Image Not Found

المدرسة العمانية … أفضل!

Visits: 44

محمد بن رضا اللواتي

ما أن بلغ “حمد” موقف سيارات المدرسة حتى شاهد ابنته “أميرة” تُلوِّح له بيدها من الباص المدرسي الذي كان يتحرَّك توا، عندها تذكَّر أنه نسي أن حصة “المهارات الحياتية” – المادة العملية الوحيدة بنسبة 100% ولكنها تُدرس حاليًا بشكل نظري بنسبة 100% – باتت تُدرس بشكل ميداني تمامًا، فالأطفال يزورون تارة شواطئ البحر لالتقاط القواقع لكتابة تقرير عن ألوانها وأحجامها، وأخرى إلى البستان لزراعة نبتة، وأخرى إلى مرسم الفن التشكيلي، وهذه المرة فقد أقلهم الباص الذي تحرَّك قبل هنيهة إلى كلية الأسنان، حيث سيتلقون درسًا عملياً حول العناية بالفم، وما الذي يفعله الأطباء للحفاظ على اللثة.

عليه الآن أن يُغير من موعد ابنته لفحص البصر، لكن المشكلة أنَّ حصة “الاجتماعيات” أيضاً باتت أغلبها عملية، فعوضا عن حفظ النصوص الطويلة والمملة وبعبارات تعجز عن إبداء الفكرة إلا بجمل تبدو وكأنها تتعمد خنق مقدرة التفكير المُبدع في هؤلاء الصغار، لذا كانوا يعدونه – سابقا – أسوأ المواد، يذهب الأطفال إلى المرعى ويأخذون فكرة ميدانية عن “الصيد الجائر”، وكانوا قد زاروا تلال “بوشر” الرملية ليأخذوا فكرة عن الغطاء الرملي وأهميته، وهذا الأسبوع سيزورون “شرطة عمان السلطانية” للحوار مع المسؤولين عن الخطط المتوقع تنفيذها لأجل التغلب على الاختناقات المرورية وأسباب وقوعها.

كذلك لا يصلح أن يحجز لها موعداً في صباحات الأحد والثلاثاء والخميس، ففي هذه الأيام تخرج “أميرة” من المنزل متلهفة للوصول إلى باحة المدرسة، فالإذاعة المدرسية صباح الأحد تبث على الهواء مُباشرة بالتعاون مع “إذاعة الرؤية” ويُتابع العديد من الآباء مستجدات التعليم وتحدياته، والمنوعات التي تُبث من كل بستان معرفي، يستمعون إليها بأصوات أطفالهم بشغف وبمشاعر تبعث فيهم الفخر. أما صباحات الثلاثاء والخميس، فمخصصة للدخول في النادي الرياضي الصباحي لمُمارسة التمارين الرياضية والغطس في المسبح المُغلق لمدة نصف ساعة. كم يشعر الأطفال بنشاط وهم يُقبلون بنهم على بقية دروس اليوم.

أما صباح الخميس فلن تتنازل ابنته عنه بتاتاً، فساعته الأولى مخصصة لممارسة رياضة كرة السلة.

فهل الأربعاء يصلح لحجز موعد لها عند طبيب العيون؟ ليس كذلك أيضًا!

إنِّها ليلة الثلاثاء تسهر لمشاهدة فيلم بالصور المتحركة، لأنَّ حصتها الأولى تبدأ في العاشرة صباحًا، وبالمُقابل فإنَّ عليها أن تشاهد حصة العلوم في المنزل على اليوتيوب وكذلك حصة الرياضيات، وإعداد شرائح عرض عمَّا تعلمته منهما، لتقديمه، وباللغة الإنجليزية، أمام الصف بحضور معلمتها، للتأكد من مدى استيعابها لهما، ومدى إجادتها عرض المضامين بأسلوب الإلقاء.

نادٍ رياضي في المدرسة!

حصة العلوم والرياضيات استبدلت بمُشاهدة فيديو تعليمي على اليوتيوب؟ وحصة في اللغة الفرنسية أو الألمانية؟

زيارة إلى ميناء السلطان قابوس السياحي للاطلاع عن كثب على حركة السفن، وأخذ فكرة عملية عن الحوض الجاف؟ ثم التحدث مع السياح عن أسباب زيارتهم للسلطنة؟

زيارة سوق الظلام للتعرف على نوع السعف الذي تم استخدامه لسقف السوق؟

زيارة الإسطبل السلطاني لمعرفة أنواع الخيول وماذا تأكل وكيف يتم توفير الطعام؟

حصتان كل عصر إثنين، بالمُقابل الخروج المبكر من المدرسة صباحًا؟

بكل بساطة: نعم!

لهذه الأسباب فضلت “أميرة” “المدرسة العمانية” على منافساتها كالألمانية والبريطانية والسنغافورية والفنلندية حتى، فلقد وجدت الفيلم التعليمي القصير يغني عن ألف درس مكتوب، وزادت مهاراتها في الإلقاء والطرح والتمكن من الأفكار ما أن تم التعهد إلى الأطفال بطرح الدرس وإلقائه أمام مديرة المدرسة وطلبة الصف. كما وأن تقديم امتحان إحدى المواد بالوقوف أمام الصف شرحًا قد فجر فيها الثقة بالنفس والقدرة على التواصل بشكل رائع.

إنَّ الأنشطة قد غيرت من هموم الأطفال، فباتوا الآن يفكرون كيف ينبغي أن تكون عُمان في 2040، وما دور مجلس الشورى ومجلس الدولة في بلدهم، وما الذي تفعله وزارة الزراعة والثروة السمكية لحماية الأمن الغذائي لهم.

هذا دون أن يُحرموا من أجواء الطفولة، فاللعب والرياضة والمناظرات الحوارية موجودة، كذلك المطارحات الشعرية، التي ما أن حلت محل حفظ النصوص الشعرية الطويلة والرتيبة، حتى أخذ الأطفال يتنافسون على حفظها وطرحها في جو من المُنافسة.

تطورت حصة تعليم العزف على البيانو، فما عاد الآباء يبحثون عن دورة تدريبية لأطفالهم خارج المدرسة، ففي السابق، كان الطفل يلتحق بدورة تدريبية لمدة شهرين ويخرج منها وهو يُجيد العزف، في حين حصص سنة دراسية كاملة ما كانت تفيده في إجادة عزف أي شيء تقريبًا، بحجة أنَّ على المدرسة أن تتبع خطى المنهج! بات هذا في خبر كان، فالمدارس تتنافس اليوم بتقديم أجود المهارات الحياتية والفنية للأطفال بما فيها الكاراتيه والشطرنج والتيكواندو.

في “المدرسة العمانية” الهاتف أضحى جزءا لا يتجزأ من الحقيبة المدرسية، فتطبيق التعليم الذكي متاح دائمًا، وكثيرا ما تتطلب مجموعة من المواد استخدامها عوضا عن شرح ساعة ينظر الطلبة فيه خلسة إلى معاصمهم لمعرفة كم تبقى من الوقت على هذه الرتابة والملل!

لسنا في حاجة إلى الزمن الذي يُريدون فيه غرس شريحة إلكترونية توفر المعلومة في أدمغة الأطفال، فتتعطل العقول عن العمل، إذ إن استخدام الفضاء الافتراضي التعليمي متاح بوفرة، وتأثيره هائل لا يُقارن بأداء مُعلمة بلكنة جنوب الهند.

“المدرسة العمانية” باتت أنموذجا للجامعة والكلية، فأنشطة الطلاب ونشراتهم الأدبية ونادي الذكاء الاصطناعي في المدرسة يرتاده العديد منهم تقريبًا كل مساء، وفي نهاية العام الدراسي يقدم المبدعون ابتكاراتهم العلمية للإعلام العماني الذي يحرص كل الحرص على نقل هذه المبادرات في أخبار العاشرة مساء.

إنِّها قللت الفوارق بين أعلى وبين أصغر مؤسسة تعليم، كما أنَّ الزيارة الميدانية لأروقة الكليات والاستماع إلى محاضرة المدرس الجامعي في كلية التجارة أتاحت لهم خوض تجربة راقية.

وبقي سؤال واحد فقط وهو:

متى ستُفتتح هذه المدرسة – أعني “المدرسة العُمانية” – تحديدا؟

هل ثمة سؤال أهم فاتني طرحه؟

[email protected]

جريدة الرؤية