Image Not Found

فرص تأهيل القطاعات الاقتصادية بسوريا

Visits: 17

د. حيدر بن عبدالرضا داوود – عُمان

أنهى الوفد التجاري العماني مؤخرا زياراته إلى كل من الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية الشقيقتين بلقاء عدد من المسؤولين في الغرف التجارية والصناعية والزراعية، بالإضافة إلى لقاءات جرت مع بعض الوزراء والمسؤولين في الوزارات الاقتصادية المعنية بالتجارة والصناعة والسياحة وغيرها في البلدين. وقد توجّت تلك الزيارات بلقاء مع دولة الرئيس اللبناني سعد الحريري الذي حرص على لقاء جميع أعضاء الوفد التجاري العماني، وفي مقدمتهم سعادة قيس بن محمد اليوسف رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان وسعادة بدر بن محمد المنذري سفير السلطنة المعتمد لدى الجمهورية اللبنانية.

وخلال الزيارة الرسمية لسوريا شارك الوفد العماني في افتتاح فعاليات معرض دمشق الدولي في دورته الـ61 بجانب مشاركة عدد من الدول العربية والأجنبية. وقد شهدت الدورة الحالية أكبر مشاركة في تاريخ المعرض منذ عام 1954، ولكن تم تعليق فعالياته بعد نشوب الحرب الشرسة على سوريا في عام 2011 واستؤنف العمل بالمعرض مرة أخرى في عام 2017.

وقد بلغ عدد الدول المشاركة في الدورة الأخيرة التي تنتهي في 6 من شهر سبتمبر الحالي 38 دولة عربية وأجنبية. وتضمن جناح السلطنة 15 شركة ومؤسسة عمانية تعمل في المجالات الصناعية والزراعية والمعدنية والاجتماعية وغيرها، حيث تهدف من وراء ذلك إلى توقيع العقود والصفقات مع الشركات السورية التي تعمل على إعادة البناء والتعمير بعد الخراب الذي خلفته الحرب المفروضة على هذا البلد من عصابات دولية وإرهابيين مدعومين من قبل بعض الدول العربية والأجنبية. ووسط هذه التظاهرة الاقتصادية خرجت دعوات أمريكية لمقاطعة المعرض، وفرض عقوبات على الدول والشركات المشاركة، فيما أكد السوريون أن المعرض يمثّل رسالة انتصار للعالم، وتعمل الدولة السورية على تبني ومواصلة رسالة البناء والسلام مع جميع دول العالم لإعادة بناء سوريا بأيديهم.

معالي المهندس عماد خميس رئيس مجلس الوزراء السوري قال في كلمة افتتاح المعرض إن «إيماننا في سوريا بالنصر على الإرهاب لم يهتز لحظة واحدة، وإذا كان هذا الإرهاب نجح في سرقة معمل هنا أو تدمير منشأة هناك، فإنه لم ينجح بسرقة الأمل منا»، مشيرا إلى أن الحرب التي تعرضت لها سوريا لم تكن ذات طابع عسكري وسياسي فحسب بل كانت في جانب منها حربا إرهابية اقتصادية وقد بدأت الحكومة السورية في تنفيذ مئات المشروعات التنموية في المحافظات وإعادة هيكلة دور مؤسسات الدولة، مشددا في الوقت ذاته على أن معرض دمشق الدولي يعود اليوم ليكمل من جديد رسالته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية وليكون صلة الوصل بين الشرق والغرب. وفي إطار التعاون مع العالم، ترحب سوريا بكل مشروع للتعاون الاقتصادي ثنائيا كان أم جماعيا، وخاصة أنها تزخر وهي تتحضر لمرحلة إعادة الإعمار والبناء بفرص استثمارية مغرية تدعمها جهود حكومية مكثفة.

إن فعاليات معرض دمشق الدولي حمل الكثير من الصناعات العربية والمنتجات السورية التي تزخر بها الصناعات السورية في حين تجاوزت مساحات العرض في هذه الدورة 100 ألف متر مربع وبمشاركة 1700 شركة عربية وأجنبية، وبذاك تعتبر من أكبر الدورات مساحة في تاريخ معرض دمشق الدولي، في الوقت الذي يأمل فيه السوريون بأن تحقق هذه الدورة الأهداف المرجوة في التواصل وتبادل المنتجات وتوقيع العقود وإبرام الصفقات والاطلاع على المنتجات المحلية وفرص الاستثمار في سوريا.

وعموما فإن هدف المعرض وفعالياته هو تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مرحلة عملية إعادة الإعمار، بعد أن تمكن الجيش السوري من استعادة مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت خارج سيطرة الدولة السورية. لقد اطلع الوفد التجاري العماني خلال الزيارة على القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار في سوريا من خلال الزيارة إلى المدينة الصناعية بمدينة عدرا التي صمدت في وجه الإرهابيين الذين نجحوا في سرقة العديد من المصانع السورية ضمن محاولاتهم لوقف المسيرة الصناعية والاقتصادية في هذه الدولة. وقد أكد القائمون على هذه المدينة الصناعية على أهمية العلاقات القائمة بين الدولتين مشيرين إلى خُلق العمانيين في هذا الجانب وحرصهم على استمرار علاقاتهم مع الدول العربية في مثل هذه المواقف الحرجة. وأكدوا على أهمية مدينة عدرا باعتبارها من المدن التي تربط ثلاث دول عربية قريبة وهي العراق والأردن ولبنان، مشيرين إلى ضرورة استمرار وتعزيز التعاون الصناعي مع السلطنة في هذه الفترة التي يخطط لها لإعادة الأعمار، والمشاركة في تأهيل القطاعات الاقتصادية والصناعية المتضررة من الحرب، والاستفادة من التجارب العمانية في هذه المجالات وخاصة في الصناعات الزراعية والتغذية التي دخلت فيها السلطنة خلال السنوات القليلة الماضية. إن التشريعات الاستثمارية السورية تتعامل اليوم مع المستثمر العربي كمعاملة المستثمر السوري، فيما تعمل الحكومة السورية على تعديل القانون الاستثماري الجديد وإصداره خلال نهاية العام الحالي.

أما التكامل الصناعي فهو قائم في هذه الدولة التي تعمل على تطوير منظومة العمل أيضا، بالإضافة إلى تطوير قطاع تقنية المعلومات والاتمتة، مشيرين إلى أنه لولا الأزمات التي لحقت بسوريا من خلال حرب العصابات، فإنه كان من الصعب أن يجد المستثمر مكانا في المنطقة الصناعية بعدرا لإقامة المشروعات الصناعية. ورغم ذلك تعمل الجهات الرسمية على توسيع الرقعة الصناعية وتمليك الأراضي للصناعيين سواء أكانوا سوريين أو عربا أو أجانب، في حين يؤكدون بأن القانون الاستثماري الجديد سوف يمنح المزيد من التسهيلات والحوافز للصناعيين للاستعجال في تنمية القطاع الصناعي، وتحقيق التكامل والإسراع في إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية السورية التي تضررت من هذه الحرب. كما أن سوريا تتميز اليوم أيضا بأن لديها محطة واحدة يمكن من خلالها إنهاء إجراءات تأسيس المشروع الصناعي، فيما تعمل الجهات المعنية على تعزيز المشاريع التشاركية في عدة مجالات ومنها مشاريع الطاقة المتجددة التي سوف تعطى لها الأولوية أيضا، بجانب تميز سوريا بأن لديها إمكانات مائية كبيرة ويمكن استغلال مساحات الأراضي الشاسعة لإقامة هذه المشاريع في مجال الطاقة الشمسية والرياح والاستفادة من نفس تلك الأراضي في المجالات الزراعية أيضا.

وبجانب ذلك تتميز سوريا بموقع استراتيجي يربط العديد من الدول العربية منها لبنان والعراق والأردن وفلسطين بجانب تركيا، وتطل على البحر الأبيض المتوسط وهي منفتحة على دول الاتحاد الأوروبي، ولديها العديد من الثروات المتنوعة، بجانب أنها بلد زراعي يتوفر فيه جميع أنواع الزراعة والمحاصيل، وبلد سياحي يجمع العديد من المقومات السياحية بجانب ما لديها من مؤسسات صناعية وإنتاجية تعمل على استغلال المواد الأولية التي تتمتع بها، بجانب وجود الموارد البشرية المؤهلة في بعض القطاعات. ومن هذا المنطلق فهي مستمرة في الاهتمام بالاستثمار المحلي والخارجي وذلك من خلال تحديث منظومة القوانين والتشريعات وكذلك الاستمرار في عملية الإصلاح الإداري وتهيئة الأرض الخصبة للاستثمار في المناطق الصناعية القائمة في كل من ريف دمشق (عدرا) ، وحلب (الشيخ نجار)، وحمص (حسياء)، ودير الزور الذي يعتبر أحد العوامل الهامة في دفع عجلة النمو الاقتصادي والمساهمة في التنمية بشكل كبير في سوريا.

سوريا تأمن اليوم بأنها قادرة بالنصر على الإرهاب، فهي بلد تتمتع باقتصاد قوي متنوع على تعددية وتكاملية، بجانب ما لديها من مؤسسات عامة وخاصة تعمل في مختلف المجالات الإنتاجية، ومتماسكة وراسخة في انتمائها الوطني بجانب كفاءاتها وخبراتها التي ساهمت جميعها في الصمود تجاه ما حيك لها من مؤامرات سياسية وعسكرية واقتصادية ومنها الحصار الاقتصادي الجائر عليها حتى اليوم. ورغم ذلك فإنها تعمل على تأمين احتياجات شعبها وتوفير السلع والخدمات الأساسية لأبنائها