافل بالمتغيرات والأحداث التاريخية المهمة.

وقد كان الهدف من بناء قلعة مطرح هو تسهيل حركة مرور التجارة القادمة من عرب الجبال وتوريدها إلى مسقط، حيث كانت القلعة تشرف على ممر صخري ضيق أيام الغزو البرتغالي على عُمان، كان هو الممر الوحيد بين مطرح ومسقط، هذا إلى جانب حماية هذه القوافل من الأعداء القادمين من البحر أو من المناطق الداخلية، وترجح بعض المصادر أن قلعة مطرح قد بنيت في فترة متقدمة قبالة عام (986هـــ 1578م) وهي تسبق بذلك قلعتي الجلالي والميراني في مسقط.

وهنا نتساءل منذ متى وقلعة مطرح كانت بهذا القدر من الأهمية؟، ودخول البرتغاليين أصلا لعُمان كان بداية بقريات ثم مسقط ثم صحار وغيرها، إلى جانب أنه لم تذكر أي من المصادر أو الخرائط يوما أهمية مدينة مطرح أقوى مقارنة بمسقط ليشيّد قلعتها أولا قبل قلعتي الجلالي والميراني، ولكن إن دل ذلك فربما يدل على مركزها الحيوي الاستراتيجي التي تسبق به القلعة مدينة مسقط بحيث كانت تتحكم في المضيق الصخري سابق الذكر المؤدي إليها، ومن المعتقد أن القلعة ظلت بالصورة التي بُنيت عليها حتى قبالة عام (1042هــ/1635م) عندما قام برسمها “دي ريسنده” ضمن العمل المشترك الذي سانده بالوصف المعماري فيه ” أنطونيو بوكارو”.

حيث تبين الرسومات الواردة أن قلعة مطرح كانت تتألف من مساحة معمارية مربعة الشكل مبنية من الحجر تحيط بها أربعة معاقل في الزوايا الأربع، ويوجد بكل معقل درج حجري خارجي متصل بفناء القلعة، كما يوجد بكل معقل أيضا مظلتان للوقاية من أشعة الشمس وهي مظلات ذات سقوف صغيرة مائلة مغطاة بالقش وتقوم كل منها على أربعة أعمدة رفيعة، ولها مدخل في منتصف الضلع الشرقي، ولا توجد بالقلعة أي فتحات للمدافع أو البنادق، كما لا توجد بها أية منشآت للسكن أو الإقامة مما يدل على أنها كانت تستخدم عند الحاجة فقط.

ومن الجدير بالذكر أنه عندما فرض العرب حصارًا على المواقع الاستراتيجية والمهمة والتلال المحيطة بخليج المكلا ومسقط ومطرح بعد أن كبدوا العدو خسائر عظيمة في الأرواح أكتوبر (1058هـ/1648م)، والتي على أثرها وافق البرتغاليون على جميع الشروط التي أولتها القيادة اليعربية، والتي كان من بينها أن يهدم البرتغاليون جميع القلاع والتحصينات العسكرية التي يمتلكونها في مطرح بحيث تسوى بالأرض، وأن تكون مطرح منطقة محايدة للطرفين خالية تماما من التحصينات العسكرية، وبموجب هذه الشرط اندثرت قلعة مطرح كما ورد ذلك ضمن رسومات “دي ريسنده” (1045هـ/1635م) ولم يبق منها أي شيء.

وبعد أن ظفر اليعاربة من البرتغاليين وتمكنوا من دحرهم خارج البلاد تحت القيادة الرشيدة لسلطان بن سيف اليعربي عام (1057هــ/1650م) وأبيه من قبل، توالت عمليات الإصلاح والتجديد لأسوار مسقط القديمة وقلعتي الجلالي والميراني، فنرى بأنه في تلك الفترة أصدر “سلطان بن سيف” أمرًا بإعادة بناء قلعة مطرح إيمانا بقيمة دورها الاستراتيجي والحيوي الذي تلعبه القلعة في أسبقية مدينة مسقط جهة الغرب، تلك الصورة هي التي ظلت عليها القلعة حتى الآن والتي جاء تخطيطها المعماري يختلف تماما عن القلعة سابقة الذكر والتي أوردها “دي ريسنده” في رسوماته عام (1042هــ/1635م).

أما القلعة الحالية بمطرح يتألف تخطيطها المعماري الحالي من مساحة معمارية غير منتظمة الشكل نظرا لعدم انتظام الكتلة الصخرية المقامة عليها القلعة، مما أدى إلى عدم انتظام خط طول الأسوار المقامة في كل من الجهة الشمالية والجنوبية واتصالها بالأبراج الدفاعية في الشرق والغرب، حيث تتألف القلعة من ثلاثة أبراج دفاعية جهة الشرق والغرب والجنوب الشرقي، تحاط الأبراج الثلاثة بواسطة مجموعة من الأسوار الدفاعية غير منتظمة السمك والارتفاع، كما تمتاز القلعة بتخطيطها داخليا بتدرجها بمستوى تصاعدي من الغرب إلى الشرق، كما زودت أسوار القلعة بفتحات المزاغل تعلوها الشرافات ذات الهيئة النصف مستديرة.

فيما احتوت القلعة على مدخلين محوريين، يقع المدخل الرئيسي بالجزء الجنوبي الغربي تليه دركاه المدخل، كما يتم الوصول إليه عن طريق درجات سلم شاهقة الارتفاع أدناه، فيما يقع المدخل الآخر بالجزء الشمالي الشرقي عبر فتحة في الأسوار تتقدمه درجات، كما احتوت القلعة على ممر سري يلي كتلة المدخل بالجهة الغربية.

وعندما تطرق الباحث إلى دراسة هذه القلعة شاهد أساسات قديمة لبعض الأبراج الدفاعية أسفل القلعة الحالية بالجهة الشمالية من منتصف القلعة، وربما تعد هذه الأساسات القديمة هي كل ما تبقى من الحصن البرتغالي القديم، وأن القلعة التي شُيدت فوقه والموجودة الآن بمدينة مطرح وتحمل الاسم نفسه هي قلعة عربية الطراز بنسق عُمانية خالصة.

وبعد دراسة القلعة الحالية ومكوناتها المعمارية نرى أنها شُيدت في الفترة التي جددت فيها منطقة مسقط القديمة تحت حكم الإمام “سلطان بن سيف اليعربي”، ويستدل على ذلك من النمط العام الذي شكل ضمن التخطيط والعناصر المعمارية للقلعة والمتشابهة إلى حد كبير مع ما جاء في قلعتي الجلالي والميراني، وهو ما أكدت عليه الدكتورة سعادة ماهر، حيث جددتا في الفترة السابقة نفسها، متخذة من الأساليب العربية العُمانية في القلاع القديمة جودة أسلوبها في التخطيط والعناصر المعمارية والتي صممت على غرارهما قلعة مطرح الحالية.

ويُمكن الاطلاع على الجزء الأول عن قلعة مطرح من خلال هذا الرابط:

تفاصيل من قلعة مطرح التي تخطف أبصار المارة برونقها

المصادر:

  • صــــــادق، محمود محمد (2019). الاستحكامات الحربية في مسقط بسلطنة عُمان، الطبعة الأولى- مؤسسة الامة العربية للطبع والنشر، القاهرة، 2019.
  • مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء(1994).  القلاع والحصون في عُمان، قسم الدراسات، سلطنة عُمان.
  • ماهر، سعاد محمد (1980). الاستحكامات الحربية في سلطنة عُمان، بحث مشارك به في حصاد ندوة الدراسات العُمانية ذو الحجة 1400هـ (1980م)، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان
  • وزارة الإعلام والثقافة (1995). عُمان في التاريخ، سلطنة عُمان: دار ايميل للنشر
  • القاسمي، سلطان بن محمد (2009). وصف قلعة مسقط وقلاع اخرى على ساحل خليج عمان، الإمارات العربية المتحدة، منشورات القاسمي: مكتبة الشارقة.
  • بدر، حمزة عبد العزيز (2000). القلاع والحصون العُمانية وعلاقتها بالطرز البرتغالية، بحث منشور في المجلة العلمية لجمعية الآثاريين العرب، العدد الأول، القاهرة.