Image Not Found

الاقتصادات الخليجية وضرورة التنويع الاقتصادي

Visits: 5

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected]

في أقل من ستة أشهر صدر عن صندوق النقد الدولي تحذيران لدول مجلس التعاون الخليجي يتعلق الأول بضرورة التركيز على أهمية دعم التنويع الاقتصادي، فيما يحذّر الثاني من الجفاف المالي الذي يمكن أن يصيب دول المجلس في غضون 15 عاما المقبلة بسبب تراجع أسعار النفط. ففي أبريل من العام الماضي جدد صندوق النقد الدولي دعوته لدول الخليج بضرورة التركيز على أهمية دعم التنويع الاقتصادي، وتعزيز برامج الادخار تجاه الإيرادات المحصلة من أسعار النفط، مع ضرورة التقليل من أجور القطاع العام، وخفض وتقليص الدعم لمجالات الطاقة لكي تتمكن هذه الدول من مواجهة الالتزامات المالية للبرامج الاجتماعية والإنتاجية. كما شمل ذلك التحذير أيضا موضوع تنمية الجوانب غير النفطية في جميع برامج دول المجلس بسبب ضعفها الحالي، مع العمل على إجراء الإصلاحات المالية التدريجية في أي وقت ترتفع فيه عوائد النفط، مؤكدا في بيانه أن تقليص الإنفاق المهدور أحيانا من قبل المؤسسات الرسمية من شأنه أن يخلق مجالاً للاستثمار العام في التنمية البشرية وتوفير الحماية الملائمة لمعظم الفئات السكانية ضعيفة الدخل، بجانب تعزيز البرامج وإيرادات المؤسسات والأصول التي تمتلكها الدول، موضحاً أن ذلك أصبح من الضرورات في هذا الوقت الذي يمر فيه العالم بالتغيرات الاقتصادية العديدة.

أما التحذير الأخير الذي صدر قبل فترة وجيزة بشأن الموارد المالية لدول المجلس، فهو لا يبتعد كثيرا عن الأولى، إلا أنه يحمل رسالة جديدة بعيدا عن الواقع أحيانا، وقد تفاعل معه الكثيرون سواء من السياسيين والاقتصاديين أو عامة أبناء المنطقة، حيث وردت من قبلهم العديد من العبارات والتعليقات في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فالجديد في هذا التحذير يتعلق بالموارد المالية لدول المجلس والتي في طريقها إلى الجفاف خلال 15 عاما المقبلة في حال عدم مباشرتها بإجراء إصلاحات مالية حقيقية.

المتابعون لهذه القضايا يتفقون بضرورة الحفاظ على الثروات المالية التي تمتلكها دول المجلس ولا غبار على ذلك، إلا أن الفترة الزمنية للجفاف المالي غير واقعي من وجهة نظرهم، والصدق في التحذير بأن المنطقة لم تتمكن حتى اليوم من زيادة إيرادتها المالية من المصادر غير النفطية. فالدول الخليجية حتى اليوم تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية. فدخل النفط يشكّل ما يتراوح بين 70 إلى 90% من الإيرادات العامة، في الوقت الذي تساهم فيه الموارد غير النفطية ما بين 10 إلى 30% من حصتها في تلك الموازنات. كما أن النمو الديموغرافي السنوي في دول المجلس أكبر اليوم من النمو الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الالتزامات المالية للحكومات سنة بعد أخرى، من حيث توفير المزيد من المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية والكوادر التي تقوم بإدارة تلك المؤسسات.

ووفق البيانات المنشورة فان الدول الخليجية الست جمعت عائدات ضخمة من النفط خلال العقدين الماضين بنحو 2.5 تريليون دولار من الأصول المالية التي تم استثمارها في الخارج عبر صناديق الثروة السيادية. وهذه الثروة جاءت معظمها من إمدادات النفط العالمية التي بدأت في التراجع الكبير منذ منتصف عام 2014، الأمر الذي يؤثر سلباً على الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية في غياب التنويع الاقتصادي الشامل، كما تؤثر السحوبات السنوية من الصناديق السيادية على المخصصات المالية المتبقية، حيث أدى العجز الناجم بدول المجلس بسبب ذلك إلى تخفيض صافي الثروات المالية خلال السنوات 2014-2018، بقرابة 300 إلى 400 مليار دولار لتصبح 2 تريليون دولار، بحسب تقديرات صندوق الدولي.هذه الأموال تضخمت في السنوات الماضية بفعل أسعار النفط التي كانت تلامس أكثر من 100 دولار ووصلت أحيانا ما بين 120 إلى 130 دولاراً للبرميل، ولكن مع تراجع أسعارها في عام 2014 ودخول دول المجلس في العجوزات المالية السنوية ونقص في الأموال، فقد اضطرت إلى السحب من الصناديق السيادية، وعن طريق الاستدانة من البنوك الدولية لتغطية هذه العجوزات، بالإضافة إلى إصدار السندات وتخصيص بعض المشاريع للحصول على الأموال لمواجهة الالتزامات المدنية والعسكرية التي ترتبت عليها، في الوقت الذي يتراجع فيه النمو الاقتصادي إلى النصف في المائة تقريبا، بينما قد تجاوز 4% في السنوات القليلة الماضية. هذا الأمر يخلق لدى دول المجلس تحديات مالية عديدة سواء في الوقت الحالي أو المستقبلي، في الوقت الذي ما زالت فيه أسعار النفط غير مستقرة، وفي تراجع كبير هذه الأيام نظرا لتفشي مرض فيروس كورونا في الصين التي تعد إحدى الدول الكبيرة في استيراد النفط الخليجي لتتراجع هذه الأسعار اليوم إلى ما بين 50 إلى 55 دولارا للبرميل.

ديون دول المجلس في زيادة مستمرة لترتفع خلال السنوات الأربع الماضية من 100 مليار دولار في عام 2014 إلى 400 مليار دولار في عام 2018، بينما هناك رصيد جديد للديون التي حصلت عليها خلال عام 2019 وما ستحصل عليها في العام الحالي، الأمر الذي يحولها إلى دول مستدينة، في الوقت الذي تتراجع فيه أيضا حصيلة الأموال في الصناديق السيادية لها، لتصبح ثروتها المالية في عام 2035 سالبة وفق تقدير صندوق النقد الدولي.

اليوم فان دول المجلس بحاجة إلى تسريع العمل في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وزيادة قدرة مشاريع التنويع الاقتصادي، بالإضافة إلى إجراء مزيد من التخفيض في النفقات العامة والعمل على إيجاد أنظمة مالية نظيفة بعيدة عن وسائل الفساد الاداري والمالي، بجانب العمل على تسهيل الإجراءات والابتعاد عن البيروقراطية في المعاملات اليومية في الأجهزة الحكومية لتمكين الشباب من المضي قدما في مشاريع الأعمال الحرة، وإتاحة فرص العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة، والاهتمام بالكفاءات الوطنية لبناء مؤسسات لتعزيز التنافسية مع العالم.

إن تحذيرات صندوق النقد الدولي عديدة سواء للمنطقة أودول العالم الأخرى، ولكن نوعية المسائل التي تطرح على دول المجلس تختلف أحيانا، ومن الصعب تقبلها من قبل المواطنين، خاصة ما يتعلق بموضوع نقص الأجور للعاملين والمتقاعدين في المؤسسات الحكومية. وتنمية هذه الثروات تعتمد على الذين يقومون بادارة الأمور المالية لفئات كبيرة من العاملين والمتقاعدين في كيفية توظيفها بصورة تؤدي إلى زيادة المدخرات السنوية، خاصة وأن هناك هدرا كبيرا في بعض الأحيان من المؤسسات الحكومية في برامجها السنوية، الأمر الذي يتطلب إجراء المزيد من الإصلاحات المالية وضبطها بصورة جيدة.

هناك العديد من الدول النفطية التي تأثرت بسبب تراجع أسعار النفط، إلا أنها تمكنت من خفض العجز لديها وضبط أمورها المالية، وهذا ما نأمل من دول المجلس بأن تستمر في نفس الاتجاه لتغيير الواقع الحالي من خلال تعزيز الاستثمارات في المشاريع الداخلية والاستثمار فيها، مع العمل على إتاحة مزيد من فرص العمل لأبنائها لإدارة الثروة المالية داخليا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة تجاه التحويلات المالية اليومية للمغتربين والتي تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية للدول في ظل الأسعار المنخفضة للنفط. فالمنطقة تحتاج إلى مزيج من السياسات التصحيحية التي يمكن لها أن تحافظ على النمو والابتعاد عن مواطن الضعف والسيطرة عليها، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاحات أعمق في الكثير من الجوانب التي تهم الشؤون الاقتصادية والمالية للمنطقة. ومن هذا المنطلق فان التحذير الجديد لصندوق النقد الدولي يقصد به عدم استنزاف ما لدينا من الثروات، والعمل على تحقيق المزيد من النجاحات في الجوانب غير النفطية، والتقليل من الاعتماد على الذهب الأسود في حياتنا اليومية من خلال إجراء مزيد من الإصلاحات الاقتصادية تجنباً لمزيد من الاقتراض الخارجي.