Image Not Found

لكي يقوم المركز الوطني للتشغيل بدوره

Visits: 31

مرتضى بن حسن بن علي- الرؤية

[email protected]

بدأت المراكز الوطنية للتشغيل بالظهور في أواخر القرن الثامن عشر لمواجهة اثار الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا وانتشارها تاليا إلى الدول الاخرى، مُحدثة تأثيرات جذرية في مختلف جوانب الحياة، واعادت بناء سوق العمل من جديد. وبعد ان فقد عشرات الالوف من العمال وظائفهم التقليدية، كان محتما عليهم، بعد عناد ورفض، ان يتدربوا للحصول على الوظائف وفقا للمهارات الجديدة المطلوبة. وكانت النتيجة ان ارتفعت إنتاجيتهم وزادت اجورهم وأصبحوا يتمتعون بأوقات أكثر للاستمتاع بأوقات فراغهم وتحسنت ظروفهم الحياتية.

 المراكز الوطنية للتشغيل موجودة الآن في عديد من الدول. وبالمقابل لا يوجد اهتمام كبير في الدول العربية لمثل هذه المراكز على غرار الاهتمام الموجود في الدول الأخرى، وإن وُجد، فإنها لا تقوم بما تقوم بها قريناتها في الدول المتقدمة.

المرسوم السلطاني السامي رقم 22/2019 بإنشاء المركز الوطني للتشغيل وإصدار نظامه يشكل قفزة نوعية لتنظيم سوق العمل عن طريق التنسيق بين الجهات المختلفة المعنية.

مراكز التشغيل، تعمل عادة بصورة وثيقة مع الجهات المعنية، ولكن كوكالات تنفيذية مستقلة. أنها تخطط وتوصي لعدد كبير من السياسات لمساعدة الباحثين عن عمل، ومساعدة الشركات للحصول على ما تريدها من الكفاءات المختلفة والمتغيرة، من دون تدخل منها في عمليات التعيين، كما تقوم بالتنسيق مع الجهات المعنية، لإجراء التعديلات اللازمة في سوق العمل وقوانينه، وتقدم المساعدة عندما يفقد العامل وظيفته، وفق شروط معينة ولفترات زمنية محددة، ومنها أنّ العامل المتعطل، لكي يصبح مستحقا للمعونة، كان يعمل ويساهم في الصندوق الخاص، لمدة لا تقل عن ١٢ شهرًا. وموارد الصندوق ممكن أن تكون مشاركة بين الأموال الحكومية واشتراكات العمال الشهرية والرسوم المفروضة على جلب العمالة الوافدة كون المراكز محايدة وتدير حوارًا مستمرًا بين الأطراف المعنية لإيجاد قناعات مشتركة بين الأطراف المختلفة، كما يتابع المركز، التطورات والتغييرات السريعة التي تحصل في العالم والتي تؤثر على سوق العمل ويبذل جهودا كبيرة للقيام بدراسات ومقاربات مستمرة بين مهارات الباحثين عن عمل وتلك المطلوبة من سوق العمل.

في الدول التي اعتمدت كثيرا على ثروة واحدة، فإنّ هذه المهمة تواجه تحديات رئيسية منها ضعف التعليم والتدريب ومحدودية القطاع الخاص وانشغاله بإنتاج الخدمات غير المتداولة وضعف الإنتاجية وأخلاقيات العمل لدى الكثيرين واعتماده على الإنفاق الحكومي. ويمكن تذليل هذه المشاكل عن طريق إيجاد أولويات محددة والتركيز عليها بداية، واتباع استراتيجيات وسياسات وخطط فعالة مستعينة بمؤشرات نوعية وكمية واضحة ومراقبة الأداء. وبغياب التخطيط والتصويب نحو النتائج، والحوار المستمر بين جميع الأطراف، والمراقبة المستمرة من المنظمات المستقلة، فإنّ الأهداف قد تنحرف عن مسارها.

المراكز تلعب أيضًا، دورا فعالا في تحديد المهن المستقبلية والحوار مع الجهات التعليمية والتدريبية لتعديل أنظمة التعليم والتدريب، ومواءمة المهارات مع الاحتياجات المستمرة والمتبدلة، وهي بمجموعها توفر معادلة مناسبة للتوفيق بينها وتقلل التشوهات والفجوات الموجودة بين المهن والكفاءات المطلوبة والمعروضة. والتدريب يتكون من شقين: التدريب على المهن المطلوبة حاضرًا وتلك التي سوف تكون مطلوبة في المستقبل القريب. وهناك ما يكفي من المعلومات والدراسات العالمية في هذا الصدد. هذه المهمة تحتاج إلى تعاون فعال ومثمر بين العمال وأصحاب العمل والنظام التعليمي والتدريبي ومراكز البحث في الجامعات. المهارات وليست الشهادات، تشكل لب وجوهر فرص الحصول على العمل ومقدار الأجر.

مشكلة تراكم أعداد الباحثين عن عمل يمكن إيجاد حلول لها عن طريق التشخيص الدقيق لجوهر المشكلة وتجنب الحلول الإجرائية والإدارية الغريزية، واتخاذ خطوات عملية لإعادة هيكلة الاقتصاد ليكون متعدد المصادر وتحسين التعليم والتدريب وتغيير ثقافة العمل القائمة، عن طريق التأثير في السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد للأفراد وتنمية القيم الجديدة المطلوبة التي تجعل نشاطهم في إنتاج السلع والخدمات متلائما مع ما هو المطلوب.

كل هذه العوامل تؤثر على تطور القوى الإنتاجية وتقلل الاعتماد على القوى الوافدة ذات الإنتاجية المنخفضة. نوعية الاقتصاد الذي اتبعناه أدى إلى تذبذب معدلات النمو وتراجع الاستثمار، وضعف الإنتاجية الكلية وتشجيع القطاعات كثيفة العمالة ذات الأجور المنخفضة والإنتاجية المتدنية. وفي هذا الصدد، من الضروري أيضا مراجعة نظام التعمين الحالي والذي بدأ منذ التسعينيات عندما كانت الظروف مختلفة ولم تكن أعداد الوافدين تتجاوز ٦٠٠ ألف عامل وافد. نظام التعمين الحالي، لم يعد قادرا على الاستدامة ويستوجب إعادة مناقشته، بعد أن تجاوز أعداد الوافدين المليون ونصف مليون عامل وافد حسب أرقام نهاية عام ٢٠١٨. وفي الوقت الذي استهدفت رؤية ٢٠٢٠، أن تصل نسبة التعمين في القطاع الخاص إلى 75% في ٢٠٢٠، نجد أنها انخفضت من ١٨.٥% عام ٢٠٠٣ لتصل إلى حدود 13% في الوقت الحاضر. هناك أسباب عديدة لذلك ولكن أهمها أنّ شروط الوصول إلى ذلك لم تنفذ.

من المهم أيضًا الانتباه أنّ بذل الجهود لإيجاد المهارات المطلوبة، يتطلب وجود قطاع خاص قوي ومتنامٍ ومنتج وذات أنشطة متعددة، وتكون خدماته قادرة على التداول مثل السياحة. كل ذلك سوف يساعد على إيجاد عشرات الألوف من فرص العمل. وبغياب اقتصاد قوي ومنتج ومتنوع وقوانين عمل مرنة وإلغاء كل ما يعيق تدفق الاستثمارات وإيجاد بيئة صديقة للعمل، فإنّ الجهود لن تصل إلى أهدافها ولن تقدر على إيجاد حلول لمشكلة الباحثين عن عمل وتقديم أجور معقولة لهم، الآن أو مستقبلا. عديد من وظائف المستقبل تتطلب، قيام العامل بالانتقال بين الوظائف المختلفة وتغيير تخصصه أكثر من مرة عن طريق إعادة تدريبه على مهارات مختلفة. التحولات الواسعة والمتسارعة في العالم تتطلب اتخاذ خطوات عديدة وجريئة ومختلفة تماما من تلك التي تم اتباعها لحد الان.

المركز الوطني للتشغيل يقدر أيضا أن يساهم، بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى، على إيجاد مشروع وطني طموح للإصلاح الشامل للتعليم والتدريب وإيجاد مواءمة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل المتطورة ودراسة احتياجاته الحالية والمستقبلية. كما هناك ضرورة لإيجاد قاعدة متكاملة من المعلومات عن سوق العمل وتحليلها. فعلى سبيل المثال:

ما عدد الشركات المسجلة والعاملة؟ وما هي درجاتها وأنشطتها وما نوعية العمالة الموجودة، الوطنية منها والوافدة، وما نسب توزيع أعداد الباحثين عن عمل حسب المحافظات والولايات المختلفة أو حسب النوع؟ ما نسب التعمين المعمول بها منذ عقود وما هي أسباب عدم الوصول إليها وهل يمكن الوصول إليها وكيف؟ هل الخلل موجود بسبب وضع تقديرات من دون تحليل للأرقام الموجودة والمتغيرة؟ ما أسباب تركز العمالة الوطنية في الشركات الكبرى التي تستوعب نحو 96% من العمالة الوطنية في الوقت التي تشكل نحو 5% فقط من أعداد الشركات العاملة؟ من جهة أخرى تستوعب الشركات ما دون الدرجة الأولى والتي تبلغ نسبتها نحو 95% من مجموع الشركات العاملة أقل من 4% فقط من العمالة الوطنية؟ ما هي أسباب الخلل؟ قد يكون مناسبا أيضا، أن يدرس المركز موضوع الإجازات الرسمية العديدة وتأثيرها على الإنتاجية وتدفق مليارات الريالات إلى الخارج ودراسة أفضل الطرق لتقليل اعتماد القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي تدريجيا وتقوية إمكانات القطاعات المالية والمصرفية لتلبية متطلبات القطاع الخاص، وإيجاد تحولات جذرية في هيكلية الاقتصاد العُماني وتحويله إلى اقتصاد متنوع لتوسيع القاعدة الإنتاجية، وإيجاد محركات النمو وتمكين الاستثمار المحلي والأجنبي من القيام بدور رائد والعمل على خلق المناخ الملائم لإيجاد اقتصاد قادر على المنافسة.

تقليل العمالة الوافدة تحتاج إلى اتباع مسارات مختلفة عن تلك المتبعة لحد الآن، وعملية إحلال العمانيين تحتاج بدورها إلى طرق واساليب مختلفة أخرى. إنّ أكثرية العمالة الوافدة والوطنية الآن هي ذات مستويات تعليمية أقل من المستوى الجامعي كما أنّ مستويات مهاراتها وإنتاجيتها ليست كبيرة. كل ذلك يعكس نوعية الاقتصاد الريعي غير الإنتاجي السائد.

وتهيئة القطاع الخاص لاستلام دوره القيادي في عملية التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل للخريجين الجدد ولا سيما من خريجي التعليم العالي، يتطلب سياسات موجهة نحو إعادة تكييف الطلب على العمل وإيجاد طلب على العمالة الماهرة جدا وخريجين ذات مستويات تعليمية وتدريبية ممتازة. هذه مسألة ذات بعدين، اقتصادي واجتماعي في نفس الوقت. البعد الاقتصادي يكمن في الأهمية الحاسمة لعنصر إنتاجية العمل في تحديد درجة تنافسية الاقتصاد الوطني. اعتماد القطاع الخاص على عمالة وافدة والتي تفتقد المهارات العالية، لها أسباب موضوعية عديدة، ومنها أنّ العملية أرخص له من تكلفة الاستثمار في وسائل إنتاج ذات كثافة رأسمالية عالية، ولكن تحتاج إلى عمالة متدرّبة وكفوءة ولكن بأعداد أقل من تلك التي يستخدمها الآن. والسياسات القائمة الآن تشجعه على ذلك.

من الضروري أيضًا للمركز الجديد مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة والاستفادة من الكم الهائل من المعلومات المتوفرة عن هذا الموضوع، ودراسة أسباب تعثر عدد منها وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلة، والتأكد من تفرغ صاحب المشروع للعمل وتعريضه إلى دروس تدريبية وتعليمية في كيفية إدارة الشركة ومسك الدفاتر وقراءة الميزانية وبعض الأمور المالية الأساسية، إضافة إلى التنسيق بين البنك المركزي والبنوك العاملة الأخرى لتقديم التسهيلات المناسبة.

في الأخير، لا بد أن يكون الهدف الذي يسعى إليه المركز منسجما مع ما أعلنه المجلس الأعلى للتخطيط في إحدى دراساته:

“سوق عمل جاذب للكفاءات ومتفاعل ومواكب التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية ضمن سياسات استقطاب واضحة المعالم والمعايير ومنظومة تشغيل وتأهيل وترقيات وحوافز مبنية على الكفاءات والإنتاجية تزكي روح المبادرة والابتكار وقوانين وتشريعات ناظمة لسوق العمل وفق معايير مهنية وبيئة عمل حافزة ومستجيبة للمتغيرات ومؤشرات أدائه:

  • نسبة القوى العاملة عالية المهارة من إجمالي القوى العاملة.
  • إنتاجية القوى العاملة.
  • حصة القوى العاملة العمانية من إجمالي الوظائف المستحدثة.