Image Not Found

إيجابيات إنتاجية العاملين في المؤسسات

Visits: 17

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

لم يأت نجاح الدول التي تقدمت في حياتها العلمية والعملية وفي مشاريعها وفي بنيتها الأساسية من فراغ، وإنما جاء ذلك كله عبر عمل دؤوب ومخلص، وإنتاجية دائمة في العطاء، ومن خلال إجراء مزيد من البحث العلمي، والمثابرة في تقديم كل ما هو جديد مع المحافظة على القديم. وهنا نؤكد على أهمية الإنتاجية في تحقيق النجاحات للمؤسسات والدول. فإنتاجية الأيدي العاملة هي عبارة عن قيمة العمل الذي يقوم به عامل في مدة ساعة. ومع زيادة العمل في تلك الساعة، فان مستويات الإنتاجية تزداد هي الأخرى مما ينتج عن ذلك تحقيق اقتصاد صحي ومتوسع. كما يعرّف مصطلح “الإنتاجية” على أنه مقياس لقدرة المنشآت على تحقيق المُخرجات من المدخلات، ويُعرّف أيضاً على أنه إمكانية تحقيق أكبر كمية مخرجات ممكنة من كمية مدخلات معينة، الأمر الذي يتطلب ضرورة ارتفاع الكفاءة الإنتاجية الذي يعتبر أمرا مهما لكل من الفرد والمؤسسة والمجتمع.

فأي ارتفاع في الكفاءة الإنتاجية للفرد يؤدي إلى حصوله على أجر أعلى وبالتالي يزداد دخله الشهري ويرتفع من مستواه المعيشي. كما يؤدي ذلك إلى تخفيض التكاليف للمؤسسات وبالتالي إلى تخفيض أسعار المنتجات، وتعزيز المركز التنافسي لها، وإلى زيادة الأرباح في نهاية المطاف. أما بالنسبة للمجتمع فيؤدي ذلك غلى ارتفاع الكفاءة الإنتاجية وزيادة حجم الإنتاج وتخفيض الأسعار وبالتالي ارتفاع المستوى المعيشي لأبناء المجتمع عموما.

ومن هذا المنطلق أصبح الكثير من الدول ومؤسساتها تدرك الآن أهمية زيادة الإنتاجية مع الإبداع في أعمالها لكي تتقدم في مشاريعها واقتصادها، وتعمل جاهدة في توفير كل ما هو جديد في عصر التقنيات الحديثة لتسريع أعمالها، وتسهيل أنشطة مؤسساتها، واستخدام الأجهزة الذكية والروبوتات والذكاء الاصطناعي في حال احتياجها لذلك.

ونجد اليوم أن الحكومات تقف وراء مؤسساتها وشركاتها لتطوير قدراتها الإنتاجية لتحقيق مزيد من الإبداعات، الأمر الذي يدفع نمو إنتاجية العامل في عمله اليومي أيضا. ولتحقيق ذلك تقوم بعض الدول ببناء مدارس ومعاهد خاصة لتعليم قضايا تتعلق بالإنتاجية والأعمال المرتبطة بها، وكل ما يؤدي ذلك إلى نموها مستقبلا. كما تهتم بالتنافسية التي تؤدي إلى زيادة إنتاجية العامل أيضا. ولكن تبقى جميع تلك المسائل مرهونة بمدى إقبال العامل عليها والاستمرار في تقديم إبداعه وإنتاجيته المطلوبة، في وقت أصبح الكثير من أجهزة الاتصالات الشخصية الحديثة تعمل على إبعاده عن الانخراط في عمله بصورة مرتكزة.

وقد أجريت عدة بحوث في هذا الشأن لمعرفة القضايا المتعلقة بالإنتاجية، وقد كشف استطلاع أجرته مؤسسة جالوب قبل عدة أعوام أن حوالي 70% من الموظفين في أمريكا لا ينخرطون في العمل بسبب تشتتهم بين هواتفهم الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ورسائل البريد الإلكتروني، ومتطلبات حياتهم الشخصية. وهذا الأمر ينطبق – بلا شك – على الكثير من الدول الأخرى وخاصة العربية منها. فبعض البيانات العربية من خلال الدراسات التي أجريت في هذا الشأن تشير إلى أن إنتاجية الموظف/‏‏‏‏ العامل العربي عموما هي في أدنى الدرجات مقابل ما يتم في الدول الأجنبية الأخرى. وقد توصلت دراسة أجريت قبل عدة سنوات لاتحاد تنمية الموارد البشرية المصري إلى أنّ معدل إنتاجية الموظف الحكومي العربي تتراوح ما بين (18) إلى (25) دقيقة يوميا، فيما ترى دراسة أخرى أن معدل إنتاجية العامل العربي لا تتجاوز 45 دقيقة في اليوم. كما نجد أيضا أن الشركات الأمريكية تخسر هي أيضا الكثير من الأموال نتيجة لقلة الإنتاجية تبلغ حوالي 544 مليار دولار بسبب تواضع إنتاجية الموظفين غير المنتجين.

وهناك اليوم نقاش طويل حول إنتاجية العامل أو الموظف، فيما هناك انطباع لدى الكثير من رجال الأعمال العمانيين بأن العاملين في المؤسسات العمانية العامة والخاصة غير منتجين ويشكلّون عبئا إضافيا على المؤسسات. ومنذ عدة أيام مضت كان هذا الموضوع ضمن عدد من المواضيع التي تمت مناقشتها بمنتدى عمان للموارد البشرية الذي نظمته جريدة “الرؤية”، برعاية معالي الشيخ خالد بن عُمر المرهون وزير الخدمة المدنية، حيث نوقشت ورقة بهذا الشأن تحت عنوان “التشريعات الممكنة لتعزيز الإنتاجية”، بالإضافة إلى مناقشة التحديات التي تمر بها السلطنة في المرحلة الحالية فيما يخص بتنمية الموارد البشرية عموما. وموضوع “الإنتاجية” كما هو معروف عنه، موضوع متشعب وكبير ومهم لجميع أطراف العمل، ويحتاج إلى تسليط الضوء عليه وإجراء مزيد من الدراسات عنه لمعرفة الجوانب الإيجابية والسلبية للأيدي العاملة الوطنية وتقويم الخلل لاحقا.

وفي هذا الشأن تحرص الجهات المعنية في السلطنة على تغيير هذا المفهوم بحيث تصبح إنتاجية العامل العماني مرتفعة مقابل ما يحصل عليه من الراتب الشهري والحوافز والمكافآت التي تمنح له. وتعمل وزارة القوى العاملة على تعزيز استقرار القوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص، حيث تختلف الرواتب والعلاوات في هذا القطاع حسب نوعية وحجم العمل، ومؤهلات الموظف، والخبرات المطلوبة في مجال العمل، الأمر الذي يتطلب من العامل منح وقته للعمل المطلوب لتحقيق الإنتاجية المطلوبة مقابل ما يحصل عليه من أجر. ولكن هناك عدة أسباب لتراجع الإنتاجية لدى العامل العربي وفق آراء بعض الخبراء، منها البيروقراطية المتبعة في المؤسسات، والبطالة المقنعة وعدم تأهيل الموظف، وتحديد مواصفاته القياسية (الوصف الوظيفي)، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها قوانين البلاد العربية التي توزع الوظائف دون الالتزام بقواعد وقوانين صارمة، فضلاً عن تعيين موظفين لا تتناسب مؤهلاتهم مع الوظيفة التي يعملون بها ولا تحقق مصلحة سوق العمل، والتعامل بموضوع خطير وهو “الواسطة والمحسوبية” في التعيين.

المرحلة الحالية تتطلب ضرورة الاستثمار في العقل العربي وتوفير الدعم المالي الحقيقي لإنجاح الموظف/‏‏‏‏ والعامل لزيادة إنتاجيته كما هو متبع في الكثير من الدول الأخرى الذي تستثمر في رأس المال البشري وتركز على المحور التعليمي ومخرجاته، وضرورة اتباع النموذج الغربي الذي ينفق من 2 إلى 5% من مجموع أجور العمل في عملية تدريب مستمرة لتحقيق النجاحات الاقتصادية المرجوة في جانب الإنتاج. كما يحتاج هذا الأمر إلى توفير سبل الراحة، والأمان الوظيفي للعمال والموظفين، وإعطاؤهم الأجور المناسبة تجاه مجهودهم المبذول، وتعاملهم بإنسانيّة ورحمة، وتقصير المسافات بينهم وبين أرباب عملهم. فاستقرار القوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص سوف يؤدي حتما إلى زيادة مساهمتهم في الإنتاجيّة لاحقا.

[email protected]