Image Not Found

حِيرةُ المُواطِن الكادِح .. بين غلاءِ المعيشةِ .. وطلباتِ المدارِس

Visits: 18

مريم حسن اللواتية – شرق غرب

(خرج الأبُ الذي أتم عِقده الرابع من محلِ بيعِ الزهور والهدايا مذهولاً وعلاماتُ الهم والتعب أخذت من وجههِ المرهَقِ مأخذاً .. ومن وراءِه أطفالُه الخمسة وكلٌ يحمِل بيده بالون الهيليوم بألوانِ العيد الوطني .. تعثرَ أحدُ أطفالِه .. فطارَ البالونُ عالياً في السماء وسرعانَ ما اختفى كذرةِ المِلح حين تذوبُ في الماء.. خرجَ الجميع من وهلةِ الدهشةِ على صوتِ بكاءِ الطفل العالي.. رافضاً أن يتحرك من دون بالونٍ كإخوته.

أما الأبُ المسكين فأخذ يتذمرُ بصوتٍ متحشرجٍ: ” طار الريال .. بالله عليهم ما حرام؟ نشقى ونتعب ونشتغل طول اليوم على طلبات المدارس اللي ما تخلص .. 5 ريالات على بالونات وفي النهاية يطيروا بهن في السما؟ ” .. واكملَ حديثَه بصوتهِ العالي وهو يغادرُ المكانَ بخيبةٍ وحزن..)

هذا ما تجسد أما ناظري من مشهدٍ الأسبوعَ الماضي بينما كنتُ واقفةً أمامَ إحدى المحلاتِ في السوق بولايةِ صحم العزيزة. وحقيقةً أثارَ المشهدُ حُزناً عميقاً في داخلي وَدفعني أن أكتب هذا المقال .. لَعل أُذُناً واعيةً تعي.

تفاقَمت في الآوِنةِ الأخيرةِ قضيةُ طلباتِ المدارسِ الغير مبرَّرة من أولياءِ الأمورِ فأثقلت كواهلَ العوائلِ المتوسطةِ والقليلةِ الدخل وزادت هماً على همِّ ربِ الأُسرةِ في توفيرِ ما يَسُدُّ جوعَ عائلتهِ ويكفيهِ مهانةَ الحاجةِ، ففي كل مناسبةٍ يُطلبُ من الطالبِ إحضارُ (توزيعات) وهيَ هدايا صغيرة تُوَزَّع على طلاب الفصل ، أو لِباسٍ بلونٍ مُعين أو المشاركة بِوسيلةٍ مُعيَّنةٍ أو …الخ ، فلا يَكونُ من وليِّ الأمرِ إلا السَّمعُ والطاعةُ راضِخاً لطلبِ المدرسةِ خَوفاً من أن يشعُرَ ابنه/ ابنته بالنَّقصِ أو بأنه أقلُ قدراً من باقي الطُلاب.

ووصَل الحالُ ببعضِ المدارسِ أنها وَفّرت إشتراكاً شهرياً برسومٍ معينةٍ لتوزيعِ وجباتِ الإفطارِ على الطُلاب ممن يستطيعُ أولياءُ أمورهِم دفعَ رسومِ الوجبةِ، ويَجلسُ جميعُ الأطفالِ في غرفة الطعامِ معاً ، ويتمُّ توزيعُ الوجباتِ فقط على الطلابِ الذينَ دفعوا الرسوم ، بينما ينظُرُ إليهم بقيةُ الأطفالِ بعينِ الحِرمانِ والنقص.

واقعاً ، إن ما يحدُثُ لهو بعيدٌ كُلَّ البعد عن وصايا معلِّمنا الأول ورسولِنا الأعظم صلى الله عليه وآله ، في ضَرورَةِ مُداراةِ الإخوانِ وتَوحيدِ صَفِّ المُجتَمعِ ، والرِّفقِ بأحوالِ الناس.
وكذلك هِي عادةٌ دخيلةٌ على المجتمعِ العُمانيِّ المتميزِ ببساطتِهِ وأخلاقِهِ العاليةِ.

ومن هنا فإنه على المدارِسِ مُراعاةُ جانِبِ الفارقِ الماديِّ بين طلابِ الصفِ الواحِدِ وعدم تكليفِ الطالب ما لا يتحملُهُ من طلباتٍ ، فالهدفُ الأساسيُّ هو تحقيقُ عمليةِ التعليمِ وإيصالُ المادةِ العلميةِ بالوسائلِ المُستطاعةِ والمُتوفِّرَةِ.

وكذلكَ يجبُ على أولياءِ الأمورِ من ذوي الدخلِ الميسورِ أن يتحملوا جانباً من المسؤوليةِ في عدمِ الجريِ معصوبي العينينِ في سباقِ المظاهرِ والمفاخرِ ورفضِ المشاركةِ في إظهارِ التكلفِ وشراءِ ما قد يُثقلِ كاهلَ البعضِ ويقضُّ مضاجعَهم.
إنَّ ديننا دينُ رَحمةٍ ويُسر .. دين مودةٍ ومُساواة ..

وكفى بِنا قولُ رسولِنا المُنتجب عليه أزكى الصلوات: ” ارحَموا من في الأرضِ يرحمُكُم من في السَّماء”.