Image Not Found

الخليج على فوهة بركان

Visits: 15

د علي محمد سلطان

الأحداث التي مرت وخلال أقل من شهر حملت طابعا تصعيديا وعملياتيا غير مسبوقة طرفاها إمريكا وحلفاءها من جهة ومن جهة أخرى إيران وحلفاءها كما ذهب إليه رأي المتابعين لشأن المنطقة وتكاد تكون الصحافة الغربية مجمعة بأن لا إمريكا لوحدها كانت طرفا مستقلا فيما حصل حتى أحداث فجر أمس ، كما وأن حلفاء إيران هم أيضا كانوا حاضرين في قلب المشهد الدرامي المتفاعل مع الحدث مباشرة أو غير مباشر.

إمريكا تسعى جاهدة بأن تجر إيران إلى مفاوضات تفضي إلى إتفاقية شاملة تكون الإتفاقية النووية جزءا منها مع فتح الملف الإستراتيجي الشامل وعلى مصراعيه وتكون إمريكا هي الطرف الأقوى في كتابة سطورها كما وتبعد منها كل الكيانات التي وقعت الإتفاقية النووية مع إيران ليكون طرفاها إمريكا وإيران ولا غيرهما.

الصقور في إدارة ترامب كانوا ولا زالوا مع إستخدام القوة بعد أن وجدوا أن إيران لا يمكنها الرضوخ لفصول العقوبات التي بدأت مبكرة مع إدارة ترامب ويبدو أنهم أدركوا بأن تصفير تصدير النفط الإيراني أمر في غاية الصعوبة إذا لم يكن مستحيلا لأسباب عدة ، فسعوا في توجيه رسائل تتضمن تهديدا فعقدوا مؤتمر وارسو أعقبته مؤتمرات ولقاءات غايتها تأزيم الأوضاع والتحشييد والتجييش والتصعيد مع رسائل تتضمن الإستعداد للذهاب إلى حرب شاملة ومفتوحة مع إيران.

كل هذه الرسائل تهالكت على أعتاب ثلاثة أحداث ، الحدث الأول جاء في بحر العرب وعلى أربعة بوارج منطلقة من أأمن المواقع في الخليج وفي مياه الفجيرة بعيدة من مياه إيران بأكثر من مائة ميل بحري ، وهو الحدث الذي هز إمريكا قبل أن يهز حلفاءها فتكتموا على الخبر لساعات حتى جاء الخبر في إحدى الفضائيات ومع ساعات العصر جاءت الأخبار تترا مع بعض الصور وهنا فقد بدأ الإعتراف الخجول ومن ثم أصبح الخبر متداولا وأخذت التهديدات تنال من إيران ومن تصرفها خارج مياهها الإقليمية وفورا بدأت الإتهامات الإمريكية بإدانة إيران ومن دون أن تتحقق ما إذا كانت اليد الإيرانية فعلا قد طالت السفن وبأسلوب إحترافي كما قد حصل مما يدلل أن إمريكا عاجزة من رصد حركتها وفي المياه التي تتواجد فيها بوارجها وقواعدها الثابتة والمتحركة ، وهذا الحدث إن كان قد تأكد وقوعه ومن جانب إيران فإن المليارات من البترودولارات تكون قد إحترقت على أعتاب بحر العرب وقبل أن تصل نار الحرب إلى المياه الإقليمية لإيران أو أن تمس جانبا من بوارجها وسفنها المتحركة في طول وعرض البحر من طرف مياهها في مضيق هرمز المتقسم سياديا بينها وبين السلطنة.

والحدث الآخر قد جاء من الحوثي الحليف الإيراني بمنظور إمريكي فقد إستل سهما مارقا من سهامه مخترقا حجب الغيوب فأودعه في قلب أنبوب نفطي طالما كان آمنا في سربه.

هذه التطورات جميعا دعت إمريكا ومن ورائها بعض حلفائها في الخليج بتقزيم إيران وتقليم أظافرها فوجدنا الدعوات نحو الحرب ضدها ولو بضربات ماحقة في مواقع إستراتيجية معينة حتى الأيام القليلة الماضية التي ذهب فيها المتابعون بأن الضربة آتية في أية لحظة بعدما لم تجد دعوات ترامب لإيران بالجلوس على مائدة المفاوضات وعبر وسطاء كبار آذان صاغية من جانبها وآخرها ما جاء على لسان ولي الفقيه لرئيس وزراء يابان قبل أيام.

حلفاء إمريكا وبعد كل هذه الأحداث التي جرت أخذوا يدفعون بالأمور نحو التصعيد معتمدين على المبادرة الإمريكية الممكنة بتوجيه الضربات والتوجه كذلك نحو تدويل مضيق هرمز ويبدو أن إمريكا سارت في منحى التصعيد بأن حاولت إختراق جدار الصمت في أحلك ساعات الليل ودخلت بإحدى طائراتها في المياه الدولية لإيران بحسب الرواية الإيرانية وقد أرادت إمريكا بأن تهدأ خواطر حلفائها ممن يريدون تحجيم إيران والتضييق عليها لأسباب معلومة فعمدت بأن تخرج من سربها طائرة مجنحة ومن غير طيار ، وهي من الطائرات الأحدث عندها فاخترقت المجال السيادي للجانب الإيراني من مضيق هرمز وبحسب الرواية الإيرانية وفي جنح الليل البهيم ، ولم تكن لتدرك أن الرادارات الإيرانية تلتقط ذبذبات الصوت والصورة ففاجأتها إيران بالقناص الذي ضرب في قلب الطائرة فمزقها أشلاءً في المياه الدولية لإيران.

الحدث كان أولا من نوعه ، كما أن قدرات إيران باتت ومن غير شك في مستوى من الردع في مجال الأرض جو واليقظة كانت عالية لاسيما إذا أخذنا في الحسبان أن ساعة الإختراق كانت في الليل وفي أحلك أوقاته ، إذ أن عامل الزمن يُحسب له في ساعات الهجوم والدفاع المضاد.

في كل ماحدث يبدو أن إيران قد بدأت تأخذ بزمام المبادرات في صراعها المرير وبدأت في كل الأحداث الأخيرة هي المتفاعلة والمبادرة فيما لو صح ووفقا للروايات الإمريكية وجانبا من حلفائها في المنطقة بأنها وراء الأحداث المتتالية والمتحركة وعليه فإن مضيق هرمز من جانب سيادتها لم يعد هو مجال سيطرتها فقد غدت تتحرك في البحر العربي والمحيط الهندي وهذا تطور إستراتيجي كبير ، فعندما يتراجع ترامب عن الضربة فإنه يبدو أننا أمام تراجع إمريكي كبير لم يحصل في كل تاريخها في هذه المنطقة التي تخضع تقليديا لهيمنتها منذ الخمسينيات من القرن الماضي.

نقلة كبيرة في ميزان القوة العسكرية الإيرانية والتي ستقوي أوراق إيران التفاوضية إذا حصلت مع إمريكا في المستقبل القريب أو البعيد ولا أشك للحظة أن إيران ستجلس مع إمريكا عاجلا أم آجلا وسيتفاوضون على كل ما من شأنه أن يحقق مصلحتهما في نهاية المطاف لأن المنطقة لن يكون بمقدورها بأن تتحمل حربا شعواء بين طرفين وفيها المخزون النفطي الهائل يغذي العالم يوميا بمعدل 40% من حاجته وينتج لأكثر من 20% من الخام العالمي، بجانب وجود كيان صهيوني غاصب محاط بسياج من الأمن لدى المحافظين الجدد وهو الكيان الذي يشكل أمنه أمن الولايات المتحدة الأمريكية وفي قلب معادلاتها الإستراتيجية في المنطقة.

هل من رجل رشيد يسعى لفتح صفحة الحوار بين دول المنطقة قبل أن تقع الواقعة؟